أتحف جوق كريم بوغازي من تلمسان وجوق ''أنغام الأندلس'' من باريس سهرة أوّل أمس، الجمهور الغفير الحاضر بقصر الثقافة إمامة بتلمسان، بوصلات من الطرب الأندلسي، فبمناسبة تكريم الشاعر عبد السلام صاري في اليوم السابع من المهرجان المغاربي للموسيقى الأندلسية، قدّم جوق بوغازي مدائح نبوية من أشعار صاري حول سيدي أحمد التجاني، أمّا الجوق الثاني فقد أدى شذرات من الأغاني التراثية الأندلسية بقيادة أحد أحفاد الشيخ أمحمد شقيق الشيخ عبد السلام صاري.
استهل برنامج السهرة، الفنان كريم بوغازي الذي أمتع الجمهور بقطوف من الأغاني الأندلسية الضاربة في التراث الأصيل، حيث بدأ بمصدر في طبع ''المزموم'' بعنوان ''أن عشقتي في السلطان'' ثم تلاها بانقلاب ''جاركا'' وانقلاب ''موال''، ثم قدّم أغنية ''غاب عليا خيال موني'' من أشعار أحمد بن تريكي في طابع الحوزي، وواصل أداءه في الطابع ''غربي'' في أغنيتين الأولى بعنوان ''جار عليا الغرام'' للشاعر إدريس بن علي، والثانية ''قولو ليمينة تهليل للعثماني'' لصاحبها الشاعر المصمودي، ثم تابع بخلاص من كلمات الفنان مويزو الموسومة بـ''شحال بكات عياني''، وخلاص ثاني ''واحد الغزيل". وختم جوق بوغازي فقرته الموسيقية بمديح نبوي من كلمات الشاعر عبد السلام صاري ''بجاه التجاني''، وانتهى بمجموعة من الخلاصات. مع الإشارة إلى أنّ وزارة الثقافة وفي إطار ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية''، اقترحت على الفنان كريم بوغازي تسجيل العديد من نوبات الحوزي.وتخلل الحفل وقفة لتكريم الشيخ عبد السلام صاري، حيث استلم حفيده سيد أحمد صاري الشهادة الشرفية والتكريمية، وأعطى نبذة عن حياة جده الشاعر، حيث ولد المرحوم صاري عبد السلام بن الحاج مصطفى بن محمد بن الحاج بومدين بن صاري بتلمسان سنة 1876 بحي القلعة العليا، مسقط رأس عائلة بن صاري من الفلاحين والحرفيين، هاجرت عائلته مع ستة أولاد وبنتين إلى القاهرة حيث نشأ أخوه الأصغر أمحمد (الذي أصبح كذلك موسيقارا مشهورا بآلة الكامنجة والمتوفى في عام 1966)، ثم رجعت هذه العائلة إلى البلد الأم...
منذ صغره، كان عبد السلام يلازم المدرسة القرآنية وفي نفس الوقت يساعد أباه الذي كان نجارًا وصانعًا للبراميل، ثم عمل مساعدًا عند أحد الحلاقين، حيث بدأ يستمع إلى المطربين ويحفظ المقاطع من الموسيقى العربية الأندلسية، وتعلّم العزف على جميع الآلات التقليدية (الدربوكة، الناي، الكويترة، العود، الكمنجة) رفقة عدّة شيوخ ثم رفقة ابن عمه الشقيق المشهور الشيخ العربي بن صاري، الذي كان يرافقه في السهرات الموسيقية، وفي سنة 1900 شارك معه في المعرض العالمي بباريس ومن القاهرة أتى بآلة شرقية تدعى ''السنتير'' على شكل قانون والتي تحدث أصوات البيانو عن طريق الضرب بمسطرتين، وهو الفنان الوحيد المتمكّن من الآلة بكامل القطر الجزائري. أسّس فرقته الخاصة في وقت كانت تلمسان لا تعد إلا فرقي الشيخ العربي بن صاري والشيخ عمر بخشي والتي أضيفت إليها بعد مدّة فرقة الشيخ أحمد المدعو رضوان بن صاري، وقد احتضن طفلاً عمره خمس سنوات ببيته فعلّمه الدربوكة ثم الآلات الموسيقية الأخرى إلى غاية السن الثالث عشر، وقد أصبح هذا الطفل فيما بعد أستاذًا مشهورًا '' مايسترو'' ويتعلق الأمر بالشيخ عبد الكريم دالي...
