أن نسمع عن انتحار شيخ أنهكته السنين بعد أن بلغ من العمر عتيا، أو رجل كهل أعيته متاعب الحياة المرة وأرهقته ''قنطة'' القفة التي هجرتها مؤخرا البطاطا، أو حتى شاب في مقتبل العمر سئم من البيروقراطية وملّ من لقب ''الحيطيست'' الذي بات قدره المحتوم بفعل محدودية فرص الشغل، فكل ذلك قد يُصنّف في خانة الأخبار العادية التي أصبحنا نسمع بها من وقت لآخر، وتطالعنا بها صفحات الجرائد من حين إلى حين، لكن أن يصل الأمر في هذا البلد إلى انتحار أطفال لا يتعدى سنهم العشر سنوات، داخل حرم المدارس، فهذه هي الطامة الكبرى التي تستوجب من أعلى سلطة بالبلاد دق ناقوس الخطر، وفتح تحقيقات مستقصية تنتهي بتحصين حياة أولادنا.
وأصدقكم القول، بأنه لحد الساعة لم أستوعب كيف أن أطفالا لم يبلغوا الحُلم، ولم يغادروا عالم الملائكية الذي يرفع عنهم أي تكليف شرعي أو دنيوي، يُقدمون بهذه البساطة على وضع حد لحياتهم بهذا الكم الهائل من الانتحارات المأساوية التي تشخص لها الأبصار، وتذهل منها العقول، وتحترق لأجلها رؤوس الولدان شيبا، ذلك أني لم أكن أتوقع أن أعيش اليوم الذي أسمع فيه عن انتحار 51 تلميذا في ظرف أقل من أربعة أشهر، أكبرهم سنا لا يتجاوز عمره 61 حولا، في حوادث تراجيدية، لم تستثن حتى مدارس ومتوسطات وثانويات الجزائر، مثلما حدث قبل أيام في إحدى ثانويات ولاية تيارت التي أقدم فيها التلميذ وليد، الابن المهذب، المتفوق في الدراسة، والذي لا يُفوته أي وقت من أوقات الصلاة، على صبّ البنزين على جسده وحرق نفسه أمام أنظار زملائه وأساتذته، ليفارق الحياة في قاعة إنعاش بمستشفى الدويرة، مخلفا لغزا مُحيرا يعجز الكل عن فك طلاسيمه.
والغريب في الأمر، أننا لم نسمع لحد الساعة عن أي تدابير أو إجراءات استعجالية من قبل الحكومة ولا من الوزارة الوصية، لمجابهة هذه الحوادث التي تحولت إلى ظاهرة قائمة بذاتها، وكأن الأمر يتعلق بانتحار قطط أو أرانب، وليس أرواحا بريئة لم تلوثها خطايا الكبار ولم تتدنس بشيطانية البالغين، بالرغم من أنه حتى الحيوانات تُقام لأجلها الدنيا ولا تقعد في البلدان التي تقدس الحق في الحياة. ولكن إذا تمعنا قليلا في الموقف، والتزمنا الحكمة والروية في تحليل المشهد، سنجد بأن الحكومة معذورة، لأنها مشغولة بـ''كرنفال'' الترشيحات ومنهمكة بتحضير عرس الاستحقاقات التي سيتمخض عنها منتخبون سيقضون على كل مشاكل الجمهورية بعد العاشر ماي المقبل.
إن درجة العنف التي يستظهرها الأطفال، والتي تطورت إلى حد الانتحار عن طريق الحرق، أو الشنق، أو رمي الأجساد من أماكن شاهقة دون تردد أو خوف، مؤشر خطير لصعود جيل يائس يكفر بواقع معيشي تعيس، يستدعي من كل واحد منّا مراجعة جذرية للحسابات من أجل تغيير الحال، وإنقاذ أطفال أبرياء سيكونون غدا مستقبل هذا الوطن.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 13/04/2012
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : محمد درقي
المصدر : www.elkhabar.com