الجزائر

تثمين عادات في طريق الاندثار



* email
* facebook
* twitter
* linkedin
عرف صالون تجهيز العروس الذي تجرى فعالياته بقصر الرياس بالعاصمة، ترحيبا كبيرا من قبل الزوار، الذين أعربوا عن استحسانهم التظاهرة، التي جعلتهم يستذكرون بعض العادات والتقاليد التي كانت تحرص عليها العائلات قديما وتسير اليوم في طريق الاندثار، بعدما مسّتها عوامل العصرنة والتقاليد والتحضر.. "المساء" تجولت بين أجنحة الصالون، ووقفت على جملة من العادات التي حاولت الحرفيات إعادة إحيائها ولفت انتباه المقبلات على الزواج، إليها؛ لإعادة إدراجها ضمن الجهاز.
شهيرة قويدر رئيسة جمعية تحدي المرأة: "السادان" و"التاوسة" عادتان تسيران نحو الزوال
ترى السيدة شهيرة قويدر، رئيسة جمعية تحدي المرأة المشرفة على تنظيم الصالون، أنّ العودة إلى كل ما هو تقاليد في الأعراس أصبح أكثر من ضرورة بالنظر إلى التحريف الذي مسّ عددا كبيرا من العادات؛ بسبب الغزو الثقافي، قالت في معرض حديثها مع "المساء"، "حيث أصبحنا نمجّد بعض العادات المغربية والتركية ونستحي بعاداتنا"، مشيرة: "من جملة العادات التي ارتأينا من خلال الصالون تذكير الزوار بها والدعوة إلى إعادة إحيائها خاصة أنّ موسم الصيف يعتبر موسم الأفراح والمناسبات وبالتالي الفرصة سانحة لإعادة إحيائها، عادة "السادان"، التي كانت تُعدّ من أهم العادات العاصمية التي يتم عن طريقها الإشهار بحلول موعد العرس، حيث يتم توزيع الشاربات على الجيران وأهل العروس، وكان يقال وقتها: "خرجنا السادان" الذي زال واندثر ولم يعد جيل اليوم يعرفه.
ومن جملة العادات التي بدأت هي الأخرى تزول، حسب محدثتنا، حمّام العروس، الذي كان هو الآخر تقليدا هاما، حيث كان أهل العروس يستأجرون الحمام طيلة اليوم وكانوا يأخذون معهم جهاز العروس الخاص بالتحميمة وبعض الحلويات، واليوم أصبحت بعض العرائس تستغني عن الحمّام ولا تُعد حتى الجهاز، بينما أخريات يفضّلن الاستحمام بالمنزل والتخلي عن هذا التقليد.
تقول رئيسة الجمعية: "من جملة العادات التي رغبنا أيضا في رد الاعتبار لها، عادة "التاوسة"، المتمثلة في تقديم هدايا على شكل مبالغ مالية لأهل أحد العروسين التي تعتمد عليها لتسيير بعض أمورها، وكانت تُعدّ، حسبها، نوعا من التضامن والتآزر. أما اليوم فحلت محلها الهدايا الرمزية التي قد لا يحتاج إليها أهل العروس. وذهبنا إلى أبعد من ذلك، حيث "أصبح نوعا من الديّن، وأصبحت الهدايا تُرد إلى أصحابها حسب نوعيتها وحجمها".
تقول رئيسة الجمعية: "نتطلّع من خلال المعرض الذي تستمر فعالياته إلى غاية 27 جوان، إلى إعادة إحياء بعض العادات أو على الأقل، تذكير جيل اليوم بها ليعرفوا عاداتهم، وحتى لا تقودهم رياح التقليد والعصرنة إلى تمجيد عادات الغير والتخلي عن عاداتنا"، مشيرة إلى أنّ بعض التغيير خدم العادات، بينما البعض الآخر غيّب عاداتنا؛ "كطبق العروس الذي يجري اليوم تقديمه في شكل مختلف وجعل السلّة تختفي، إلى جانب تقديم لباس العروس على صينية نحاسية من طرف رجال يلبسون لباسا تقليديا، أو نقل أمتعتها في صناديق خشبية على غرار ما هو موجود عند الأتراك كنوع من التغيير، كل هذا تؤكّد "جعل عاداتنا تسير نحو الاندثار بفعل التقليد والرغبة في التجديد على حساب الأصالة".
الحرفية نادية رابي: جهاز حمّام العروس طالته ريح التغيير
تأسّفت نادية رابي حرفية في الطرز التقليدي مختصة في لباس العروس، عن تخلي عرائس اليوم عن جهاز الحمّام الذي لم يعد يحوي على أيّ قطعة تقليدية وأصبح مصنّعا مائة بالمائة. ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ؛ تقول في معرض حديثها مع "المساء": "بل تخلينا حتى عن بعض الطقوس التي كانت تمارسها العروس بالحمام، والمتمثلة في الدخول إلى الحمام بالفوطة المصنوعة بقماش الحرير، الذي يُشترط أن يكون أبيض، وتكون مغطاة بالملحفة والقبقاب وفي يديها الشموع. وبعد الدخول إلى "بيت الماء" والاستحمام بالاعتماد على صابون "الدزاير" والخروج من بيت الحمام، تلبس "البنيقة" التي تغطي بها شعرها، وسروال الشلقة المصنوع من قماش الحرير وقمجة "الكاميزورة" وردية اللون مرفقة طبعا بمحرمة "الفتول"، وتجلس على تفريشة الحمام المصنوعة والمطرزة يدويا وإلى جانبها المحبس الذي يحوي على مجموعة من الحلويات التقليدية ممثلة في "المقروط" أو "الكعيكعات". ويوزّع على كل من رافق العروس الشاربات المصنوعة من القرفة. وبعد العودة إلى المنزل تستعد من أجل مقابلة أهل زوجها؛ بتخضيب يديها "بالحنة". ويُشترط عليها حسب التقاليد أن تكون أيضا بلباس الحنّة؛ حيث تغطي رأسها محرمة "الفتول" وتلبس "البينوار"، مشيرة في السياق، إلى أن "كل هذه العادات والطقوس تراجعت، ولم تعد عرائس اليوم يعرفن حتى المقصود من أدوات الحمام؛ إذ يُنظر إليها على أنّها عادة قديمة تجاوزها الزمن".