وكان يتعاطى الموسيقى الصوفية الروحانية، وألف أشعارا في طابع المدح الديني تكريما لسيدي بومدين الغوث والشيخ سيدي أحمد التجاني، قدّمها في جميع أنحاء القطر الجزائري وحتى في المملكة المغربية، وبعد أن تعب من شدّة الرحلات الطويلة وكثرة السهرات الفنية، انسحب من الساحة الفنية قبل الأوان للتقاعد وتكريس جلّ أوقاته للعبادة والتأمّل، وفي سنة 1954 قام بأداء فريضة الحج برا، وقد وافته المنية يوم 17 جويلية 1959 في سن الثالثة والثمانين. وقد وُهبت دفاتره المخطوطة ومؤلفاته إلى نبيطه وهو الأستاذ الجراح والاختصاصي في الموسيقى المقيم حاليًا بمدينة هوستن بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو يحيى الغول الذي أخذ بدوره المشعل وأسّس مع إخوانه بوهران الجمعية الموسيقية ''نسيم الأندلس".
وختم جوق ''أنغام الأندلس'' من باريس الفرنسية بقيادة عمر الدين بطواف، السهرة ببرنامج موسيقي متنوّع، بدأها بسلسلة ميزان انصراف عراق، ثم مدائح دينية. وتهدف الجمعية التي تأسّست سنة 1996 بباريس إلى النهوض بالموسيقى الأندلسية، فهي تتكوّن من رجال ونساء يشتغلون في مجالات مهنية متعدّدة يجمعهم الشغف بموروث أجدادهم من الموسيقى الأندلسية، ويرمون إلى التعريف بها في كلّ أرجاء أوروبا والعالم في مختلف المحافل الثقافية التي يشاركون فيها.
بدا المخرج سيد أحمد قارة في الندوة الصحفية التي نشّطها أوّل أمس بالمركز الدولي للصحافة بتلمسان، سطحيا في أبحاثه حول مفهوم الصوفية، خاصة وأنّه سيقدّم مسرحية ''عودة العُباد'' التي تتناول السيرة الصوفية لسيدي بومدين، حيث اعتبر أنّ التصوّف عقيدة وأنّ هناك أنواعا من الإسلام، في حين أنّ الصوفية هي نهج إنساني موجود في كلّ العقائد، وأنّ الإسلام دين واحد.
وحسب السيد قارة، فإنّه يحاول اقتراح نوع آخر من المسرح سماه بـ''المسرح الصوفي''، عبر شخصية سيدي بومدين الغوث في تجسيد الروابط الروحية بين الأولياء الصالحين والخالق، واقتصر مفهومه للصوفية على أنّها عقيدة دينية صرفة، وهو ما يعكس ضعف الأبحاث التي قام بها المخرج من حيث تحديد المفاهيم والمصطلحات، واتّخذ المخرج من عنصر التشويق ملاذا للإجابة عن التساؤلات المطروحة المتعلّقة بالصوفية، بمشاهدة المسرحية اليوم بمغنية بعد أن عرضت أمس بدار الثقافة ''عبد القادر علولة".
وقال المخرج أنّ ''عودة العُباد'' هو عمل مسرحي تجريبي انبثق عن ورشة تكوينية لإبراز المواهب والطاقات الشابة بمستغانم، وهي السياسة التي ينتهجها المسرح الوطني من أجل تكوين جيل متحكّم في أبجديات المسرح، وذلك في مجالات الموسيقى، السينوغرافيا، التمثيل والكوريغرافيا.
