مدينة ساحرة بثقافات مختلفة وأجناس توافدت عليها من كل حدب وصوب، يسمونها مدينة الزمرد لخضرتها ومناخها المعتدل الممطر طيلة السنة، والنائمة لأنها لا تشهد حركة المدن الأمريكية الكبرى كنيويورك وشيكاغو. هي سياتل الخضراء التي تعد مملكة لمجمع بوينغ الذي يتربع على مساحة تضاهي 47 ملعبا لكرة القدم وحصن بيل غيتس عملاق صناعة البرمجيات مايكروسوفت وثاني أغنى رجل في العالم.
كنت أعتقد أن زيارتي لأمريكا مؤجلة قد تكون بعد سنوات وربما قد لا تكون أبدا، لكن تفاجأت بالزمن يختصر المسافات ويتحدى التاريخ والجغرافيا معا، بعد أن جاءت مبادرة الجوية الجزائرية التي اختارتني مع مجموعة من الزملاء لأرافق طاقمها الذي تنقّل إلى سياتل مكان تواجد مصنع بوينغ لاستلام طائرة من نوع بوينغ 737-800، هي السابعة ضمن مجموع الطائرات الجديدة التي استلمتها تباعا منذ .2010
السفر إلى سياتل ليس بالأمر الهيّن فساعتين ونصف من الجزائر إلى فرانكفورت الألمانية و9 ساعات ونصف إلى هذه الأخيرة. غادرنا الجزائر في صباح 28 جوان صباحا لنصل إلى سياتل في الحادية عشرة صباحا، نال منا التعب بعد رحلة متعبة وشاقة لكن الوصول إلى هذه المدينة ينسيك الإرهاق، فالطريق من مطار سياتل إلى فندق الشراطون، مكان إقامتنا، كان معرّضا لصور الخضرة التي توحي وكأنك في أرض زراعية، رغم أن سياتل في الحقيقة هي مدينة اقتصادية بالدرجة الأولى، حركة المرور بها بطيئة وحتى حركة الأشخاص، قضينا المساء في تجوال عبر أزقة هذه الأخيرة، تعرّفنا على بعض شوارعها وممراتها الرئيسية قبل أن نتناول وجبة العشاء مبكرا لنخلد إلى النوم استعدادا ليوم آخر.
بوينغ... عملاق اقتصادي يصنع 1000 طائرة في السنة
استيقظنا في اليوم الموالي مبكرا أين بدأ البرنامج الذي سطرته بوينغ، حيث اصطحبنا المكلفين بالإعلام بالشركة، الكوري كيفين يو، والأمريكي آدم مورغان إلى مقر المجمع، الدخول إلى هذا الأخير لا يتم إلا ببطاقات الدخول بسبب الإجراءات الأمنية المشددة به للمحافظة على استقرار العمل بهذا الأخير، يتربع على مساحة تضاهي مساحة 47 ملعبا لكرة القدم، يعمل به قرابة 10 آلاف عامل يباشرون عملهم في الخامسة صباحا وينتهي دوامهم في الرابعة مساء. مكاتبهم مفتوحة تطل مباشرة على الطائرات المصنّعة وهذا لضمان التواصل المباشر والآني حسب ما تحدّثت عنه الدليل إلين ديكسون، التي ذكرت أنه بمجرد حصول خلل يتم التدخل في الحين ربحا للوقت الذي يعد ثمينا لبوينغ باعتبارها شركة عالمية، ما أفادت به إلين أيضا أن الطائرات تركب بهذا المجمع ومكوّناتها يتنوع مصدرها بين محلية وأجنبية تجلب بالأخص من اليابان وفرنسا ودول أخرى، فهي تركب سنويا 1000 طائرة.
تنقلنا بعدها إلى مكان تواجد الطائرات الجاهزة من عائلة 777و787 التي تعد آخر ما صنعته بوينغ لحد الآن، وعلى هامش الزيارة لاحظنا وجود عدد كبير من الفضوليين الذين تفتح لهم الأبواب لمتابعة أشغال التصنيع نظرا للأهمية التي تكتسيها هذه الصناعة ومكانة بوينغ في سياتل، لتختتم الزيارة بجولة الى محل لبيع منتجات يقتنيها السياح كذكرى عن الشركة التي طبع اسمها على أحذية وساعات وقمصان وحقائب وغيرها من اللوازم.
في طريقنا للعودة إلى المطار استفسرنا عن موقع سياتل ضمن التراب الأمريكي، فتبيّن أن هذه الأخيرة هي أكبر مدن شمال غرب الولايات المتحدة الأمريكية المطلة على المحيط الهادي، مدينة مهمة في غرب أمريكا بالنسبة إلى التجارة مع الدول الأسيوية بالذات.
