الجزائر

بين هيكل وإحدادن !



خلال السنوات الماضية، كنت أتسمر دائما أمام التلفاز، كل نهاية أسبوع لمتابعة حصة الإعلامي المصري محمد حسنين هيكل، على قناة الجزيرة، كان ذلك البرنامج وتلك الوسيلة الإعلامية بالنسبة لي شيئا مبهرا لشخص عشق (صاحبة الجلالة) منذ الصغر، قبل أن أدرسها كتخصص وتتغير مفاهيمي وقناعاتي وأحكامي الأولية بالتدرج رأسا على عقب، كنت أشاهد كل برامجها تقريبا وبدون استثناء لكن البرنامج الذي كان الجميع يمقته في البيت هو برنامج مع هيكل ، بالعكس تماما بالنسبة لي كان هو برنامجي المفضل !.لا أخفي عليكم أنني عشقت مهنة المتاعب من خلال هذا الرجل حيث كنت منبهرا كثيرا بقدراته التعبيرية والتحليلية الرهيبة وإعادة بنائه للأفكار وللأحداث، بذلك الأسلوب الموغل في العمق والتفاصيل التي بدت لي في الوهلة الأولى أنها مملة جدا، حيث كان هيكل بالنسبة لي قبل أن أتعرف إلى مفهوم الصحافة أكاديميا، وتكون ضمن خيارتي الأولى بعد النجاح في البكالوريا، يمثل ذلك الصحفي المبهر في طريقة سرده بتلك اللكنة المصرية السريعة التي تحتاج إلى التركيز وتتبع للأحدث حتى تستطيع فهم ما يقوله في ذلك البرنامج الذي تتمازج فيه المفاهيم الكبيرة بين السياسة والاجتماع والاقتصاد والحروب وأسماء الشخصيات التاريخية الفاعلة من كل دول العالم، كنت أتلقف كل تلك المعلومات دون أن أستوعب في بعض الأحيان شيئا لكن كنت متأكد من شيء واحد أن ما يقوله هذا الشخص مهم جدا !
بدأت قصتي مع هذا الإعلامي الفذ لما كان يتحدث عن الحرب العالمية الثانية، التي كانت جزاء من دروسنا في مادة التاريخ بالبكالوريا، وقد إستقر سمعي على الموضوع وهو يتكلم عن تجربته في تغطية الصراع العالمي على أرض مصر باعتباره صحفيا، وكنت أنا بصدد التعرف على التفاصيل التي تقودني على فهم أعمق لدرس الحرب العالمية الثانية في شقه المتعلق بالشرق الأوسط خاصة في معركة العلمين .
حسنين هيكل سافر معي أيضا عبر كتبه التي اطلعت على بعضا على غرار أكتوبر 73 -السلاح والسياسة-، مدافع آية الله ، المفاوضات السرية بين العرب واسرائيل ، وعشرات المقالات التي أطلعت عنها في جريدة الأهرام وغيرها، والتي غاص فيها بالتحليل المعمق والاستنتاجات والحقائق عما كان يجري حينها في تلك المنطقة من الشرق الأوسط، وأرخ من موقعه كصحفي قريب من مركز القرار لهذه الأحداث التي عايشها في أغلب الاحيان لذلك تعتبر شهادته وتحليلاته مهمة جدا لنا كقراء ومتتبعين عن تلك الحقبة .
في غمرة الذكرى الثانية لوفاة الصحفي المخضرم محمد حسنين هيكل في 17 فيفري الماضي، التي كانت حدثا بالغ الأهمية بالنسبة لوسائل الإعلام المصرية وحتى العربية حيث خصص له حيز مهم بالملفات والشهادات والمقالات عن مساره الثري، تذكرت البرودة التي مرت بها وفاة المجاهد والصحفي، الأكاديمي الجزائري، زهير احدادن يوم 20 جانفي 2018، الذي أرخ للصحافة الجزائرية أكاديميا وقاوم بقلمه ونشاطه الحزبي جبروت المستعمر.. كان لهذا الرجل دور كبير في الثورة.. لكن للأسف الجزائريون لا يعرفون عنه أي شيء هكذا تكلم عنه صديقه جلول باغلي بحسرة وهو يرثي صديقه خلال تلك الأربعينية التي تم تنظيمها في قسم الإعلام بجامعة الجزائر3 قبل أسبوعين، ويرثي في نفس الوقت حال جهلنا كجزائريين بهذا المناضل الطهور كما وصفه الوزير السابق لامين بشيشي !.
تساءلت ماذا كان ينقص هذا المجاهد بكل هذا الزخم والتاريخ والنشاط والمقاومة حتى لا يتعرف عليه الجزائريون أكثر، مثلما يعرف المصريون والعرب محمد حسنين هيكل رغم أنهما متقاربين في السن وربما الأفضلية لزهير إحدادن باعتباره كان مناضلا سياسيا، ودرس في الجامعة وأسس أكاديميا للصحافة الجزائرية ؟.. ماذا ينقص هذا الرجل الذي ساهم في تأسيس الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين حتى لا نتعرف عليه؟، كان أيضا صحفيا فذا، حيث أشرف إبان حرب التحرير على صحيفة المقاومة الجزائرية في المغرب في طبعة الريف المزدوجة بالعربية والفرنسية قبل أن ينتقل إلى المجاهد، وكانت تقوم زوجته بنشر طبعات المقاومة في شوارع الرباط لكي ترسخ القضية في نفوس الأشقاء والأصدقاء وحتى الاعداء ؟.. ماذا ينقص هذا الرجل حتى لايتم التسويق لتاريخه خارج أسوار الجامعة والجانب الأكاديمي الجاف؟ خاصة وأنه يؤمن بهذا البلد والشعب أكثر من نفسه، فحادثة الثياب الرثة التي كانا يلبسانها هو وصديقه في الرباط خلال الثورة لازالت شاهدة يرويها أحد أصدقاه حيث يقول طلبت منه تغير الثياب بحكم أنها أصبحت قديمة جدا،فقال الشعب يقتل بالنبالم في الجزائر وأنت تطلب مني شراء الثياب !.

في مذكراته أيضا يقول عنه الأستاذ الجامعي رضوان بوجمعة الذي إطلع على عليها أنه يتحدث فيها عن الآخرين أكثر من الحديث عن نفسه ، حيث يؤمن بأنه لم يقدم شيئا يستحق الذكر، وما التضحية التي قدمها ليست سوى ذلك الواجب المقدس إتجاه الوطن والشعب .
الفرق بين الاثنين، هيكل واحدادن، إن الاول كان إعلاميا فقط، حتى وإن تقلد بعض المناصب الإدارية بصفة مؤقتة، إلا أن الثاني كان يصنع الحدث وينقله أيضا من خلال موقعه كصحفي، كما كان ناضلا سياسيا بامتياز، وأستاذا في الطور الثانوي والجامعي، فهو خدم بلاده قبل الاستقلال وبعده، لكننا في الاخير لا نعرف سوى الشيء القليل عنه، ليست متحسرا لأنني عرفت الاول قبل الثاني، لكنني كنت في حاجة لأن أتعرف على تاريخ إبن هذا الوطن قبل غيره وخارج التخصص أيضا .. ولكي أخفف عني وطأة تساؤلاتي الكثيرة تذكرت مقولة لشيخ المؤرخ الجزائريين أبو القاسم سعد الله نحن نعرف جيدا كيف نصنع التاريخ لكن لا نعرف تماما كيف نرويه !


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)