وفي هذا الصدد، قال مساعد المخرج مراد أوجيت، أنّ العمل استغرق إعداده 24 يوما وقد واجهتهم صعوبات، إذ أنّ التمرينات والتحضيرات تمت في قاعة للحفلات لمدة خمسة عشر يوما، وباقي الأيام تمت بالمسرح الجهوي لمستغانم. ومن الناحية الفنية، أضاف السيد أوجيت، ومن أجل إضفاء أجواء روحية، تطلّب الأمر الاستعانة بفرقة للعيساوة، لتجسيد - حسبه - البعد الروحي في مناجاة سيدي بومدين لله، وتقريب صورة اللقاءات الروحية بين أقطاب التصوّف على غرار سيدي عبد القادر الجيلاني.
يشار إلى أنّ المسرحية من إنتاج تعاونية ''البراكسيس'' لمسرح مليانة بالتعاون مع المسرح الوطني الجزائري، ويدخل العمل في إطار برنامج تظاهرة ''تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية .''2011
يعدّ كتاب ''الزاوية الشاذلية إشعاعها الديني والتعليمي'' للدكتورة حبيبة شيخ عاطف، والصادر في طبعته الأولى عن منشورات ''الحلبي'' بتمارة في 119 صفحة من الحجم المتوسط، تكفّل الدكتور محمد أيت لعميم والأستاذ هشام الدركاوي بمراجعته وتقديمه، لبنة جديدة في صرح المكتبة العربية، وهو كتاب يفصح منذ بدايته عن رؤيته التوثيقية والتحليلية لمتن حظي بوضع خاص في الثقافة العربية الإسلامية.
هو متن يضيء مسارات أحد أقطاب الصوفية بالمغرب والمشرق، وهو الشيخ أبو الحسن على بن عبد الله بن عبد الجبار ابن تميم بن هرمز بن حاتم ابن قصي بن يوسف بن يوشع بن وزد بن بطال بن أحمد بن محمد بن عيسى بن محمد ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولد في نحو ثلاث وتسعين وخمسمائة من الهجرة بقرية من قرى غمارة، ونشأ بها واشتغل بالعلوم الشرعية حتى أتقنها، ثم انتقل إلى تونس، وبعدها إلى العراق حيث التقى شيخه أبا الفتح الواسِطي (ت 632هـ).
ثم عاد إلى المغرب ليأخذ عن شيخه عبد السلام بن مَشِيش (ت 622هـ) الذي تولاه بالتربية، ثم وجهه إلى (شاذِلَة) بإفريقيا، والتي ترجع نسبته إليها، وفيها تفرّغ للعبادة والمجاهدة، وخرج بعدها إلى الناس يدعو إلى الله على بصيرة، فسافر إلى تونس يعمل في التدريس والإرشاد، حيث أوذي بسبب شعبيَّته، ثم استقر به المطاف في الإسكندرية وتزوّج هناك، وكان يحضر دروسه أكابر العلماء كالعزِّ بن عبد السلام وابن دَقيق العيد والحافظ المُنذري وابن الصلاح وابن جَماعة وغيرهم، وهاجر في أواخر حياته إلى المنصورة طلباً للجهاد ضدّ الغزو الصليبي مع ثلّة من أكابر علماء الصوفية آنذاك، وكان قد كُفَّ بصره، وقد توفي سنة 656هـ.
والاقتراب من هذه التجربة المخصوصة يتطلّب تفكيك متونه قصد كشف أبعاد الدلالية والروحية، ومن أجل القيام بهذه المهمة، اتّبعت الدكتور حبيبة شيخ عاطف إستراتيجية دقيقة مكّنتها من الإحاطة بمختلف جوانب هذه المؤسسة سواء في جانبها المعرفي أو التربوي، وانسجاما مع هذه الرؤية الكتابية، اختارت الباحثة حبيبة شيخ عاطف أن تتحدّث في فصلها الأوّل من الكتاب عن دور التصوّف بالمغرب من خلال الزوايا التي انتشرت به أكثر من انتشارها بالمشرق.
