التحقيق في اللغة: الحق: نقيض الباطل، وحقّ الأمر يحقه حقاً: كان منه على يقين، واحتق القوم: قال كل واحد منهم الحق بيدي، ونقول: حققت الأمر وأحققته إذا كنت على يقين منه. (اللسان ـ حقق).
أما التحقيق في الاصطلاح: فهو إخراج كتاب مخطوط من عالم النسيان إلى عالم النور على أسس صحيحة محكمة من التحقيق العلمي في: عنوان الكتاب، اسم المؤلف، نسبه، علاقته بالكتاب المرغوب في تحقيقه، تحريره من التصحيف والتحريف والخطأ والنقص والزيادة، بمعنى: إخراج الكتاب بصورة مقاربة تماماً من الأصل الذي كتبه المؤلف إن كانت النسخة الأصلية غير موجودة، وإن كانت النسخة الأصلية موجودة إخراجها بشكل كامل بحيث لا يترك نقصاً فيه من أي جانب من جوانب التحقيق.
وهناك مبادئ عامة في التحقيق لا بد من الإشارة إليها:
1 ـ إن تحقيق أي كتاب تراثي بغية شرحه وتناوله ليكون في متناول أيدي الدارسين والباحثين للوقوف عليه والاستفادة مما جاء فيه بعد أن كان حبيس خزائن المخطوطات، عمل يستحق التقدير، ولكن ليس كل ما وجد مخطوطاً من تراث العربية يصلح لأن تنصرف إليه جهود المحققين، وأن يصرف فيه من الوقت والجهد ما لو بذل في غيره لكانت الفائدة أعم وأكبر، من هنا تظهر وجاهة أن يعرف المحققون جواب سؤال يطرح دائماً ومؤداه: ما الذي يستحق النشر من تراثنا المخطوط؟ ولماذا تبذل الجهود المضنية والوقت الثمين في تحقيق ونشر ما لا يضيف جديداً أو يعد إضافة نوعية لما وضع في بابه. وإذا أراد المحقق أن يحقق مخطوطة معينة لا بد من دراسة المخطوط أولاً دراسة جادة للوقوف على ما فيها من الزيادة على أمثالها من المخطوطات التي تبحث في الموضوع نفسه.
2 ـ قدسية النص: يرى كثير من المحققين أن النص الوارد في المخطوط نص مقدس لا يجوز فيه التغيير أو التبديل، وإن كانت هناك خلافات بين المخطوطة الرئيسة والمخطوطات الأخرى لا بد من الإشارة إليها في الهامش حتى تبقى المخطوطة الرئيسة كما هي دون أن تمسها زيادة أو نقص.
ولي رأي آخر قد أكون محقاً فيه، وهو أنه لما كان الهدف من التحقيق إخراج النص بصورة جيدة خالية من العيوب، وأقرب ما تكون إلى ما أراده كاتب المخطوط، فإني أرى أنه يجوز للمحقق إدخال بعض التعديلات وتصحيح التصحيف والأخطاء الإملائية والنحوية الواردة في النص، مع الإشارة إلى هذه الكلمات الجديدة التي أضافها إلى النص المحقق في الهوامش مشيراً إلى النسخ التي أخذت منها، بمعنى: أن يترك المجال للمحقق بإجراء بعض التغييرات بهدف إخراج النص إخراجاً جيداً خالياً من العيوب، وأن لا تكون النسخة الرئيسة مقدسة لا يجوز الاقتراب منها أو التغيير فيها، فإنه لما كان الهدف إخراج المخطوطة بصورة سليمة خالية من العيوب، أرى أنه لا مانع من أن يتدخل المحقق بالنسخة الأصلية من إضافة أو حذف أو تصحيح.
3 ـ اختيار نسخ المخطوطة:
يغلب أن تكون هناك نسخ كثيرة للمخطوط الذي نريد تحقيقه، وفي حالة العثور على مخطوطة ما لا بد من العودة إلى الكتب والمصادر والمراجع التي تهتم بهذا الموضوع، وقد تكون هناك نسخ متعددة لهذا العنوان، وعلى المحقق الحصول على هذه المخطوطات، لأنه بوجودها يكون لعمله تقدير وقيمة علمية، ولا شك أن قدم المخطوطة يكون سبباً من الأسباب التي تؤدي إلى اختيارها لتكون أصلاً يعتمد عليها في التحقيق، بشرط أن تكون النسخة تامة كاملة غير منقوصة. وإذا تمكن الباحث من العثور على نسخة قديمة تحمل توقيعات وتعليقات الشارحين والمطلعين عليها فتكون هذه النسخة المرشحة الأولى لاتخاذها أصلاً يعتمد عليها في التحقيق.
