الجزائر

تيزي وزو.. ''مملكة الاختطاف'' الإجرام والإرهاب يتحالفان على المنطقة



أزيد من 70 مؤسسة هربت من المنطقة بسبب الوضع الأمني
ما يزال اللاأمن والفوضى والجنون الإرهابي والإجرام بتيزي وزو جاثمين على صدور سكان المنطقة، لا سيما بقرى ومداشر البلديات الواقعة على طول الشريط الجنوبي للولاية، بني دوالة ومعاتقة وبوغني وماشطراس وأزفون وواسيف، التي تعيش شبه حالة حظر غير معلن عنها. فتيزي وزو هي أرض تحالفت عليها الجماعات الإرهابية مع عصابات الإجرام، حيث تواصل مسلسل الاختطافات في شهر رمضان ليصل عدد المختطفين إلى 70 حالة.. هذا الوضع وضع مستقبل المنطقة في حكم المجهول، في غمرة الإحصائيات التي كشفت عن مغادرة 71 مؤسسة اقتصادية للمنطقة، بسبب الوضع الأمني المتردي والمناخ الاقتصادي غير الملائم.
هاجس الخوف من الوقوع في قبضة عصابات الإجرام، دفع بالعديد من سكان القرى والمداشر الى ضبط حساباتهم جيدا خلال تنقلاتهم من منطقة لأخرى، سواء بالليل أو النهار، خاصة وأن العصابات تحوز على مختلف الوسائل من سيارات وأسلحة نارية وبيضاء وأجهزة اتصال. ويقول مواطنون بقلب مدينة تيزي وزو أن هذه العصابات تتلون كل مرة بزي مختلف، فمرة تقدم نفسها في مظهر الجماعات الإرهابية المهيكلة في تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، ومرات أخرى في مظهر جماعات أشرار وقطّاع الطرق، وتحوز على كافة المعلومات الضرورية المتعلقة بالأشخاص المستهدفين ممن تمت برمجتهم ليكونوا ضمن قائمة الضحايا. وعادة ما يكون هؤلاء أصحاب مؤسسات وشركات، مقاولون أو أبناء مقاولين، كبار التجار وأبناء مهاجرين.
كان الحذر والحيطة هو دليلنا ونحن في الطريق إلى بلدية آيت عيسي، الواقعة على بعد نحو 15 كيلومترا إلى جنوب مدينة تيزي وزو، التابعة لدائرة بني دوالة، فلعل هناك من يتبع ظلنا، فتتحول الى رقم جديد في حسابات الذين جعلوا من حرفة الاختطاف تجارة مفضلة لهم، خاصة وأن مرافقنا كان يذكّرنا في كل مرة بخطورة وصعوبة المنطقة، بدليل أن المسلك الذي يأخذ شكل منعرجات وعرة ونحن نصعد باتجاه محيط البلدية الجبلي، كان مسرحا لحواجز مزيفة توضع تقريبا بشكل يومي بالمنطقة قبل نحو عامين، أوقعت على إثرها جماعات إرهابية وعصابات مجرمة عديد المواطنين في حبائلها، وكان آخر ضحية في هذه الطريق طبيب مختص في أمراض القلب، اختطفته جماعة مسلحة، ليتم إطلاق سراحه بعد 10 أيام. بل وعلى مستوى المنعرج نفسه من الطريق، اغتيل مطرب الأغنية البربرية معطوب الوناس في صائفة .1998
الخشخاش وبني دوالة
كما يقرّ مرافقنا رفقة عدد من سكان بلدية آيت عيسي، أن هذا الطريق الموصل إلى دائرة بني دوالة الواقعة على بعد 25 كيلومترا عن قلب المدينة تيزي وزو، شهد ثلاث عمليات اختطاف، شأنها في ذلك شأن البلديات الواقعة على طول الشريط الجنوبي للولاية التي كانت هي الأخرى مسرحا لعمليات اختطاف لمقاولين وتجار وأبناء مهاجرين، كبلديات معاتقة التي حطمت أرقاما قياسية في حالات الاختطاف وتيقزيرت و واسيف وماشطراس وبوغني وأزفون.. ولكن شهادات لمواطنين هناك تفيد أنه منذ أن تم القضاء على سي محمد أورمضان المكنى ''الخشخاش'' أمير سرية بني دوالة المهيكل في تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي قبل بضع سنوات، لم يتم تسجيل أي حالة اختطاف إلى اليوم، مما يعني أن الخشخاش كان يرتّب وينسق للقيام بهذه الاختطافات، ولو أنهم يعترفون صراحة أيضا، أن أصحاب المصانع يواجهون ويعيشون ضغطا رهيبا من قبل عصابات الإجرام التي احترفت الاختطاف. حاولنا الحصول على تفاصيل عن هذا الضغط والوضع الأمني العام في بلدية آيت عيسي، ولكن رئيس البلدية السيد برشيش، رفض الإدلاء بأية معلومة بحجة أن الوقت ضيق.