فالفكر الصوفي قد أدّى خدمات للمجتمع -على حدّ تعبير الباحثة حبيبة الشيخ- من الناحية السياسية والاجتماعية والتربوية، وهي مهمة قام بها رجال انقطعوا لعبادة الله وتربية آخرين على حبّه وعبادته والدعوة إلى مرضاه منذ الدولة الإدريسية والمرابطية والموحدية، غير أنّ هذه الحركة لم ينحصر دورها في الجانب الروحي فقط، بل تعداه إلى الجانب السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهو ما توضّحه مختلف المصنّفات الصوفية والحركات الصوفية، مثل الحركة الدلائية إبان العصر السعدي وما عرفه هذا العصر من قوّة وهَيْبَة خاصة بعد معركة ''وادي المخازن'' قرب القصر الكبير، وما نتج عنها من هيبة الدولة السعدية وما ارتبط بها من دور قوي للحركات الصوفية في معركة الملوك الثلاثة، ونستحضر في هذا السياق ما قاله محمد بن الطيب القادري في ''نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني'' لولا ثلاثة، لانقطع العلم بالمغرب في القرن الحادي عشر لكثرة الفتن التي ظهرت فيه، وهم محمد بن ناصر في درعة، وسيدي محمد بن أبي بكر الدلائي في الدلاء، وسيدي عبد القادر الفاسي بفاس''.
وتقدّم الباحثة حبيبة شيخ عاطف تعريفا شاملا للزاوية بوصفها مركزا دينيا وعلما كانت تسمى سابقا بدار ''الكرامة''، ومن أشهرها زاوية العارف بالله الشيخ سيدي محمد صالح الماجري (ت 633هـ) في أسفي، وقد تعدّدت زواياه حتى بلغت ستا وأربعين وانتشرت فيما بين المغرب ومصر، وفي حديثها عن الزاوية الشاذلية اتّجاها صوفيا، ميّزت الباحثة بين التيار الصوفي الفلسفي والتيار الصوفي التربوي العلمي التي يمثّلها أبي الحسن الشاذلي، وقد كانت الزاوية الشاذلية ذات إشعاع قوي بعد الزاوية القادرية والزاوية التجانية.
والشاذلية نسبة إلى أبي الحسن بن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشريف الزرويلي المولود سنة 593هـ والمتوفي سنة 656هـ، وقد وصفت زاويته بكونها نبع تفرّعت عنه جداول إحداهما بالمغرب والأخرى بمصر وغيرها بإسطنبول ورومانيا، ووضعت الباحثة شجرة نسبه، والطريقة الشاذلية، وما تفرّع عنها مع ترجمة دقيقة تبرز جهداً في التقصي العلمي الرصين، وهي سمات تميّز هذا العمل بوصفه رؤية جديدة للتعاطي مع الفكر الصوفي في مكوّناته المتعدّدة والمختلفة.
وتبعا لنفس السياق، قدّمت الباحثة في الفصل الثاني من الكتاب تعريفا للطريقة باعتبارها ''منهج نظري مثالي من شأنه أن يرمّم طريقة سفر النفس إلى الله''، وما ينبغي للمريد الذي يتلقى البيعة أو التقييد أو الشدّ أمام طائفة من الشهود ذوي المراتب، أن يسلكه، وقد اهتم العارف بالله الشيخ الشاذلي اهتماما بالغا بنفسية مريديه.
أمّا أسس طريقته فترتبط بأخلاقيات المريد مع ربّه، وآدابه مع الشيخ وإخوانه، وشروط الشيخ، وطريقة اللباس، وبيان طريقة الشاذلي للمبتدئين، وآداب الذكر وخلقياته عند المبتدئ، ومراتب الطريق للمبتدئ، وهي مرتبة التوبة، ومرتبة الاستقامة، ومرتبة التهذيب، ومرتبة التقريب، وآداب الصحبة للمبتدئ، وهي أمور تؤكّد اهتمام الشيخ الشاذلي بمريده باطنيا وظاهريا لأنّه كان يحيا حياة نظيفة منعمة.