أما إذا حصل المحقق على نسخة واحدة فعليه البحث بجدية عن نسخ أخرى ليتمكن من القيام بالتحقيق، وهذا النوع يحتاج إلى جهد مضاعف جداً لتحقيقها، ودراية واسعة ويقظة ووعي في التقويم والتصحيح، وتشترط شروط خاصة بالمحقق الذي ينبري لتحقيق مثل هذه المخطوطة. وفي حالة امتلاك المحقق المخطوطة الأصلية بخط المؤلف أو راجعها المؤلف أو حالة امتلاك نسخ قديمة مقابلة على الأصل، يستغني المحقق عن النسخ الحديثة أو الأخرى، ويقتصر على ذكر هذه النسخ الحديثة في المقدمة، ويغفل ما ورد فيها خوفاً من إثقال الهوامش بتعليقات ليس لها فائدة حقيقية. وعلى المحقق أن يتذكر أنه ليس كل مخطوطات الكتاب الواحد سواء في أقدارها، ففيها الكامل والناقص، وفيها القديم والمتأخر، وفيها الواضح والغامض، وفيها الموثق بسماعاته وإجازاته ومقابلاته، وغير الموثق، وإذا كانت أفضل النسخ هي أقدمها وأكملها وأوثقها، فإن هذه المواصفات فلما تجتمع في نسخة واحدة، فقد تكون النسخة الأقدم ناقصة أو صعبة القراءة أو غير موثقة، وقد تكون النسخة الكاملة هي الأحدث، وقد توجد نسخ غير مؤرخة يصعب وضعها في مكانها الزمني بين النسخ الأخرى، وهنا تأتي أهمية دراسة الخط وتواريخ التمليكات والسماعات والإجازات وتقصي الأشخاص الذي ورد ذكرهم في السماع أو الإجازة.
وقد وضع برجشتراسر تصوراً عن المفاضلة بين النسخ الخطية والمتفاوتة، إذ يقول: إن أقدار النسخ الخطية للكتاب ما متفاوتة جداً، فمنها ما لا قيمة له أصلاً في تصحيح نص الكتاب، ومنها ما يعول عليه ويوثق به، ووظيفة الناقد أن يقدر قيمة كل نسخة من النسخ ويفاضل بينها وبين سائر نسخ الكتاب، متبعاً في ذلك قواعد منها:
أن النسخة الكاملة أفضل من النسخة الناقصة, وأن الواضحة أحسن من غير الواضحة، وأن القديمة أفضل من الحديثة، وأن التي قوبلت مع غيرها أحسن من التي لم تقابل.... (أصول نقد النصوص ونشر الكتب، للمستشرق برجشتراسر، ص 14، طبعة دار الكتب بالقاهرة 1969).
4 ـ عنوان المخطوط وعلاقته بالمؤلف:
علاقة المؤلف بالمخطوط من الموضوعات المهمة التي يجب على الباحث أن يهتم بها ويقوم بتحقيقها، فهناك العديد من المخطوطات خلت من اسم المؤلف إما لتلف الورقة الأولى والتي غالباً ما تحمل اسم الكتاب واسم المؤلف، وإما لفقدان الورقة الأولى أو غير ذلك. وللتأكد من علاقة المؤلف بالمخطوط يمكن العودة إلى ترجمته في كتب التراجم والفهارس، حيث إن المعتاد الترجمة للشخص ثم لنتاجه العلمي من كتب ومؤلفات، وإذا لم يتمكن المحقق من ذلك فعليه قراءة المخطوط وحواشيه والتعليقات المسجلة على جوانبه ـ إن وجدت ـ لعله أن يجد إشارة إلى اسم المؤلف. وإذا لم يصل المحقق إلى غايته تلك فعليه قراءة المخطوط قراءة واعية ثم يعود إلى الكتب والمراجع التي تبحث في الموضوع نفسه، علّه أن يجد إشارة هنا أو هناك أو اقتباس من يشير إليه. وعليه الاستفادة أيضاً من ذوي الخبرة في هذا المجال ومن المختصين في هذا العلم علّهم يشيرون عليه باسم المؤلف أو باسم الكتاب. ومن الكتب التي يقترح عليه العودة إليها التي تحوي أسماء المؤلفين والكتب التي ألفوها: الفهرست لابن النديم، وهدية العارفين للبغدادي، وكشف الظنون لحاجي خليفة... وغيرها.
