الجزائر

"تحت القبة"




قبّةٌ بيضاءُ موشاةٌ بالطهرِ، وبابٌ عالٍ يقبّلُ عتبتَهُ مهووسون يتضرّعون يتوسلون، يسألونهُ الرضا والقبولَ والحاجة والشفاعة، قرآنٌ يُتلى، ودمٌ يُراقُ في سبيل رضاه، وأنا وحدي ذاهلةٌ تحتَ القبةِ ... خطوةٌ، خطوتان، ثلاث :”هنا يرقدُ الشيخ أحمد ....... قدّسَ الله سرّه”.... الله، قدّس الله، الله،،، أهو نفسه الله الذي أؤمنُ به.... المؤمنون يطوفون تقديساً ويلثمون خضرتَهُ،،، وأنا قاعدة على أرضهِ أهذي، أبكي، أندبُ أضحكُ وعيناي العاهرتان تنقشانِ على سقفِ قبتهِ صورَ الخطيئة........ أحمد الأربعينيّ الخجولُ البهيّ التقيّ، ابنُ شيخ قريتنا، حبيبي أنا، وأنا العشرينية الغرّاء البيضاءُ ذاتُ الجديلةِ الحمقاء.... أنا من ضلّلتِ ابنَ الشيخِ الذي ما أغواها .... وأذكرُ أنّي كنتُ ضالةً وأنهُ حين أغرقني في مائهِ المقدسِ وشاءَ هدايتي بمشيئةِ ربّهِ العليّ اهتديتُ، وأذكرُ أنّا تشاركنا طقوسَ الغَواية والهوى، وأنّا احترقنا وذرونا رمادَ النشوةِ عبقاً وندى في صباحاتٍ كانت لنا وحدنا، وأنّا زركشنا سهولَ الوقتِ بالقُبلِ، بالطهرِ، بالعهودِ، بالوعودِ، وأذكرُ أنكَ حين طويتني، وأنّي حين توسّدتُ صدرَ الهدايةِ وتغلغلتُ في غابةِ السكينةِ همستَ لي:”أتؤمنينَ بالعليّ؟ ذاك النورِ ذي العين الزرقاءِ ذاك المطلقِ الفيّاضِ” وهمستُ :”بهِ لأجلكَ أنتَ آمنتُ” ، وأذكرُ أنكَ احتويتني وأقسمتَ :”فليشهدِ العليُّ ذو العين الزرقاء أنك زوجتي”.... وأذكرُ أنّي بكَ آمنتُ ربّي الأدنى، كلمتي، قطبي، مبدئي، منتهاي، حكايتي، وقبلةَ حيواتي، ومفتاحَ هدايتي.... وأذكرُ أذكرُ أذكرُ أنكَ كنتَ تجاهرُ بالعشقِ تحتَ عينِ الربِ وأنكَ كنتَ تخشى أربابَ القباب وتنذرني أنِ ابتعدي فغضبُهم يحرقُ أهلَ الخطايا.... وفي غفلةٍ بين ضلالي وهدايتي أفاقَ الشيخُ، وعصفت بنا رياحُ الربِّ المشكّلِ على الهوى، وتابَ الربُّ على ابنِ الشيخ وارعوى وغرقَ صمتاً بينَ عمامتهِ وجلبابهِ، ونذورٍ وأضاحٍ علَّ الربَّ يعفو ويغفر... وأنا... أنا العشرينيةُ الغراءُ البيضاءُ ذاتُ الجديلة الحمقاء، أنا الضالة المضللةُ، أنا جبُّ الخطايا وسردابُ الجسد... تنكّر لي ربّي الأدنى، ونفاني من رحمتهِ ربّي الأعلى، وأقصاني الشيخُ وقريتهُ ... شلالُ عهرٍ أنا يلوّثُ طهرَ المؤمنين........ خمسةٌ وعشرونَ عاماً مرت وأنا أتنفس عهراً، جسدي ينضحُ عهراً، ذاكرتي تنسجُ عهراً ... خمسةٌ وعشرون عاماً والدمعُ ميتٌ على صفحةِ عيني... خمسةٌ وعشرون عاماً انقضت لأقفَ على بابكَ يا ذا القبة البيضاء الموشاة بالعهرِ ... خمسةٌ وعشرون عاماً انقضت لأهذيَ وحدي تحتَ قبتكَ، فقد تكسّرت في صدري سبلُ السماءِ، وأنتحب وأعول وأنزف عهري وأصرخ: لا إلهَ تحتَ القبةِ ،، لا ربَّ تحتَ القبةِ، عينكَ عمياءُ يا ذا العين الزرقاء، طهرٌ وعهرٌ تقضي بهما على من تشاءُ، وكيف تشاءُ............ وأنا، أنا الضالّة البلهاءُ منفيةٌ أبداً من مدى عينك العقيم.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)