أمّا الفصل الثالث، فقد خصّصته حبيبة شيخ عاطف للمواد التعليمية، وهي تلك المادة الجاهزة التي أنتجها الشاذلي ضمن أحزاب وأذكار وأدعية، وأحزاب الشيخ جامعة بين إفادة العلم وآداب التوجيه وتعريف الطريقة وإجلاء الحقيقة، وفي هذا القسم أبرزت قدرتها على التحليل جامعة بين مزية الدقة، ومزية الإفادة خاصة للأدعية والأذكار الشاذلية، لتقف بعد ذلك على مبادئ ''المقامات'' الشاذلية، ومنها العزلة، وجهاد العدو(الشيطان)، والخواطر، والتوبة، والاستغفار، والذكر، والمراقبة، والقبض، والبسط، والفقد، والوجد، والاقتداء، والمجالسة، والحضرة، والسؤال، والنية، والأوراد، والطاعات، والعزة، والتواضع، والورع، والإخلاص، واليقين، والكرامة، والعلم، والإرادة، والإيمان، والإسلام، والتوحيد، والعبودية، والمحبة، والمعرفة، والبصيرة، والتصوف، والصحبة، والعقب، والتدبير، ومجاهدة النفس، والذنب، والدنيا، والمصائب، والشر، والمعصية، والظلم، والعقوبات، والشفاعة، والوصية.
وفي مبحث الاتّجاه التعليمي للزاوية الشاذلية، توقّفت الدكتور حبيبة شيخ عاطف أمام الأصول والمنابع التي كانت تنهل منها الشاذلية، ثم منهجها في التربية التي لم تخرج تبعا للمنظور الشاذلي عن الدين والشريعة الإسلامية، وهي تسعى إلى ضمان السعادة في الدنيا والآخرة، وهي سعادة لا تتحقّق إلاّ بتهذيب النفس، وتربيتها، وتعويدها على الإيمان بالله.
وقد كان الشاذلي ينصح مريديه بالتوسّط، مع وضعه لدرجتين للعبادة، على حدّ تعبير الباحثة في كتابها ''الزاوية الشاذلية إشعاعها الديني والتعليمي''، أدناها للمبتدئين وهي أداة الفرائض واجتناب المحارم مع حسن العبادة، وأرفعها أداء النوافل بعد استكمال الفرائض وهذه للأولياء، ويقتصر مفهوم التربية لدى الشيخ الشاذلي على التعليم ''التلقين'' التي لا تخلو من غايات منها النمو الاجتماعي، أي تنمية المشاعر الإنسانية تجاه الآخرين والإحساس بالانتماء للجماعة، ولا تتمّ التربية إلاّ بالشعور وإرادة التلقي والإتمام الموّجه والإرجاعي، أمّا منهجه في التعليم، فهو منهج أهل السنة ارتكازا على قوله صلى الله عليه وسلم ''العلم أمام العمل والعمل تابعه''، وقد كان الشيخ الشاذلي أشعريا لذلك فقد فتح باب الاجتهاد مع نبذه للابتداع.
تسيير ندرة المياه وتوثيق الممتلكات الثقافية في الموعد
عرض خبراء جزائريون طريقة تسيير المياه في الصحراء وفن النقوش الصخرية أوّل أمس الجمعة، بمناسبة الصالون الخامس عشر للتراث الذي يجري بالبندقية (ايطاليا)، حيث أوضح السيد مراد بتروني مدير الحماية القانونية للأملاك الثقافية وتثمين التراث الثقافي بوزارة الثقافة، كيف تمكّن التوارق بتاسيلي ناجر والأهقار، من تسيير ندرة المياه بهذه الفضاءات الصعبة، وفي تدخّله تحت عنوان ''أمان ايمان'' والذي يعني باللغة الترقية ''الماء هو الحياة''، أوضح المدير السابق لديوان الحظيرة الوطنية للتاسيلي، أنّ هذا المعرض ''يعكس فلسفة شغل فضاء صحراوي يقوم على تسيير ندرة المياه".