5 ـ التحقيق:
في البداية لا بد لـ المحقق أن يختار النسخ التي سيتعامل معها بالتحقيق وأن يختار رمزاً لكل مخطوط من هذه المخطوطات، ومن تجربتي كنت أختار حرفاً من المدينة أو المكتبة التي وجد فيها المخطوط، وأن يتم اختيار أقدم النسخ والأقرب إلى النسخة الأصلية التي كتبها المؤلف بخط يده، وإن توفرت هذه النسخة زالت العقبات الكثيرة التي تعترض المحقق، وإن لم تكن النسخة الأصلية موجودة فعليه أن يتخذ أقدمها وأوثقها وأصحها أساساً للنشر، وتقابل بالنسخ الأخرى، وتثبت الخلافات بين النسخ في الهامش، والتحقيق ليس مجرد مقابلة عدة نسخ على بعضها، ولا هو تصويب له أو تصحيح لأخطائه، وإنما هو محاولة للاقتراب من النص الذي تركه المؤلف وافتقدناه، وهنا لا بد من الإشارة إلى بعض آراء المحققين الذين يرون أن المحقق ليس من مهمته تقويم النص أو تصحيح المعلومات الواردة به، وأنه ليس من مهمته استكمال النقص الموجود في النص إلا إذا كان النص لا يستقيم دون إضافة.
ولي رأي آخر مناقض لما سبق إذ أرى أن من مهمة المحقق أن يقدم نصاً كاملاً سليماً خالياً من الأخطاء مهما كان نوعها، إذ إن القارئ العادي الذي يقرأ الكتاب بعد تحقيقه يقرأ ما هو موجود في النص دون الرجوع إلى الهامش، ولا يعود إلى الهامش إلا إذا اختلط عليه شيء ويريد التأكد منه، وليس شرطاً على القارئ أن يعود إلى الهامش عند كل إشارة في النص، ومعنى ذلك أيضاً أنه سيفقد المعنى العام الذي يستطيع الخروج منه من هذه القراءة. والعودة إلى الهامش عند كل إشارة سيؤدي إلى إزعاجه بل إلى ترك الكتاب كاملاً. لذا أرى أنه يفضل أن يكون المخطوط سليماً من أي عيب مهما كان نوعه.
وهناك نقاط يشار إليها في أثناء التحقيق:
أ ـ وصف المخطوط: بعد أن أختار المحقق رمزاً لكل نسخة من النسخ، لا بد من ذكر بلد المخطوط أو الشخص الذي يملكه، واصفاً الورقة الأولى بما فيها من عنوان المخطوط واسم مؤلفه وما حليت به من تمليكات وقراءات، وما يوجد عليها من أختام، وعليه أن يذكر عدد أوراق كل مخطوط ونوع الترقيم الموجود, مع الإشارة إلى ما قد يوجد من خلط في ترتيب الأوراق إن وجد، ثم قياس الصفحة طولاً وعرضاً وما تشتمل عليه من سطور، وما في كل سطر من كلمات، ثم الإشارة إلى نوع الخط وهل هو بقلم واحد أم مختلف، وهل كتبت العناوين بخط مغاير ونوع الحبر ولونه، ونوع الورق وجودة الخط من عدمه، كذلك أن يشير المحقق إلى التحقيقات والتعليقات والرموز والمختصرات... وغيرها. وعليه الإشارة إلى أسلوب النسخة من حيث الضبط بالشكل من حيث الوجود والتمام والصحة من عدمها، وما يعتري النسخة من تحريفات وتصحيفات ومن حيث تمامها أو نقصها ووضوحها من عدمه، كذلك الإشارة إلى تاريخ النسخة إن كانت هناك إشارة في نهاية المخطوطة، وإذا تم ذكر اسم الناسخ فلا بد من التعريف عليه والترجمة له مما يزيد في أهمية المخطوط وقيمته.
