بعد أسبوع من بدء عمليات القصف الجوي الروسي ضد مواقع تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، مازالت الدول الغربية تبحث عن خيارات تمكنها من خلط أوراق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي تعاطى مع الموقف السوري وفق عامل المفاجأة الذي أربك الإدارة الأمريكية وأكثر من عاصمة أوروبية. ودخل الجانبان في ظل التطورات التي عرفها المشهد العسكري السوري، حرب مواقف متباينة ظاهرها كيفية القضاء على عناصر تنظيم الدولة الإسلامية بينما يبقى وجهها الخفي كيفية التموقع الاستراتيجي في منطقة لا يريد أي طرف خسرانها.وهو ما يفسر لجوء موسكو إلى الخيار الأقصى في تعاطيها مع الوضع السوري بتدخل عسكري لم تكن الدول الغربية تتوقعه وهي الآن وسيلة تتعامل بواسطتها مع الوضع حتى تتجاوز خيبتها الاستشرافية وسوء تقديرها لما يمكن أن تقوم به روسيا في دولة شكلت ومازالت بوابتها على قلب العالم ومياهه الدافئة.ولم يمكن الاجتماع الطارئ لحلف "الناتو" والدعوة إلى إقامة منطقة عازلة في شمال سوريا إلا خيارا أقصى أيضا لتلجيم الجرأة العسكرية الروسية، وإيجاد الذرائع لصد طائرات "ميغ 29" و"سوخوي 24" الروسية التي تريد أن تصنع الفارق مقارنة بنظيرتها الأمريكية من طراز "أف 16" التي فشلت عاما بعد بدء عملياتها العسكرية ضد "داعش" من تحقيق أهدافها في القضاء على مقاتليه.وفهمت السلطات الروسية مغزى الدعوة إلى إقامة هذه المنطقة وخطرها على مستقبل عمليتها العسكرية التي ستجعل من نطاق تحليق طائراتها محددا بالمساحة التي تريد أن تفرضها الدول الغربية وتركيا داخل العمق السوري.ولم تكن اتهامات أنقرة وحلف "الناتو" باتجاه موسكو بتعمّد خرق المجال الجوي التركي إلا تحذيرا واضح المعاني باتجاه الرئيس بوتين، عززته تصريحات وزير الخارجية الامريكي جون كيري، الذي تابع التطورات من العاصمة الشيلية سانيتاغو. وقال بلغة التهديد إنه كان بالإمكان إسقاط الطائرات الحربية الروسية بمجرد دخولها المجال الجوي التركي الذي يعتبره حلف "الناتو" مجالا جويا أطلسيا على اعتبار أن تركيا دولة عضو في هذا التكتل العسكري العالمي.وهي لهجة أرادها جون كيري، ضمن رسائل مشفرة باتجاه موسكو التي لم تخف استعدادها لتوسيع نطاق عملياتها إلى العمق العراقي متى طلبت منها الحكومة العراقية ذلك.وبالعودة إلى التحالف الذي شكلته روسيا مع إيران والعراق وسوريا، يمكن فهم دواعي قوة الرد الغربي الذي رأى في ذلك تهديدا مباشرا للتحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بفارق أن التحالف الأول يملك أفضلية امتلاكه لقوات برية على الأرض بإمكانها صنع الفارق مقارنة مع التحالف الثاني الذي اكتفى إلى حد الآن بخيار الضربات الجوية التي أكدت عدم فعاليتها على أرض معركة يحدد مصيرها العنصر البشري.كما أن استعمال روسيا لطائرات مروحية على ارتفاعات منخفضة سهل عليها تحقيق نتائج ميدانية مقارنة بالمقنبلات الأمريكية التي تضرب أهدافها من علو شاهق مما حال دون تحقيق الدقة اللازمة لعملية أصبحت مرهونة بالعامل الزمني.وتخشى الولايات المتحدة وفق هذه المقاربة أن تتفوق عليها روسيا في مغامرة التورط في المستنقعين السوري والعراقي على اعتبار طول مدة العملية وعدم نجاعتها الميدانية سيترك الشك يدب لدى حلفائها الستين الذين أيدوها في تشكيل أكبر تحالف دولي ضد تنظيم إرهابي ولد من العدم ليتحول في لمح البصر إلى خطر عالمي يتعين القضاء عليه بترسانة حربية وميزانيات طائلة، ولكن وسط حسابات إستراتيجية بعيدة المدى.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 06/10/2015
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : م مرشدي
المصدر : www.el-massa.com