آلة الإجرام والإرهاب تشتغل سويا
وربما تحاشى ''المير'' الخوض في مسائل تجلب له متاعب، في وقت واصلت فيه الآلة الجهنمية للعصابات المجرمة التي كانت تشتغل بالتوازي مع آلة الإرهاب عملها، حيث عاشت منطقة ماشطراس على وقع حادث اختطاف ابن أحد التجار ليطلق سراحه يومين بعد ذلك إثر عملية تضامنية لسكان المنطقة . وفي الوقت الذي قامت فيه مجموعة إرهابية باستهداف دورية لوحدات الجيش بمنطقة تادمايت، مستعملة قنبلة تقليدية الصنع، تسببت في جرح سبعة عسكريين، عاشت دشرة آيث عبد المومن ببلدية تيزي نثلاثة على وقع حادثة اقتحام الوكالة البريدية التي اختلس منها 50 مليون سنتيم على يد شخصين مسلحين. ويشير سكان إلى أن العمليات الاجرامية أخذت منحى تصاعديا مع حلول شهر رمضان، حيث هاجمت مجموعة إرهابية يوم 28جويلية دورية للجيش بأزفون ساعة بعد الإفطار مخلّفة أربعة جرحى، وبعدها بيومين نصّبت مجموعة مسلحة حاجزا مزيّفا بمنطقة تيزي نثلاثة، خضع فيه أصحاب عربات ومسافرين لعملية تفتيش جرّدوا على إثرها من أموالهم وحاجياتهم. وتواصل مسلسل الإجرام باقتحام مجموعة مسلحة مكونة من أربعة أشخاص محلا لبيع المجوهرات بمنطقة آيت يحي، وقبلها بأسبوع تم اختطاف أحد التجار بمنطقة تيزي نثلاثة الواقعة على بعد 30 كيلومترا إلى جنوب مدينة تيزي وزو من قبل مجموعة مسلّحة ولم يتم إطلاق سراحه إلا بعد دفعه لفدية قدّرها سكان ب165 مليون سنتيم.
الأفافاس: لا علاقة للاختطافات بالبطالة
جبهة القوى الاشتراكية على لسان فريد بوعزيز، رئيس فدرالية تيزي وزو، صنّفت الأحداث التي تجري بتيزي وزو في خانة المفارقات. وقال محدثنا ''هي المنطقة التي تتوفر على أكبر عدد من الثكنات والحواجز ونقاط المراقبة، وفي الوقت نفسه هي المنطقة الأولى التي سجل بها أكبر عدد من الاختطافات''. ويرى أن مشكل الإجرام في تيزي وزو لابد من وضعه في سياقه العام''هناك حانات مفتوحة في شهر رمضان بمنطقة سوق الاثنين بمعاتقة، كما توجد بيوت للدعارة منتشرة بكثرة في مناطق ماشطراس وواقنون ومعاتقة وبوغني وغيرها، فضلا عن وجود ملاجئ للجماعات الإرهابية بالمنطقة، فنحن لدينا انطباع بأن هناك حالة لامبالاة من قبل السلطات العمومية إزاء الوضع في المنطقة، فمن شجع الإجرام إذن؟، بل وهناك حتى جماعات مهربة للأسلحة، بدليل أن مصالح الأمن سبق لها وأن أوقفت عصابة تتاجر بالأسلحة''. ويواصل المتحدث كلامه قائلا: ''بالنسبة لجبهة القوى الاشتراكية مشكل اختطاف الأشخاص ليس له علاقة بالبطالة، لأن الأشخاص الذين احترفوا الاختطاف اعتادوا على ريتم من رفاهية العيش، لذلك فهي عصابات تحترف السرقة ليست لها علاقة بالإرهاب''.