ب ـ وضع صورة من المخطوطة المعتمدة في التحقيق بعد وصفها وتكون ممثلة لصفحة العنوان وصفحة المقدمة والخاتمة، وصور بعض القراءات إن وجدت، والعادة أن يكون في هذه الصفحات المصورة: اسم الكاتب ـ المؤلف ـ وعنوان المخطوط واسم الناسخ وتاريخ النسخ وخاصة في الصفحة الأخيرة من المخطوط.
ج ـ وضع نماذج مصورة من المخطوطات التي اعتمدها المحقق في عمله بعد وصفها وصفاً دقيقاً، وتكون هذه الصور ممثلة لصفحة العنوان وصفحة المقدمة والخاتمة وصور بعض السماعات والقراءات، فمثل هذه الصفحات يذكر فيها اسم المؤلف والناسخ وتاريخ النسخ.
د ـ السقط: كثيراً ما يعترض المحقق سقوط كلمة أو كلمات أو جمل من النسخة الأصلية، فإذا وجد المحقق ما سقط فأرى أن يضعه في مكانه مع النص الأصلي بين قوسين ويشير إليه في الهامش أنه قد و جده في النسخة التي تحمل الرمز كذا، أما إذا كانت لديه نسخة واحدة، ووجد بعض السقط فيها فعليه أن يتم النقص مهما كان سببه بالرجوع إلى المصادر التي اقتبست منه أو المصادر التي لها صلة بالكتاب.
و ـ التصحيف والتحريف: يحدث التصحيف من خلال تقديم نقطة وتأخير أخرى، وقد يكون بتغيير حرف من حروف الكلمة بتقديمه عن مكانه أو تأخيره أو حذفه.
أما التحريف: فيأتي في تغيير الكلمة أصلاً، وعلى المحقق التأكد من أن هذا التصحيف أو التحريف هو من فعل الناسخ، فإن كان ذلك كذلك وجب عليه إجراء التصويب المناسب من خلال النسخ الأخرى التي يمتلكها مع الإشارة إلى ذلك في هامش الصفحة، وتكمن المشكلة فيما لو كانت المخطوطة نسخة واحدة، وهنا لا بد أن يبذل المحقق جهداً كبيراً بالعودة إلى الكتب التي أخذت من هذا المخطوط ومراجعتها بدقة ووعي، فإذا وجد أن التصحيف والتحريف من الناسخ وضع الكلام الصحيح بين قوسين { } وأشار في الهامش إلى التصحيف والتحريف. أما إذا كانا لتحريف أو التصحيف من المؤلف فأرى ـ وقد يخالفني الآخرون ـ أن يكتب الكلام الصحيح في النص وأن يشير في الهامش إلى ما وجده في النسخة الأصلية.
ز ـ التقديم والتأخير: عند تصفح المخطوط، قد يجد المحقق كلاماً قد قدم عن مكانه أو تأخر، وقد يجد موضوعات كاملة في غير مكانها الطبيعي من حيث تسلسل الموضوعات، وعندها يجب على المحقق أن يشير إلى هذا التقديم والتأخير بعد التأكد التام من خلال المقارنة الدقيقة مع النسخ التي لديه.
ح ـ الخطأ الإعرابي والإملائي، قد نجد في بعض المخطوطات العديد من الأخطاء الإعرابية والإملائية، ودور المحقق الجاد أن يتأكد أولاً أن ما يراه من الأخطاء الإعرابية ليس لـه وجه من وجوه الإعراب، إذ أن ما يراه خطأ قد يكون صواباً لدى بعض النحاة. وعليه أيضاً أن يكون على معرفة كاملة بالمصنف وهل تقع منه أخطاء إعرابية أو إملائية. وعليه أن يصحح هذه الأخطاء، وأن يضعها بين قوسين { } مشيراً في الهامش إلى الخطأ الذي وقع فيه المصنف. ولي رأي تربوي وهو أن يصحح الخطأ ويوضع بين قوسين دون الإشارة إلى الخطأ الذي وقع به المصنف ودون الإشارة إليه في الهامش وذلك حتى لا يعرض الخطأ أمام القارئ خاصة إذا كان القارئ سائراً في طريق التعلم خوفاً من تلتقط عينه الخطأ والذي قد يستقر في ذهنه دون التصحيح.
