الجزائر

تاريخ الجزائر.. حزين لرحيلك أيها العملاق المتواضع



تاريخ الجزائر.. حزين لرحيلك أيها العملاق المتواضع
نعزّي أنفسنا أم نهنّئها بوفاة شيخ المؤرخين الجزائريين أبو القاسم سعد اللّه أستاذنا الجليل وعالمنا الفاضل، الذي رحل عنا بعد طول عطاء ونضال مع التأريخ والتدوين والإبداع في صنوف الأدب والشعر والتاريخ.كم كنت يا شيخنا جليلا بعلمك وحلمك وتواضعك، كم كنت سخيا جوادا كريما بعلمك الذي لم تبخل به على طلبتك ومريديك؛ فقد كنت تستقبل أسئلتهم وإشكالاتهم باهتمام المعجبين وتجيبهم عمّا علمته وتؤجل ما استحق البحث والتحليل والتعليل، وكنت- رحمك اللّه وأسكنك جناته في عليين- بأخلاق العلماء الأفذاذ متحررا من سفاهات وسفهاء عصرك متعاليا على كل ما هو دوني، فلم تتلطخ بعفن ولم تتلوث بلوثة وبقيت نقيا طاهرا .كم ترفعت عن سفاسف الأمور وزهدت في الدنيا وزخرفها وبهرجها الذي لم يخدعك ولم يبعدك عن منارة العلم والبحث وعن أيقونة التاريخ، فكم مرة عرضت عليك الوزارة فرفضتها بلطف العلماء ودراية الفقهاء فقد كنت تدري أنك لم تخلق لها وأنها لم تخلق لك؛ فاخترت مكانك بين أهلك وذويك، ورحم اللّه امرئ عرف قدره، وقليل في زماننا من عرف قدره ولزمه.نعزّي أنفسنا بفقدك وأنت العملاق علما وخلقا، وأنت المؤرخ الرائد الذي أرسى تقاليد البحث العلمي التاريخي في معهد التاريخ بجامعة الجزائر، وخرّجت دفعات من جنود المدرسة التاريخية الجزائرية، فالكل مدين لك مقتف لأثرك ومهتد بمنهجك الأصيل. وتركت إرثا علميا تعجز المجامع والمخابر والمؤسسات أن تنتج مثله، فأنت بذلك جدير بأن نعزّي أنفسنا بفقدك، لكنك لن تغادرنا فذكرك بيننا بأعمالك خالد.ونهنئ أنفسنا.. بأنك غادرتنا وأنت على العهد نزيها مخلصا وفيا، لم تجرفك الأهواء والسلطة ولم ينل منك الغرور ما ناله من أشباه بعض الأساتذة والمؤرخين؛ الذين ينتسبون إليك زورا ليكتسبوا الشهرة والشرعية ويدنسون النهج بوصوليتهم وتعاليهم وتجبرهم، فنعم الأستاذ أنت وبئس التلاميذ هم. لم تنل ما تستحقه حيا من قِبل البعض، لكنك عند الكل معتبر ومبجل بما تركت من أثر يدل على دماثة خلقك ورفعة معدنك وعلو شأنك وعمق معرفتك وصحة منهجك، فأنت العملاق في المعالي، وأنت المتواضع رغم هامتك، فالسنابل الممتلئة تنحني لثقلها بينما تتعالى منها الفارغات الجوفاء، وكنت كذلك عملاقا من غير غرور ولا تكبر، وكنت متواضعا من غير وضاعة وقصور.أعلم أني لست أجيد كتابة التأبينيات والمراثي، وخاصة إذا كانت لأمثالك من الكبار علما وأدبا؛ لكنها الضرورة وأنت الشاعر مرهف الحس وتفهم معنى الضرورة الشعرية، وتفهم- وأنت المؤرخ- كيف تدفع الظروف الأشخاص العاديين لتحمّل مسؤوليات تفوقهم لكنها الضرورة، فعذرا إن لم نعطك بعضا مما تستحق، فأنت أسمى من هذه الكلمات والعبارات التي لا يمكنها أن تفيك حقك وتفي بالغرض في مصابنا فيك. نم قرير العين، فذكرك عزيز علينا، وإرثك محفوظ لبنينا، ونهجك موقر بيننا، رحمك اللّه وأسكنك فسيح جنانه.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)