تقع في واشنط ديسي، عدد سكانها يتجاوز 4 ملايين نسمة، سكانها الأصليون اسكندينافيين، إلا أنها اليوم تضم مختلف الجنسيات، تأسست في خمسينيات القرن التاسع عشر، ديمقراطية في الوقت الحالي، حيث فاز الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما فيها. وسياتل مشهورة بمناخها المعتدل وخضرتها الكثيرة، ولهذا يطلق عليها اسم مدينة الزمرد ، يوجد بها جامعة سياتل وهي جامعه كاثوليكيه خاصة تأسست في عام1891، بها أقليات مسلمة وتضم 10 مساجد، تضم أهم المؤسسات الاقتصادية ومينائها يعتبر محركا اقتصاديا للمنطقة. تعد أغلى المدن الأمريكية في مجال العقار، وهي بلد سياحي بالدرجة الأولى لأنها تمتاز بالمساحات الخضراء والجبال والبحيرات، إلا أنها تبقى أقل حركة من المدن الأمريكية الأخرى، فسكانها ينامون قبل منتصف الليل وكذلك المحلات تغلق قبل التاسعة ليلا مما يحوّلها الى مدينة نائمة لا تعج بالحركة مثلما تعيشه مدينة نيويورك مثلا.
سبيس نيدل وشارع العلكة العجيب
تتنوع المطاعم بسياتل بشكل ملحوظ، وهذا يعود لتنوع الأجناس المقيمة بسياتل وصادف وجودنا في مطعم ياباني لقاء مع أهم الطهاة الشباب، اسمه ريان وهو مسلم من أصل أندونيسي، لفت انتباهه حجابي الذي كان في كثير من الأحيان دليل بأننا مسلمين لأني كنت الوحيدة بين زميلاتي التي ترتدي الحجاب، فبادلنا التحية بالقول السلام عليكم، وكم كانت سعادتنا كبيرة ونحن الذين لم نسمع كلمة عربية منذ وطئت أقدامنا أراضي سياتل، ريان قدّم لنا طبقا كان مزيجا بين الأرز والبيض تفنن في تحضيره، ليضيف له طبق آخر يجمع بين نوع من الأسماك والجمبري ومجموعة من الخضار المشوية، واستهوت طريقة تحضيره للأطباق الحاضرين، وهي ما كان يقوم به زملاءه مع بقية الزبائن وهي سمة يتميز بها المطعم الذي يجلب عددا معتبرا من الزبائن يوميا.
في المقابل تتمتع المدينة بمعالم لا يمكن أن تذكر دون الإشارة إليها، منها متحف الطيران الذي يؤرخ لتاريخ هذا الأخير، ويضم أقدم الطائرات بما فيه أول طائرة التي كانت عبارة عن جناحين فقط، وهو معلم سياحي يتوافد عليه سنويا آلاف السياح لاكتشاف عالم الطيران.
وعبر شرفات هذا الأخير شاهدنا إقلاع الطائرة الجزائرية التي غادرت سياتل مساء يوم الجمعة 29 جوان2011 بعد مراسيم التسليم التي تميزت بترحيب واسع من الطرفين، لنتوجه بعدها الى سبيس نيدل وهو أحد المعالم البارزة لشمال غرب المحيط الهادي، يعتبر رمزا لمدينة سياتل الأمريكية بواشنطن، وهو برج يبلغ ارتفاعه 184 متر ويبلغ عرضه 42 مترا. بواسطة مصعد هذا الأخير وصلنا إلى أعلى قمة به، المشهد من هذا الأخير أقل ما يقال عنه أنه رائع تتفنن فيه الصور التي تجمع البنايات بالبحر بالغابة ويتسنى رؤية الحدود الكندية، وهو ما يجعل المكان مكتظا عن آخره خاصة خلال فترة الصيف بسبب توافد السياح من كل مكان. غادرناه بعد ذلك باتجاه بيك بلاس ماركت وهو سوق مفتوح تعرض فيه مختلف السلع وتتخلله وصلات موسيقية وأغاني إفريقية وعروض بهلوانية، يؤدي ممر هذا الأخير إلى شارع قديم أصبح يعرف بشارع العلكة يقصده الفضوليين الذين يواظبون على شراء العلكة من صندوق كبير وضع وسط الشارع لبيع هذه الأخيرة، حيث يوضع فيه نصف دولار يعطيك بعد ذلك حبة يسارع السائح لمضغها ليعلقها بعد ذلك على الحائط بالطريقة التي يختارها ليؤرخ لنفسه على أنه مر في يوم من الأيام بالشارع العجيب، لننتقل مع السائق مرة أخرى الى الفندق بعد رحلة شملت عددا من المناطق.
سياتل بها أقليات مسلمة تضم 10 مساجد، بها أهم المؤسسات الاقتصادية ومينائها يعتبر محركا اقتصاديا للمنطقة. تعد أغلى المدن الأمريكية في مجال العقار، وهي بلد سياحي بالدرجة الأولى لأنها تمتاز بالمساحات الخضراء والجبال والبحيرات، إلا أنها تبقى أقل حركة من المدن الأمريكية الأخرى، فسكانها ينامون قبل منتصف الليل وكذلك المحلات تغلق قبل التاسعة ليلا مما يحوّلها الى مدينة نائمة لا تعج بالحركة مثلما تعيشه مدينة نيويورك مثلا.
