الجزائر

تعديلا 2002 و2008 جاء استجابة لمطالب وطنية ملحّة تعزيز مقومات الأمة وتكريس سيادة الشعب



عرف الدستور الجزائري لسنة 1996 عمليتي تعديل جزئي، استدعتهما الضرورة الظرفية التي أملتها المطالب الوطنية الملحّة والمعبر عنها من قبل شرائح كبيرة من المجتمع الجزائري، حيث شمل التعديل الأول الذي تم بتاريخ 8 أفريل 2002، إدراج مادة تنص على دستورية اللغة الأمازيغية، فيما تضمن تعديل 11 نوفمبر 2008، مضمون وثيقة التعديل جملة من المكاسب الإضافية الرامية إلى تعزيز مقومات الأمة وإثراء النظام المؤسساتي وتكريس سيادة الشعب.
ولابد من التذكير في هذا الإطار، بأن رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، الذي انتخب على رأس الدولة في أفريل 1999، لم يخف نيته في إجراء تعديلات عميقة على دستور 1969 من أجل دعم أحكامه بإجراءات تقوي الممارسة الديمقراطية وتوضيح التوجهات السياسية الكبرى للدولة.
وجاءت أحداث ربيع 2001 التي شهدتها منطقة القبائل، والتي جددت مطلب دسترة اللغة الأمازيغية المعبر عنه منذ سنوات طويلة من قبل سكان هذه المنطقة، لتصنع الظروف الاستثنائية التي أدت إلى إجراء التعديل الأول على دستور 1996، وذلك بعد قرار شجاع وتاريخي اتخذه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي أقرّ الاعتراف بهذه اللغة الوطنية، مستجيبا بالتالي لمطلب تاريخي ظل محل إلحاح من قبل فئة كبيرة من الشعب الجزائري منذ الاستقلال.
وتم في هذا الإطار تعديل الدستور، وفقا للقانون رقم 02-03 مؤرخ في 10 أفريل 2002، بعد أخذ رأي المجلس الدستوري ومصادقة البرلمان بغرفتيه دون عرضه على الاستفتاء الشعبي، وذلك طبقا لأحكام المادة ال176 من الدستور التي تشترط موافقة ثلاثة أرباع أعضاء البرلمان على التعديل، بمعنى 399 نائبا من أصل 533 (تشكيلة المجلس الشعبي الوطني لم يتم رفعها بعد)، وتضمن إدراج المادة 3 مكرر في الدستور والتي تنص على أنّ "تمازيغت هي كذلك لغة وطنية تعمل الدولة لترقيتها وتطويرها بكل تنوعاتها اللسانية عبر التراب الوطني".
أمّا التعديل الجزئي الثاني الذي جاء بمبادرة من رئيس الجمهورية في 2008، وصوت عليه نواب البرلمان بغرفتيه في 11 نوفمبر من السنة المذكورة، فقد شكل هو الآخر استجابة لمطالب ملحة عبرت عنها عدد من التشكيلات السياسية بداية من حزب جبهة التحرير الوطني وشريكيه في التحالف التجمع الوطني الديمقراطي وحركة مجتمع السلم، قبل أن تلتحق بهم تشكيلات أخرى شملت حتى الأحزاب المصنفة في خانة المعارضة على غرار حزب العمال والجبهة الوطنية الجزائرية، حيث بررت هذه التشكيلات التئامها حول مشروع القانون المتضمن تعديل الدستور، بما تضمنته وثيقة التعديل من مكاسب إضافية كفيلة بتعزيز مقومات الأمة وإثراء النظام المؤسساتي وتكريس سيادة الشعب.
وبالفعل، فقد احتوت وثيقة المشروع على 13 مادة أساسية تخص تعديل 11 مادة من ناحية الشكل والمضمون، وإضافة مادة جديدة هي المادة 31 مكرر التي تنص على عمل الدولة على ترقية الحقوق السياسية للمرأة بتوسيع حظوظ تمثيلها في المجالس المنتخبة.
كما تم بموجب المشروع، إدراج مادة جديدة أخرى تشير إلى استبدال وظيفة "رئيس الحكومة" بوظيفة "الوزير الأول" في نحو 12 مادة تضمنت هذه التسمية.
وفي حين تشير المادة 77 المعدلة إلى أنّ "الرئيس هو من يعين الوزير الأول والوزراء وينهي مهامهم، وأنه يمكن لرئيس الجمهورية أن يفوض جزءا من صلاحياته للوزير الأول لرئاسة اجتماعات الحكومة، إضافة إلى إمكانية تعيين عدة نواب للوزير الأول بغرض مساعدة الوزير الأول في ممارسة وظائفه وينهي مهامه أو مهامهم". تحدد المواد من 79 إلى 81 والمواد 85،87 و90 مهام نشاط الوزير الأول.
ومن بين أبرز التعديلات التي تم إدخالها خلال هذه العملية، تلك التي مست المادة 74 والرامية إلى تكريس إرادة الشعب وسلطته في اختيار من يقود مصيره ويجدد فيه الثقة بكل سيادة، ونصت الفقرة الثانية من هذه المادة بموجب هذا التعديل على أنه "يمكن تجديد انتخاب رئيس الجمهورية"، مع الإبقاء على نفس الفترة المهمة الرئاسية المحددة بخمس سنوات، وهو ما يفتح إمكانية إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لأكثر من ولايتين، طبقا لإرادة الشعب ولما يراه مناسبا له.
كما شملت التعديلات تعزيز حماية رموز الأمة وتعزيز ثوابتها ودعم المكاسب الوطنية، ولا سيما منها في مجال الممارسة الديمقراطية، حيث نص التعديل الجديد المدرج في المادة الخامسة من الدستور على أن "العلم الوطني والنشيد الوطني من مكاسب ثورة أول نوفمبر 1954، وأنهما غير قابلين للتغيير". بينما أضيفت للمادة 62 فقرة جديدة تشير إلى عمل الدولة على ترقية كتابة التاريخ، وتعليمه للأجيال الناشئة، وأضيفت جملة سابعة إلى المادة 178 التي تنص على أنه لا يمكن أي تعديل دستوري أن يمس برموز الجمهورية، وأنه "لا يجب المساس بالعلم الوطني والنشيد الوطني باعتبارهما من رموز الثورة والجمهورية".
وتم تجسيد هذا التعديل الدستوري الجزئي، إثر انعقاد جلسة عامة لغرفتي البرلمان في 11 نوفمبر 2008 تنفيذا للمرسوم الرئاسي المتضمن استدعاء البرلمان للاجتماع بغرفتيه، وذلك على إثر الرأي المعلل الذي أصدره المجلس الدستوري يوم 7 نوفمبر 2008 حول القانون المتضمن تعديل الدستور، طبقا للإجراء المنصوص عليه في المادة 176 من الدستور.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)