وتساءل الباحث الجزائري كيف تمكّن الرجال من العيش لمدة قرون، بل ألفيات في ظروف قاسية حيث يكاد ينعدم تساقط الأمطار والتبخّر يستبعد كلّ إمكانية الحفاظ على المياه، وقال أنّ ''هؤلاء الرجال تمكّنوا من تهيئة هذا الفضاء القاسي والمهدّد من خلال اعتماد سلوك فيزيولوجي وثقافي مكيّف مع متطلّبات قاسية". وأضاف - حسب وكالة الأنباء الجزائرية - أنّه ''مع مطلع الألفية الثالثة وبعد انتشار الصحراء نهائيا والتغيّرات العميقة التي طرأت على الوسط النباتي والحيواني، تحرّك هؤلاء الرجال سواء من خلال الهجرة إلى مناطق ألطف أو الرحيل بحثا عن أماكن تواجد المياه أو الرعي''. وأوضح السيد بطروني أنّ ''هذه الخبرة الألفية التي أسفرت عن الحضارة الصحراوية التي يمكن أن نصفها بالحضارة المائية، حضارة الفوغارة لتوات - غورارة، حضارة نظام تقاسم مياه وادي ميزاب ومياه منطقة سوف الآبار الجوفية بالصحراء السفلى".
ومن جهته، تطرّق فريد إغيل أحريز إلى التعبير الفني المتمثّل في النقوش الصخرية، وقال في هذا الصدد أنّ ''سكان الصحراء في فترة ما قبل التاريخ لم يكونوا منشغلين بالحاجيات اليومية كما لم يعملوا على تحويل بيئتهم، ولكنّهم عبروا عن نمط عيشهم من خلال النقش والرسم على الصخور''. وأضاف أنّه من خلال الأشكال والرموز ''أبدع هؤلاء السكان التجريد كوسيلة اتصال''. وفيما يتعلّق بالنقوش والصور على الصخور، أوضح السيد إغيل أحريز أنّه ''تمّ في المراحل الأولى تمثيل حيوانات ومشاهد بيئية، فضلا عن نماذج من الحياة اليومية''. مشيرا إلى أنّ هذا الفن الصحراوي المحكم يكتسي طابعا سرديا.
وأكّد الخبير أنّه تمّ تحديد خمس فترات في فنّ النقش على الصخور الصحراوي. وأوضح المختص في علم الآثار أنّ ''أقدم مرحلة هي مرحلة ''الحيرم'' (نوع من البقر) التي تعود إلى 13 ألف عام قبل يومنا هذا، تتبعها مرحلة ''الرؤوس المستديرة'' التي كانت تتميّز بتمثيل أشخاص برؤوس مستديرة عادة ما تحمل أقواسا إلى جانب حيوانات متوحّشة''. وأشار إلى أنّ ''بعض رسوم ونقوش هذه المرحلة مفعمة بالروحانية''. مضيفا أنّ فن المرحلة البقرية التي تعود إلى الألفية الثامنة قبل يومنا هذا، يتميّز بالدينامية في تمثيل الواقع الرعوي الذي كان سائدا آنذاك.
وتطرّق بعد ذلك إلى المرحلة الخيلية التي تعود إلى الألفية السادسة قبل يومنا هذا التي تتميّز بالطابع المخطّط للنقش، موضّحا أنّ الأشخاص الممثّلين في الرسوم والنقوش ''يتّخذون أشكال مثلثات ثنائية على متن مركبات تجذبها خيول''. أمّا فيما يخصّ المرحلة الخامسة، فأوضح السيد إغيل أحريز أنّها تتميّز ''بتعزّز التخطيط، فضلا عن ظهور حيوان صحراوي محض. وأوضح أنّ هذه المرحلة تعود إلى الألفية الثالثة قبل يومنا هذا. وأشار الخبير إلى أنّ فنّ النقش على الصخور بلغ مستوى براعة فريدا. منوّها بالصور المحكمة الممثّلة لحيوانات ونماذج من الواقع اليومي وأشكال هندسية وتصورية''. مضيفا أّن ''هذه الشهود الأيقونية وصلت إلى حدّ الكتابة الليبية - البربرية أو الأمازيغية بما في ذلك التيفيناغ التي لا يزال التوارق يستعملونها".
وبنفس المناسبة، شكّل المشروع الرقمي لتوثيق الممتلكات الثقافية، موضوع ندوة نشطها مدير المحافظة وترميم التراث الثقافي بوزارة الثقافة، السيد مراد بوتفليقة، الذي أشار إلى أنّ ''معرفة التراث الثقافي لإقليم ما، تسمح لمجموعة من المؤسسات بتجاوز الأعمال الاستعجالية لاتّباع مشروع محافظة وتثمين ضمن شروط متجانسة وثوابت ذات نوعية".
