الجزائر

تقهقر فظيع في إنتاج الحليب بسكيكدة



تقهقر فظيع في إنتاج الحليب بسكيكدة
سجل إنتاج الحليب في ولاية سكيكدة تقهقرا خلال السنة الماضية 2011، حيث لم تتحصل الولاية سوى على 140 مليون لتر من حليب البقر طوال أيام السنة، ما يمثل 140 لتر لكل ساكن خلال السنة، وبذلك تصل إلى معدلات مقلقة وغير مشجعة بالمرة في فرع إنتاجي كان يفترض أن يكون رائدا بالمقارنة مع أصناف فلاحية لا تملك الولاية فيها مؤهلات وإمكانيات مادية كبيرة.
من هذا المنطلق، فإن الاستهلاك يبقى معتمدا بشكل شبه كلي على الاستيراد الخارجي للمادة الأولية المستخدمة في مصنع الحليب بكل من ولايتي سكيكدة وعنابة، وبدرجة أقل على مسحوق الحليب المستورد هو الآخر من الخارج، وهذا منذ سنوات طويلة، في وقت كان بإمكان القائمين على قطاع الفلاحة الوطنية وبالأخص وزارة الفلاحة الارتقاء بالإنتاج منذ سنوات إلى معدلات مقبولة على الأقل بإجراءات عملية وميدانية، لاسيما في ظل تحول البلاد إلى اقتصاد السوق وتوفير الدولة لإمكانيات لوجيستيكية ومالية كبرى أمام الفلاحة، في ظل توفر كل ولايات الوطن تقريبا باستثناء الكائنة منها في الجنوب على العوامل الجغرافية و المادية و البشرية الكفيلة بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الإنتاج، ووقف استيراد هذه المادة نهائيا من الخارج.
تدهور إنتاج حليب البقر في الولاية، بدأ مباشرة مع سياسة التصنيع التي انتهجت مع بداية السبعينيات عن طريق هدم المزارع الفلاحية المسماة آنذاك بالاشتراكية، وإحلال الوحدات البيتروكيماوية محلها في الجهة الشرقية من المدينة وفي عدة جهات من مناطق الإنتاج الكبرى بعزابة والحروش، وتحويل أماكن تربية الأبقار إلى مجالات أخرى ثم إعادة تنظيم قطاع الفلاحة مرة أخرى عن طريق ما سمي بالمستثمرات، ليكون بذلك إيذانا للموت النهائي لتربية الأبقار الحلوب وتوقف الإنتاج كليا. وإذا كان الاستهلاك قد تطور بشكل سريع خلال العشرة سنوات الأخيرة بحكم تطور عدد السكان وتزايد حاجيات الاستهلاك المحلي، فإن إنتاج الحليب بقي على حاله بل زاد في التقهقر والتراجع، من ذلك أن ممارسة تربية الأبقار المنتجة للحليب تتم بطرق تقليدية و بدائية جدا بعيدة عن الأساليب العصرية والإمكانيات المتطورة تقنيا وعلميا، إذ تمارس التربية في اصطبلات عبارة عن أكواخ لا تتوفر فيها شروط التهوية، كما أن الممارسين يمتهنون هذه الحرفة من أجل كسب القوت لا غير وبعدد مدخول من الأبقار التي لا يتعدى عدد الأربعة إلى خمسة على أبعد تقدير، وفي مساحات زراعية محدودة و الغالبية منها تابعة إما لأملاك الدولة أوالخواص يضعونها للكراء لفائدة المربين.
ومن أبرز المشاكل الكبرى التي يعاني منها المربون عدم توفرهم على مراعي خاصة بهم، وليست لهم ملكيات زراعية يستخدمونها في إنتاج الكلأ الأخضر الذي يشكل المادة الغذائية الأساسية للبقرة، والذي بدونه لا يمكن أن يكون هناك إنتاج قوي وحقيقي للحليب، في الوقت الذي تتوفر ولاية سكيكدة على مساحات شاسعة من المراعي والمساحات الزراعية ذات الجودة العالية وذات الطاقات الإنتاجية القوية من الكلأ الأخضر، إضافة إلى توفر المياه على مدار السنة. ويضاف إلى كل هذه العوامل تقنية عصرية لتربية الأبقار الحلوب وإنتاج الحليب في شكل تلك الموجودة بالدول المتقدمة في هذا الميدان، وحتى في بعض الدول العربية التي قطعت شوطا لا يستهان به في تربية السلالات الجيدة من الأبقار الحلوب.