14 كيلومترا في 14 عاما!
ولو أن ''الأفافاس'' يرسم لوحة قاتمة عن الجانب الاقتصادي في المنطقة، والبداية من الإدارة التي أدخلت اليأس في نفوس المواطنين وتسببت في رحيل المستثمرين ''فالبيروقراطية هنا تلعب دورا كبيرا. فلإنشاء مشروع يتطلب الأمر الانتظار لأزيد من عام كامل، والأصعب من ذلك إذا أردت الحصول على قرض''. وقدم المتحدّث أمثلة على ذلك بالسكة الحديدية الممتدة على طول 14 كيلومترا من تيزي وزو إلى واد عيسي التي استغرقت عملية إنجازها 14 عاما، فضلا عن افتقاد المنطقة لأي ميناء جاف، في الوقت الذي استفادت كل المدن الكبرى من هذا النوع من الموانئ، بل وحتى الميناء الذي كان مبرمجا بواد عيسي تم تحويله، مما جعل الولاية لا تتوفر على وكيل عبور واحد. ويقترح ''الأفافاس'' اللامركزية في التسيير لأجل حل مشاكل التنمية، على اعتبار أن الولاية تنفرد حاليا بكل الصلاحيات. أما حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية على لسان بوضياف بوسعد، رئيس المكتب الجهوي لولايتي بومرداس وتيزي وزو، فيحمّل مباشرة السلطات العمومية مسؤولية تردي الوضع الأمني في المنطقة. وقال أنه قبل الوصول إلى مرحلة اختطاف الأشخاص، قام الحزب بتحذير السلطات العمومية من خطر عدم حمايتها للأشخاص والممتلكات بقوة القانون والدستور، حيث ''نظمنا أياما للتفكير والنقاش بتيزي وزو حول مسألة اللاأمن في المنطقة ودعونا مصالح الأمن للمشاركة في النقاش المفتوح للخروج بحلول للمشكلة، ولكن هذا السلك لم يحضر، باستثناء الوالي والمنتخبين والمواطنين، وتم الخروج بتوصيات، أرسلت نسخة منها إلى وزارة الداخلية، من غير أن يصلنا أي رد إلى غاية اليوم''.
الأرسيدي: يريدون تركيع المنطقة
وعلى العموم، فإن حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، في ختام أيامه الدراسية، حمّل السلطات العمومية جزء من مسؤولية ما يحدث في تيزي وزو، من جانب ما يسميه ''لامبالاة'' في التعاطي مع الوضع.''فهناك من يريد تركيع المنطقة وخنقها من الناحية الاقتصادية، بدليل أنه لا يوجد اليوم أي مشروع مهيكل قادر على امتصاص البطالة''. فالوضع الأمني في تيزي وزو، يختصره ''الإرسيدي'' في تحالف الإرهاب مع العصابات المجرمة التي تقدّم خدمات لبعضها البعض في مراقبة المنطقة. ولكن محاربة هذا التحالف يتطلب قاعدة معلوماتية وكذا بناء ثقة في مصالح الأمن حتى يتمكن المواطنون من التنسيق معهم في محاربة الإجرام. فتركيز الإرهاب والعصابات المجرمة على اختطاف التجار والمقاولين وأصحاب المصانع وراءه هدف واحد هو تركيع المنطقة وتكميم أفواه أهلها، لأن فئة المقاولين والتجار وأصحاب المصانع هي التي تنتج الثروة.