بفضل العمل التحسيسي، تأكد للكثيرين أنّ الإعاقة ليست عائقا لتحقيق النجاح، لاسيما بعد أن برزت في السنوات الأخيرة إبداعات العديد من ذوي الاحتياجات الخاصة، بفضل المعارض التي تلعب دورا فعالا في الترويج لمؤهلات أفراد هذه الفئة، والذين توصّل بعضهم من خلال الإرادة إلى الاندماج المهني بكل جدارة.. ''المساء'' اِلتقت أحد هؤلاء في الصالون الوطني لإنجازات ذوي الإعاقة، المقام مؤخرا برياض الفتح بمناسبة اليوم العالمي للمعاقين، فتحدث عن تجربته.
لم يكن السيد منير درويش، من ولاية سطيف، يتوقع يوما أنّ الزمن سيحيله على كرسي متحرك يحرمه من ممارسة مهنة التجارة التي كان يسترزق منها.. وفي هذا الصدد، يعود بذاكراته ليروي لـ ''المساء'': ''تعرضت منذ 14 سنة لحادث مرور أوصلني إلى سرير المستشفى، حيث خضعت للعلاج لعدة سنوات، ولم أخرج منه إلاّ وأنا مقعد على كرسي متحرك.
ويتابع حديثه ليقول بأنّه عاش في فراغ كبير بعد الحادث الذي حرمه من مواصلة مشواره المهني.. لكنّه كان يشعر دائما بأنّه باستطاعته أن يفعل شيئا.. وتحت تأثير هذا الشعور انتفض بعد سنتين ضد الفراغ، فسعى لمجابهته بالعودة إلى أيام الطفولة، حيث تعلم على يد الوالد مداعبة صفائح النحاس وتحويلها إلى قطع فنية.
وكان الاقتراض من الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر نقطة البداية للحصول على أدوات العمل، والانطلاق في تجسيد مشروع بسيط يتطلب تحديا كبيرا لظروف الحياة.
وفعلا، كان لابد من العودة إلى مجال الأداء المهني، ومنه حوّل المنزل إلى ورشة مؤقتة منذ سبع سنوات.. وبدأت الأضواء تسطع شيئا فشيئا على منتجاته في المعارض.. وحينما استقطب جمال قطعه النحاسية المنقوشة والي ولاية سطيف الحالي، لم يتوان عن مدّ يد العون له ليستفيد بموجب ذلك من ورشة عمل منذ بضعة أشهر، هو اليوم يعمل في ورشته رفقة ثلاثة أشخاص قام بتوظيفهم، وباستطاعته إنتاج 10 قطع نحاسية منقوشة في اليوم الواحد، متحديا الإعاقة وخطر الحرفة الذي يواجهه عند تسخين الصفائح النحاسية، لأنّه ببساطة لا يريد الاستسلام لظروف الحياة، لاسيما وأنّه مسؤول عن إعالة شقيقتين.
ويبقى تصريف البضاعة همه الوحيد حاليا، حيث أنّ منتجاته تلقى إقبالا كبيرا في الصيف من طرف الباحثين عن الهدايا، والأجانب الذين يجذبهم بريق النحاس، وكذا الجمهور الذواق على غرار الجمهور العاصمي، غير أنّه في فصل الشتاء يقل الطلب ويقل معه المدخول المادي، مما يؤثر على أوضاعه المعيشية، لاسيما وأن بُعد المحل عن مقر سكناه يتطلب منه إقالة سيارة أجرة ذهابا وإيابا كل يوم.
ما زال شعاره التحدي الذي ينبع من رفض نظرة الشفقة، وفي قلبه أمل كبير في أن تلتفت السلطات المحلية للنظر في مشكلته التي تتطلب دعما ماليا للحصول على كرسي كهربائي يسهل تنقله، علاوة على تطوير نسبة الإنتاجية، منطلقا من مبدأ: بالإرادة يمكن تحقيق المستحيل، والإيمان هو السلاح الفعال لمواجهة مفاجآت الزمن.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 04/12/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : ن/أ
المصدر : www.el-massa.com