واجبات المحقق:
إضافة إلى ما سبقت الإشارة إليه، فهناك واجبات على المحقق أن يقوم بها، ومنها:
1 ـ المقدمة: لا بد أن يبدأ المحقق كتابه بمقدمة يبين فيها أهمية الكتاب والإضافات التي سيضيفها في عالم تخصصه، والأسباب التي دفعته إلى تحقيق هذا الكتاب دون غيره من الكتب.
2 ـ حياة المصنف: لا بد للمحقق أن يقدم ترجمة للمصنف، ترجمة واعية وافية كاملة، يعرف القارئ به من حيث: اسمه ونسبه، كنيته ولقبه ومذهبه، مولده ونشأته، طلبه للعلم ورحلاته العلمية، شيوخه الذين قاموا بتدريسه، ثم طلابه الذين درسوا العلم عليه، والمدارس التي درس فيها، وأقوال العلماء فيه، والذين أرخوا له ثم مصنفاته العلمية، وأخيراً تاريخ وفاته....
3 ـ حياة الناسخ: ليس شرطاً أن يقدم المحقق ملخصاً لحياة الناسخ، ولكنه من الأفضل والأكمل أن يقدم بمقدمة تبين حياة الناسخ: اسمه ولقبه، حياته العلمية وجهوده في النسخ وأسماء الكتب بالتي قام بنسخها.
4 ـ تقسيم الكتاب: المخطوطات على نوعين، إما أن يقوم المؤلف بتقسيم الكتاب إلى فصول وأبواب، والتعامل مع مثل هذه الكتب سهل وميسر، حيث يحافظ المحقق على تقسيمات المصنف.
والنوع الآخر خال من التقسيمات، فالكتاب من بدايته إلى آخره موضوع واحد، وهنا يأتي دور المحقق بأن يضع عناوين جانبية بين قوسين [ "> لكل موضوع من موضوعات الكتاب، وهذا ما يشاهد في كتب النحو خاصة، حيث إن الكتاب لا يحمل أي عنوان، فيلجأ المحقق إلى هذا التقسيم وإلى هذه العنوانات الجزئية، وقد صادفت هذا مع: شرح الكافية للموصلي، حيث خلا الكتاب من أي عنوان، فكان الشارح ينهي الحديث عن موضوع ليضع نقطة ويبدأ بسطر جديد لموضوع جديد، مما جعل المحقق يضع بين قوسين [ "> العناوين الجانبية. وهناك بعض العلماء لا يرون ذلك، ولكن الضرورة تبيح للمحقق أن يتصرف بوضع عناوين جديدة حتى يسهل الرجوع إلى الكتاب في الموضوع الذي يراه القارئ.
دراسة الكتاب:
من الموضوعات المهمة التي تبرز دور المحقق، إذ ليس الهدف من التحقيق إظهار الكتاب لعالم الوجود فقط، بل لا بد من دراسته دراسة مفصلة يبين فيها أهمية الكتاب وما هو الجديد الذي أتى به المصنف، ثم يبين آراءه في الموضوع الذي كتبه، وفي كتب النحو مثلاً لا بد للمحقق من بيان رأي المؤلف هي يتبع الرأي البصري أم الرأي الكوفي، وما هي الأدلة على ذلك، أم أنه لم يكن متعصباً فيؤيد هذا في موضوع وهذا في موضوع آخر.
