صدر مؤخّرا للأستاذ الباحث محمد أرزقي فراد، كتاب جديد بعنوان "للشهداء عيون"؛ مساهمةً منه في الاحتفاء بستينية الثورة التحريرية، تناول فيه قيم ورمزية الشهيد، وجمع فيه بعض مقالاته. وبهذه المناسبة خصّ المؤلف "المساء" بتوضيحات عن الكتاب، الذي يُعدّ ثمرة جهد، ووقفة عرفان لمن عبّدوا درب استقلال الجزائر.استحضر الدكتور فراد في هذا الكتاب ماضيا مثقلا بالذكريات الأليمة والأحداث المجيدة التي حرّرت شعبا من مخالب الاستعمار.وبدايةً، أكّد ل "المساء" أنّه ابن شهيد وأخ شهيد؛ وبالتالي كانت خلفيته من وراء إصدار هذا الكتاب، توثيق هذا الماضي الذي عانى منه كطفل جزائري من بين آلاف أطفال الثورة، وكان في التاسعة عند حصول الجزائر على استقلالها.شبّه المؤلف القصف الذي تعرضت له قريته "عشوبة" بمنطقة أزفون في 11 جوان 1958، بالقصف الذي سُلّط على غزة، ذلك أنّ القرية قنبلت رؤوس أبنائها العزّل، منهم هو الذي كان طفلا صغيرا انتُشل حيا من تحت الأنقاض لتُكتب له حياة جديدة، لكنه لم يفلت من حياة البؤس والحرمان والفقر المدقع الذي سبّبه الاستعمار، لكن بمجرد استعادة الجزائر استقلالها قرّرت أن توفّر التعليم لأبنائها، فاستفاد المؤلّف من هذا الامتياز، وقرّر أن يجتهد في ميدان التعليم والتحصيل، ليحقّق في كنف "جزائره المستقلة" الكثير، ويصبح مربيا ومديرا ومؤلفا وبرلمانيا، ومع كلّ هذا بقي المؤلّف مشدودا لذكرياته ومسقط رأسه وإرث الشهداء، وهنا عبّر عن ألمه لتناسي هذا الميراث الذي أدار له الكثيرون ظهورهم وداسوا عليه؛ مما أصاب الذاكرة بثقب ينزف، كما أصاب المجتمع بالفساد والإفلاس.يقول المؤلف: "أردت الاحتفال بستينية الثورة بطريقتي، فقرّرت إنجاز هذا المؤلَّف باعتبار أنّ المكتوب هو الباقي. أمّا موضوع الشهداء فتناوله الكثيرون قبلي، وذلك مباشرة بعد الاستقلال، منهم بسعود محمد أعراب، الذي ألّف كتابا عنوانه "كم هم سعداء الشهداء الذين لم يروا شيئا!"، وتوالت الكتابات مع رشيد ميموني في "النهر المحوّل"، ثم الطاهر وطار مع "الشهداء يعودون هذا الأسبوع"، وأيضا أحلام مستغانمي، التي أبدعت في قطعة شعرية رصّعتُ بها كتابي، واقتبست منها كلمة عيون الشهداء".ويرى المؤلف أنّ الكتاب نوع من الوفاء للشهداء، الذين قدّموا أرواحهم على مذبح الحرية لأجل أن تعيش الجزائر مستقلة. وأشار إلى أنّه كان لسنوات طويلة مربيا ومعلما؛ لذلك حرص في هذا الكتاب، على إبراز القيم التربوية، والعمل على تحصين الناشئة بحب الوطن.للإشارة، كتب مقدّمة الكتاب الأستاذ المجاهد محمد الصالح أوصديق، الذي أشار إلى أنّ ألما كان يصاحب الكاتب وهو ينجز هذا المؤلَّف، فهو يتألمّ من الاستعمار الذي عاث فسادا، فيذكر المآسي التي وقّعها، ثم يذكر هؤلاء الذين ارتفعوا إلى المعالي بفضل جهادهم وتقدّمهم قوافل الاستشهاد وهم راضون يبتسمون، مثمّنا تسجيل مآثر الشهداء ومواقفهم من خلال المكتوب.وجاءت فكرة الكتاب عقب محاضرة ألقاها المؤلف بجامعة بومرداس برفقة الأستاذ محمد الصالح أوصديق، بمناسبة يوم الشهيد. وأثناء إعداد المحاضرة أدرك المؤلف عدم وجود مراجع كافية خاصة بالشهيد وما يمثّله من قيم ورمزية. وعند عودته لبيته تذكّر الأستاذ فراد أنّ له سلسلة من المحاضرات والمقالات نُشرت على مدى عشرية كاملة، تتمحور حول قيم نوفمبر، يشكّل فيها الشهيد حجر الزاوية، وبالتالي فكّر في جمعها في هذا الكتاب، ودعمها بنصوص وثائقية نثرية وشعرية متعلّقة بالشهيد.وخصّص قسم الملاحق لمجموعة من النصوص الهامة، منها الخطاب التاريخي لابن يوسف بن خدة رئيس الحكومة المؤقتة، المتضمّن وقف إطلاق النار، وكذا بيان الندوة الوطنية لأبناء الشهداء، ونصّ بيان آخر، أعلنت فيه هذه المنظمة تذمرها من محاولات حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ تأسيس هيئة موازية لها. وأدرج الكاتب ضمن الملاحق قانون المجاهد والشهيد الصادر سنة 1999، وكذا اقتراح قانون تجريم الاستعمار الذي قدّمته مجموعة من نواب البرلمان في 18 فيفري 2001، وأيضا مقطعا من "الشهداء يعودون هذا الأسبوع" للطاهر وطار وغيرها من النصوص، إضافة إلى القصائد الشعرية والأناشيد الوطنية الممجّدة لأمجاد الشهداء.وتضمّن الكتاب أيضا صورا فوتوغرافية لبعض الشهداء والمناضلين منذ زمن المقاومة الشعبية، ومن الحركة الوطنية وثورة التحرير، وًصورا لبعض الجرائم في حق الشعب الجزائري الأعزل، إضافة إلى بورتريهات بعض شهداء الثورة ومناضلي الحركة الوطنية. كما قدّم الكتاب مسار نضال الشعب الجزائري ونخبه منذ سنة 1830 حتى 1962، معتمدا في ذلك على العديد من المراجع والدراسات التاريخية والشهادات، وهكذا أراد الكاتب أن تكون تضحيات الشهداء تراثا تتوارثه الأجيال وتتبناه النخب؛ لأن أي تخلٍّ عن هذه القيم وهذا المنهج يُعدّ خيانة عظمى.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 16/12/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : مريم ن
المصدر : www.el-massa.com