الجزائر

تشخيص‮ "‬التوحّد‮" ‬في‮ ‬السلطة والدولة



تشخيص‮
ليست السلطة الفلسطينية هي‮ ‬السلطة العربية الوحيدة التي‮ ‬ليس لها دولة،‮ ‬فقد كشف الربيع العربي‮ ‬أن شعوبنا كانت في‮ ‬عهدة سلط ورثت جغرافية بشرية عن تقسيمات‮ "‬سايكس بيكو‮" ‬وحركة تصفية الاستعمار،‮ ‬فاجتهدت بأدوات فرض الأمر الواقع لمنع قيام الدولة،‮ ‬وحيث وجد كيان جنيني‮ ‬للدولة سارعت‮ "‬سلطة الأمر الواقع‮" ‬إلى تنفيذ ما‮ ‬يشبه عملية‮ "‬الإحلال‮" ‬عند الصوفية،‮ ‬لتصبح السلطة هي‮ ‬الدولة،‮ ‬والدولة هي‮ ‬السلطة،‮ ‬كما كان‮ ‬يقول لويس الرابع عشر‮.‬وحين رفع شعار‮ "‬الشعب‮ ‬يريد إسقاط النظام‮" ‬لم تكن الشعوب تعي‮ ‬أن إسقاط النظم بترحيل من بيده السلطة،‮ ‬سيترتب عنه بالضرورة إسقاط الدول،‮ ‬وأن التعويل على المسارات الانتخابية لن‮ ‬يفي‮ ‬سوى بغرض واحد،‮ ‬هو استبدال سلطة بسلطة‮ ‬غير معنية ببناء الدولة،‮ ‬لأن الديمقراطية هي‮ "‬أفضل الممكن‮" ‬لتحقيق التداول على السلطة،‮ ‬متى سبقها إجماعٌ‮ ‬وطني‮ ‬على بناء دولة المؤسسات المالكة ل"السلطات الملكية‮" ‬المؤهَّلة لخدمة النخب المتداولة عليها بالقانون والقانون وحده‮.‬‬ومنذ بداية التعددية في‮ ‬الجزائر لم تتقدم النُّخب السياسية على الضفتين بمبادرة واحدة تطرح بجدية مشروعا توافقيا لبناء إجماع وطني‮ ‬على المؤسسات التي‮ ‬تضمن استمرار بُنية الدولة وخدماتها كيفما كانت مسارات صناعة السلطة،‮ ‬وتكون محمية بالدستور والقانون من تغوّل الحكومات الذي‮ ‬ليس هو حكرا على نظم الاستبداد‮. ‬وقد‮ ‬يشفع للنخب السياسية،‮ ‬أن دستور‮ ‬89‮ ‬قد قفز على هذا الاستحقاق،‮ ‬وحرق المراحل،‮ ‬بتدبير توليد تعددية سياسية من الفراغ،‮ ‬شُغلت بالتقاتل على الحكم في‮ ‬دولة‮ ‬غير مكتملة البناء،‮ ‬كان قد دمغها الفكر الواحد في‮ ‬العمق،‮ ‬وتوغلت فيها مكونات‮ "‬سلطة الأمر الواقع‮" ‬الناشئة بعد الاستقلال،‮ ‬لتصنع‮ "‬الدولة العميقة‮" ‬التي‮ ‬لا‮ ‬يغيّر طبيعتَها لا انقلابٌ‮ ‬من الداخل،‮ ‬ولا مشاغبة بالشارع تسوّق بمفردات الثورة،‮ ‬ولا مسارات انتخابية تدعي‮ ‬التغيير السلمي‮.‬إصرار جانب من المعارضة اليوم على تسويق أسطورة إحداث التغيير بترحيل الرئيس بتفعيل المادة‮ ‬88‮ ‬من الدستور،‮ ‬وهي‮ ‬لا تملك أدوات تفعيلها،‮ ‬لا‮ ‬يختلف عن أسطورة إحداث التغيير بمسارات دستور‮ ‬89‮ ‬حتى حين تسلم من العبث والتزوير،‮ ‬لأن رحيل الرئيس بعد أو قبل نهاية العهدة،‮ ‬لن‮ ‬يغيّر مثقال ذرة من الاستحقاقات الواجبة على النخب الوطنية،‮ ‬في‮ ‬إنتاج توافق‮ ‬يفضي‮ ‬إلى إجماع وطني‮ ‬على طبيعة ومكوّنات الدولة،‮ ‬والتي‮ ‬ينبغي‮ ‬أن نحرص على تأمينها مستقبلا من عملية‮ "‬إحلال السلطة‮" ‬وحصول ما‮ ‬يشبه‮ "‬التوحّد‮" ‬بين السلطة والدولة،‮ ‬المنتِج بالضرورة للاستبداد في‮ ‬نظم الحزب الواحد كما في‮ ‬التعددية‮.‬منطقُ‮ ‬الأشياء‮ ‬يملي‮ ‬علينا الاقتناع بأنّ‮ ‬رحيل الرئيس اليوم أو‮ ‬غداً،‮ ‬لن‮ ‬يفضي‮ ‬إلى رحيل‮ "‬مركب القوة‮" ‬الذي‮ ‬تشكّل حول فريق الرئيس في‮ ‬ثلاث عشرة سنة من الحكم شبه المطلق،‮ ‬ولن‮ ‬يسمح بتفكيك ميسّر لمكوّنات‮ "‬سلطة الأمر الواقع‮" ‬المتجذرة في‮ ‬الدولة العميقة،‮ ‬أو‮ ‬يفتح المجال أمام إصلاح ما أفسده‮ "‬تحلل‮" ‬الأدوار والمهام الملكية للدولة،‮ ‬وامتزاجها بمهام وحاجات السلطة،‮ ‬حتى أن المواطن لم‮ ‬يعد‮ ‬يميز مثله مثل السلطة بين ما هو من نصيب الدولة،‮ ‬وما هو من فعل السلطة،‮ ‬فيحاسب الدولة ويشاغبها على أفعال هي‮ ‬من صنع‮ "‬حلول‮" ‬السلطة في‮ ‬الدولة وإفسادها من الداخل‮.‬




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)