المقاولون ومربو المواشي وأصحاب المصانع.. الصيد الثمين
العارفون بتطورات الوضع في تيزي وزو، يقولون أن الاختطافات عادة ما تطال مقاولين أوأبنائهم ومربو مواش وكبار تجار الجملة والتجزئة ومالكي مصانع المشروبات الكحولية، أي الذين لهم قدرات مالية مرئية، ولكن لأي غرض يتم استعمال الأموال التي يتقاضاها المجرمون من الفدية، هل لتعزيز قدراتهم وإمكانياتهم الإجرامية؟ خاصة وأن المبالغ المتحصل عليها ضخمة، وذلك في غمرة المعلومات التي تشير إلى أن هناك عائلات تدفع الفدية نظير إطلاق سراح أقاربها، لكن من غير ضجيج، حتى لا يطّلع الرأي لعام على ذلك، خشية التأويلات التي قد تجلب لها حرجا ومتاعب، حيث أن الحركات التضامنية التي يقوم بها سكان القرى والمداشر عند حدوث كل عملية اختطاف، هي حركات انفعالية ظرفية تنطفئ مع إطلاق سراح المختطف، وليست حركات متواصلة في الزمن، موحدة حول هدف واحد هو وضع حد نهائي لهذا التقليد الإجرامي الدخيل على عادات وتقاليد سكان منطقة القبائل. ويعترف عبد المجيد عبيب، أحد الضحايا والذي اختطفته مجموعة مسلحة بمنطقة ياكوران الى شرق مدينة تيزي وزو، وأحد مرشحي القائمة الحرة لحركة العروش في انتخابات 2007 قائلا: الأشخاص الذين رتّبوا لاختطافي كانت لديهم معلومات دقيقة عني، وتابعوني إلى غاية توقيفي، وقد دفعت فدية بغرض إطلاق سراحي بمساعدة عدد من رجال المنطقة''.
أحد المختطفين: الحل يمر عبر إشراك المواطنين
ويشير محدثنا الي توقيف أحد عناصر المجموعة المسمى الهاشمي رابح، الذي ينتمي إلى جماعة مسلحة، ويعترف صراحة بأنه حتى مصالح الأمن ليس بوسعها أن تفعل شيئا إذا كان هناك من ينتظرك طول الوقت لاختطافك، وهناك بين هؤلاء المجرمين الذين اعتادوا السرقة من يقدم نفسه على أنه من الإرهاب، وهؤلاء لا يريدون إلا إشعال المنطقة، ولو أنه يؤكد عدم وجود أي شخص مهدد بالاختطاف بياكوران في الوقت الحالي، ويرى أن وضع حد لجريمة الاختطاف لن يمر إلا عبر إشراك المواطنين في محاربتها.
71 مؤسسة تغادر تيزي وزو..
ولكن حالة اللاأمن خلّفت وضعا مزريا على منطقة تيزي وزو بشكل عام وعلى مناطق الضفة الجنوبية بشكل خاص. فمستقبل التنمية بهذه الولاية صار في حكم المجهول. ولعل ما يؤشر الى ذلك، المعلومات التي قدّمها لنا السيد أمزيان مجكوح، الذي قضى 30 سنة على رأس الغرفة الصناعية والتجارية لجرجرة بتيزي وزو، وتفيد بأن الإحصاء العام الاقتصادي المتعلق بولاية تيزي وزو يشير إلى وجود ثمانية آلاف مؤسسة بالمنطقة، ولكن 80 بالمائة منها هي عبارة عن وحدات صغيرة لم ترق إلى مستوى مؤسسة، كما توجد 20 منطقة صناعية، لكنها مناطق صغيرة جدا غير مؤهلة، تفتقد للماء والكهرباء والتهيئة بشكل عام، مما قاد عددا من المستثمرين الى مغادرة المنطقة. ويقول أن هناك دراسة أنجزتها ولاية تيزي وزو تشير إلى وجود 71 حالة لمؤسسات غادرت ولاية تيزي وزو لأسباب تتعلق بصعوبات في التنمية الاقتصادية لها صلة بالإدارة، وكذا الوضع الأمني الذي مارس ضغوطات كبيرة على هذه المؤسسات، فضلا عن الوضعية السيئة للمناطق الصناعية والوضع السيئ للطريق الرابط بين تيزي وزو والجزائر، من بينها عمليات قطع الطريق والحواجز الأمنية.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)