ولا بد للمحقق من استعراض القضايا النحوية التي تعرض لها الشارح أو المصنف، وكيف ناقشها، وهل بنقاشه واستنتاجاته كان ميالاً لمذهب معين. وباختصار أقول إن الدراسة يجب أن تشتمل على ما يلي:
المؤلف ـ اسمه ونسبه وعصره، رحلاته، وفاته، شيوخه، وذكرهم بأسمائهم، معاصروه الذين عاشوا في زمنه للوقوف على مقدار التواصل مع بعضهم البعض، وهل أخذ المؤلف شيئاً ممن عاصروه، وهل أخذوا منه أيضاً، ثم ذكر مؤلفاته والإشارة إلى الكتب التي لا زالت مخطوطة والتي تم طبعها، ولا مانع من استعراض بعض الآراء من هذه الكتب. ثم تلاميذه، وذكر البارزين منهم، ثم دراسة المؤلف من حيث فكره نقول: ابن معطي النحوي للوقوف على آرائه النحوية، وهل تفرد بآراء جديدة، وضرب أمثلة على هذه الآراء من خلال المخطوط الذي نقوم بتحقيقه، فمثلاً نقول: إن ابن معطي قد تفرد ببعض الآراء النحوية منها مثلاً: منعه لتقديم خبر (ما دام) على اسمها، وإضافة شرط آخر غير ما ذكره النحاة في المفعول له وكذلك في الندبة وغيرها. وعلى المحقق دراسة القضايا التي يتعرض لها المؤلف ويناقشها ويبين موافقتها للنحاة الآخرين أو معارضتها لهم مبيناً رأيه فيها، ثم يبين مثلاً ميل المؤلف للبصريين أو الكوفيين، وماهية هذا الميل، ولماذا اختار المذهب الكوفي مثلاُ في هذه القضية، ولماذا اختار المذهب البصري في القضية الثانية، وعلى المحقق في مثل كتاب: شرح ألفية ابن معطي أن يبين كيف تم اختيار هذا العنوان ـ الألفية ـ وهل هو ألف بيت حقيقة أم لا، وهل سبق باختيار هذا العنوان سواء أكان من النحاة أو من غيرهم، ثم يشير إلى أثر هذا الكتاب في مؤلفات الآخرين, هل أخذوا منه شيئاً، وأين ذكرت هذه الآراء.
وقد قام محقق كتاب ألفية ابن معطي ببيان أثر هذه الألفية في ألفية ابن مالك، حيث إنه السباق إلى هذا النمط التأليف مدللا على هذا التأثير.
وهناك ملاحظة مهمة وهي أن على المحقق أن يتأكد أن هذا الكتاب لم يحقق من قبل. وقد سقط في ذلك الدكتور رمضان عبد التواب عندما قال في تحقيقه لكتاب الحروف للرازي: إن هذا الكتاب ينشر للمرة الأولى، وقد قام بتحقيقه الدكتور رشيد عبد الرحمن العبيدي قبل الدكتور رمضان بثماني سنوات، وقد تم نشره بمجلة معهد المخطوطات العربية في الجزء الأول ـ المجلد العشرين الصادر سنة 1394 للهجرة.
5 ـ ترجمة الأعلام والمدن:
ليس شرطاً أن يترجم للأعلام الذين يردون في متن النص، ولكن إذا قام المحقق بترجمة لأحد الأعلام وجب عليه أن يترجم لجميع الأعلام الواردة في النص، والأصل أن يترجم المحقق للأعلام عند ورودها للمرة الأولى, وإذا كرر اسم العلم يجوز له أن يشير إلى رقم الصفحة التي ترجم له فيها، وكذلك الحال مع أسماء الأماكن، فيترجم للعلم في المرة الأولى التي يرد فيها، ثم يغفل الحديث عنها في الصفحات التالية.
6 ـ الفهارس العلمية: تختلف الفهارس باختلاف موضوعات الكتاب، ففي كتب النحو مثلاً نجد أن النمط السائد في عمل الفهارس تكون على الشكل التالي:
أ ـ فهارس القرآن الكريم، بحيث يجمع المحقق الآيات الواردة في النص ويضعها تحت السورة التي وردت فيها مبيناً رقمها كذلك، ووفقاً للترتيب القرآني، فمثلاً سورة البقرة، آل عمران، النساء، المائدة... ويفضل أن تكتب الآيات بالرسم القرآني وأن توضع بين قوسين مميزين.
ب ـ فهارس الحديث النبوي، وذلك بعد تخرجيها في النص.