وذهبت محدثتنا إلى أبعد من هذا، حيث ترى أنّ العرائس اليوم يرفضن الكشف عن هويتهن بالحمام؛ لتجنب دفع نفقات تحميمة العروس ل "طيابة الحمام" مثلا، ولا تأخذ معها الجهاز التي يعكس أنّها عروس، وتستحم كغيرها، مشيرة في السياق، إلى أنّ ترك هذه العادات يعدّ نوعا من التخلي عن أصالتنا، إذ يُفترض على الأمهات أن يفرضنها على بناتهن حتى لا ينظرن إليها على أنّها أمور يمكن الاستغناء عنها. ولعلّ هذا ما جعل الكثير من العادات الدخيلة تضيّع "طقوس الحمام"؛ بالتخلي عن المحبس والطاسة و«الطفطافة" التي تضع فيها العروس مستلزمات التحميمة، وحلّ محلها كلّ ما هو مصنّع وجاهز مستورد صيني أو تركي".
الحرفية نصيرة بن حميدة: المنتوج الصيني يطغى على جهاز العروس
أبت الحرفية نصيرة بعد أن أحيلت على التقاعد، إلا أن تعود إلى ممارسة بعض الأنشطة التقليدية المرتبطة بجهاز العروس بعدما وقفت على تخلي عرائس اليوم عن بعض القطع التقليدية الهامة في الجهاز، والتي كانت إلى وقت مضى، تعدّ ضرورية ولا يجوز الاستغناء عنها؛ لأنّها تُعتبر من التقاليد. وحسبها فإنّ من بين القطع التي لم تعد عرائس اليوم توليها أهمية، المفارش الموجّهة للتزيين المعدة من الخيوط، التي كان يتم تزيين الخزائن بها والطاولات، وكانت تُعد بها حتى أفرشة السرير ممثلة في مسلول الفل ومسلول الياسمين و«الشبيكة"؛ إذ كانت الفتيات في العطل يتعلمن مثل هذه الحرف حتى يحضّرن جهازهن. أما اليوم فإنّ المنتوج الصيني أثّر كثيرا على جهاز العروس، التي أصبحت تفضّل كل ما هو مصنّع من جهة. ومن جهة أخرى، لم تعد الصناعات التقليدية تثير اهتمام النساء خاصة العاملات منهن، الأمر الذي جعلهن يسارعن إلى اقتناء كل ما هو مصنّع؛ ربحا للوقت وتجنبا لكل ما هو يدوي، الأمر الذي جعل عددا من عاداتنا تختفي؛ حيث أصبحت عرائس اليوم يملن لتجهيز جهازهن بكل ما هو مستورد مطرز بالماكنة.
الحرفية مريم عبد الرحيم: التغيير لا يعني التخلي على الأصالة
يؤمن بعض الحرفيين بأنّ التغيير والتجديد في جهاز العروس لا يعني بالضرورة التخلي عن الأصالة والتقاليد، وهو الأمر الذي جعل الحرفية مريم عبد الرحيم تختار، رغم صغر سنها، التخصص في جهاز العروس، حيث أبدعت في إدخال لمستها العصرية على بعض مستلزمات جهاز العروس رغم أن بعض زوار الصالون وحتى بعض الحرفيين انتقدوا التغيير واعتبروه إساءة إلى جهازها الذي أضحت تغيب فيه اللمسات التقليدية، غير أنّ مريم قالت في معرض حديثها مع "المساء" إنّها نزلت عند طلب المقبلات على الزواج من اللواتي أبين أن يشعرن في يوم عرسهن بنوع من التمييز والانفراد. ولعلّ من بين ما أبدعت فيه تغيير "طبق العروس" من مجرد سلة مزيّنة "بالدنتال" ومغطاة بمحرمة الفتول، إلى طبق دائري مغطى بطربوش مزين بالأحجار والعقاش، يرافق العروس عندما تلبس القفطان، كما أنه مطلوب، حسبها، كثيرا من طرف الماشطة، التي تشترط وجوده في تصديرة العروس، مشيرة في السياق إلى أنّها كحرفية، حافظت على طبق الحنة كقطعة مهمة في الجهاز، غير أنها أدرجت عليه بعض التعديلات، ممثلة في تغيير شكله، وإعطائه شكلا مختلفا يواكب العصرنة ويوحي بالفخامة.
ومن جملة ما أبدعته الحرفية مريم ولقي إقبالا كبيرا من طرف المقبلات على الزواج، علب المجوهرات وغيرها من الإكسسوارات التي تأخذها العروس معها؛ "حيث اعتمدنا في ذلك على العلب التي اشتهر بها الأتراك، وأدرجنا عليها بعض التعديلات والتغييرات من حيث الشكل"، وتؤكد: "عليها طلب كبير من المقبلات على الزواج لتزيين غرفهن بها حتى يظهرن كأنّهن سلطانات".


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)