مهندسون وتقنيون في الفلاحة يتحدثون
يشير التقنيون والمهندسون الفلاحيون الذين حاورت “الفجر” البعض منهم، إلى أن كل الشروط و العوامل الاقتصادية والجيوفيزيائية متوفرة بشكل حاسم لتكون هناك طفرة كبرى، وفي ظرف وجيز، للقفز بإنتاج الحليب إلى مستوى يمكن من تلبية الطلب الاستهلاكي المحلي ومن ثم خفض الأسعار والتخلص من التبعية الغذائية الخارجية، شريطة أن تبدأ في الميدان إجراءات تطبيق استراتيجية واضحة المعالم من طرف الهيئات الوطنية المعنية بالفلاحة الوطنية، وفي مقدمتها وزارة الفلاحة، غير أن هذه الإستراتيجية لن يكون لها أثر كبير إلا في إطار بعد فلاحي شامل يبدأ بأخذ موقف واضح من الأراضي الفلاحية التابعة للدولة والخاضعة في الظرف الراهن لما يدعى بالمستثمرات الفلاحية الجماعية والفردية، وذلك عن طريق بيعها واستحداث مزارع لا تقل مساحة الواحدة عن العشرين هكتارا. وتدخل الدولة لمرافقة هذا المشروع من المزارع، حسب التقنيين، بإجراءات مرحلية تبدأ بالدعم المادي المشروط والمساندة التقنية في دراسة تقنية أعدتها مصالح الإنتاج الحيواني، فإن نسبة زراعة الأعلاف لا تتعدى نسبة 2،3 بالمائة من المساحة الصالحة للزراعة، وأن نسبة البراري لا تتجاوز 0،3 في المائة وأن مساحة الأعلاف المسقية مستقرة منذ مدة في حدود 5 في المائة من المساحة الكلية. كما أن 80 في المائة من إنتاج الحليب يأتي من الأبقار و 20 في المائة من الماعز، و أن 20 في المائة من الأبقار ذات السلالة الممتازة فيما ذهب نسبة 80 في المائة إلى الأبقار المحلية غير الحلوبة بقدر كاف.
وعلاوة على ذلك يعرف قطاع تربية الأبقار الحلوبة نقصا فظيعا في عدد الجمعيات وعدد المنتجين الحقيقيين وانعدام الشركات الزراعية المختصة في تربية و إنتاج الأبقار، وغياب وحدات تحويل الحليب في غالبية المدن الكبرى.
وتشير الدراسة إلى أن نسبة 10 في المائة فقط هي الرقم الحقيقي لإنتاج الحليب في مصانع التحويل على مستوى التراب الوطني كله، بينما لا تتعدى نسبة تغطية الاستهلاك 3 في المائة في أبعد الحالات.
العمال المتخصصون في تربية الأبقار وإنتاج الحليب، هم كذلك، انقرضوا بعد كبر سن المزارعين القدامى الذين كانوا يعملون في التعاونيات الفلاحية الاشتراكية وقبلها في مزارع المعمرين أثناء الحقبة الاستعمارية، ولم يعد اليوم الشباب العاطل عن العمل مستعدا للعمل أو التكون في هذا المجال الذي يرى فيه فضاء للتعب والجهد الباطل.
وبشكل عام، فإن آراء كل من التقنيين والمهندسين الفلاحيين والمزارعين القدامى تجمع على أن قطاع الفلاحة برمته وإنتاج الأبقار الحلوبة مرتبط بإعادة هيكلة جديدة لا تخرج عن نطاق بيع الأراضي الفلاحية العمومية وتنظيمها في شكل مزارع كبرى مهيكلة و مدعمة، وهو الحل الوحيد أمام المأزق الراهن.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)