ج ـ الفهارس الشعرية ـ الأبيات الكاملة ـ مع التذكير بأن الأبيات الشعرية يجب أن تكون مشكلة شكلاً كاملاً خلال النص، وأن تكتب بخط بارز أكثر سواداً مثل:
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره * * * تجد خير نار عندها خير موقد
أما أنصاف الأبيات فيجب أن توضع تحت هذا العنوان، وأن تكتب على الشكل التالي:
وكان إذا ما يسلل السيف يضرب * * * من يفعل الحسنات الله يشكرها
وهذا ينطبق على الكلمة الواحدة أو الكلمتين من الشاهد النحوي.
د ـ أعلام الأشخاص: بعد أن يكون المحقق قد قدم تعريفاً بالأعلام الذين مروا معه، وورد ذكره للمرة الأولى، يقوم المحقق بذكر الأعلام ويضع أمام أسمائهم أرقام الصفحات التي ورد فيها ذكرهم، ويفضل ذكر الأعلام حسب تاريخ ميلادهم أو وفاتهم.
هـ ـ الجماعات والقبائل: على المحقق أن يرصد أسماء القبائل والجماعات التي وردت في النص، وأن يشير إلى الصفحات التي ذكرت فيها حتى يسهل الرجوع إليها لمن أراد.
6 ـ أعلام الأماكن: لا بد للمحقق أن يقدم تعريفاً موجزاً عن المكان الذي ذكر في النص وقت وروده مثل: مكة، المدينة، بغداد.... ويذكر التعريف مرة واحدة في الكتاب، مع ذكر الصفحات التي وردت فيها هذه الأعلام.
7 ـ المصادر والمراجع: على المحقق أن يعمل قائمة بالمصادر والمراجع التي عاد إليها واستخدمها أثناء قيامه بهذا العمل، ويراعي فيها الحروف الهجائية.
8 ـ الفهارس العامة: بعد أن ينتهي المحقق من عمله السابق يقوم بعمل فهرس عام للموضوعات الواردة في الكتاب مع ذكر الصفحات لهذه الفهارس الجانبية.
المصادر والمراجع:
(1) أصول نقد النصوص ونشر الكتب: المستشرق برجشتراسر، تقديم د. محمد البكري، طبعة دار الكتب 1969م.
(2) البحث الأدبي: د. عبد الهادي الفضلي، الطبعة الأولى، مكتبة العلم جدة 1402 هجري.
(3) تحقيق التراث: د. عبد الهادي الفضلي، الطبعة الأولى مكتبة العلم جدة 1402 للهجرة.
(4) تحقيق التراث العربي... منهجه وتطوره: د. عبد المجيد دياب، منشورات المركز العربي للصحاف، القاهرة 1983 م.
(5) تحقيق المخطوطات بين الواقع والنهج الأصل: د. عبد الله عسيلان، مكتبة الملك فهد 1415 للهجرة.
(6) تحقيق نصوص التراث في القديم والحديث: د. صادق الغرياني، ليبيا، 1989 م.
(7) تحقيق النصوص ونشرها: عبد السلام هارون، ط6، مكتبة الخانكي، القاهرة 1397 للهجرة.
( فهرس المخطوط العربي: ميري عبود فتوحي، دار الرشيد، بغداد 1980م.
(9) في منهج تحقيق المخطوطات: مطاع الطرابيشي، طبعة دار الفكر، دمشق 1403 للهجرة.
(10) قواعد تحقيق المخطوطات العربية وترجمتها: ريجيس بلاشير، ترجمة د. محمود المقداد، دار الفكر ـ دمشق 1988م.
(11) قواعد تحقيق المخطوطات: صلاح الدين المنجد، ط3، دار الكتب.
(12) منهج البحث الأدبي: د. علي جواد الطاهر، ط7، مطبعة الديوان، بغداد 1986م.
(13) منهج تحقيق التراث بين القدامى والمحدثين: د. رمضان عبد التواب، مطبعة الخانجي، القاهرة 1406 للهجرة.
(14) منهج العلماء المسلمين في البحث العلمي: فرانتزر وزنتال، دبعة دار الثقافة، بيروت 1961.
(1) محاضرة ألقيت في مؤتمر تحقيق التراث العربي ـ الرؤى والتطلعات سنة 2004 م.
(*) أستاذ في جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية.
تاريخ الإضافة : 18/11/2011
مضاف من طرف : soufisafi
صاحب المقال : د.علي موسى الشوملي
المصدر : tourath.halamuntada.com