وهنا يمكن التنويه أن بوينغ سخّرت لنا فريقا من السائقين كان يتداول على نقلنا ولا يمكن أن نتحدث عن هؤلاء دون ذكر السائقة جاكلين، هي امرأة متقدمة في السن لا تفارق الابتسامة شفتاها، شعرت بالحزن يوم علمت بمغادرتنا لسياتل قالت أنها تعودت علينا، امرأة طيبة وحازمة لا يمكنها الإقلاع بالحافلة قبل أن تتأكد أننا وضعنا جميعا حزام الأمن، وعلى ذكر المتقدمين في السن فالملاحظ أنهم يمثلون نسبة كبيرة من المجتمع بسياتل، هم أكثر من الشباب ويعملون في مجالات عديدة، إلا أنه في المقابل تهددهم السمنة التي أصبحت من بين المسببات للوفاة وهو تحد آخر للولايات المتحدة للبحث في أسباب هذه الأخيرة.
باخرة واتر وايز الطريق إلى منزل بيل غيتس
منذ أن دخلنا سياتل ولا شيء على لسان السياتيليين سوى أن مدينتهم هي بوينغ وبيل غيتس، انبهرنا بالأولى وسحرنا المجمع السكاني لغيتس الذي يمتد لعشرات الكيلومترات، ركوبنا لسفينة واتر وايز التي أقيمت عليها مأدبة عشاء للوفد الصحفي ولوفد الجوية الذي تنقّل لمعاينة الطائرة المذكورة قبل استلامها، مكّنتنا من الاقتراب من هذا التجمع لرجل دوّخ العالم باعتباره مؤسس عملاق لصناعة البرمجيات مايكروسوفت الأمريكية، هو بيل غيتس ثاني أغنى رجل في العالم. هذا الأخير الذي يقال أنه تبرع بحوالي 28 مليار دولار للأعمال الخيرية من مجموع ثروته التي تقدّر بـ56 مليار دولار.
وهنا تجدر الإشارة الى أنه كان يقول لأساتذته وهو طالب أنه سيصبح مليونيرا عندما يبلغ الثلاثين، إلا أنه أصبح بليونيرا عندما بلغ عتبة الواحد والثلاثين، أقام مملكته في سياتل لأنها مسقط رأسه وهو من عائلة تنحدر من أصول إيرلندية اسكندنافية، والزائر للمنطقة يتعرف لا محال على تاريخ هذا الأخير الذي أصبح واحدا من أبرز الأسماء العالمية، بعد أن تميز في صغره بالذكاء الحاد، مما دفع بوالديه بإلحاقه بمدرسة لايك سايد المعروفة ببيئتها الأكاديمية المتميزة، والتي لعبت دورا محوريا في مسار بيل غيتس، أين تعرف على الحاسوب لأول مرة بها، ليكون ملهمه بعد ذلك في اختراع عالم الميكروسوفت، الذي حوّل من خلاله العالم، لتصبح البحيرة اليوم ملاذ عشاق بيل خاصة الحالمين منهم بعالم التكنولوجيا والكمبيوتر، لالتقاط صور لهم أمام مجمعه الذي تحوّل إلى متحف على الهواء الطلق.
والزائر إلى البحيرة وهو يتأمل تلك التجمعات، يشعر بالفخر لأنه يزور مكانا هو معقل لرجل غيّر العالم، والخروج منها يجعلك تشعر بالأسف، وهو الأسف نفسه ونحن نغادر سياتل ككل، التي أرخت كل شارع بها مررنا به بذكرى سعيدة... وأنا في الطريق إلى المطار تذكرت يوم قررنا الخروج بمفردنا للبحث عن مركز تجاري لبيع الألبسة كان قد أرشدنا إليه جزائري يعمل بفندق الشيراطون، يومها خرجنا من المحل في ساعة متأخرة، وكما يقال بدأنا نضرب خط الرمل للعودة من جديد إلى الشيراطون خوفا من تضييع الطريق، يومها علق بذهني الى جانب أننا ضحكنا طيلة الوقت خوفا من تضييع الفندق، شيء آخر وهي صورة لعجوز هرم تجاوز السبعين من العمر داخل الحافلة وهو يحمل كتابا ويتصفحه بدقه، يومها أدركت أن الشعب الذي يقرأ ليس مثل الشعب الذي لا يقرأ، ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أسمع زملائي يطلبون مني النزول لأننا وصلنا الى مطار سياتل الذي تنقلنا عبره الى فرانكفورت الألمانية ومن ثمة الى أرض الوطن.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 15/07/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : سياتل الأمريكية: مبعوثة ''الخبر'' رشيدة دبوب
المصدر : www.elkhabar.com