يمكن للماضي والحاضر، أن يتماهيا مع بعضهما ويتصالحا برغم التغير الكبير في التفاصيل، الماضي جميل كما كان، والحاضر الذي هو جزء من ذلك الماضي جميل أيضاً كما هو.الأسوياء من البشر يمضون مع الحاضر إلى المستقبل ببصيرة ورؤية ملؤهما الطموح بتحقيق التطور والجمال والانسجام مع المتغير، وخلق قدرة على الفهم والاستيعاب ، قدرة تتكئ على الوعي والإدراك المؤسس على هضم التجارب والصعود بنورها لتخلق سلوكاً إنسانياً قادراً على التصالح مع الاختلاف ، وليس على العرض والاستعراض وإدارة الوعي لخدمة مصالح وأهداف خاصة دون أي مراعاة لمصير الآخرين، وإلى أي تهلكة يسيرون به.بين هذا وذاك، بين الماضي والحاضر، يخلق البعض قطيعة لا يلتقيان فيها على الإطلاق، فيتشبث البعض بالماضي كأنه تلك الحقيقة التي لا معرفة بعدها، كأنه الخلاص وأنه الرافعة إلى سلم المجد والسكينة.يتمادى هؤلاء إلى حد امتلاك الحق في تعميم هذا الماضي على الآخرين بأن يتبَعوه ويتبِعوه، فحراس هذا الماضي لا يتوانون عن الإلغاء والتحديد والتهميش أو القتل أحياناً لمن خرج عن عباءة ذلك الجانب العنيف من الماضي، وتفتحت بصيرته على شكل وفكر آخر للوجود بتعدد حالاته ومعطياته.أما المتشبثون بالحاضر فلا يَرَوْن إلا هو (الحاضر) حقيقة يمكن السير فيها إلى التطور والارتقاء، ولا يَرَوْن في الماضي سوى كومة ضخمة من البلاء والتخلف، وبذلك يرمون بحجر لمعة الألماسة الساكنة في حضن التاريخ ، يسدون بابهم عن النور القادم من الماضي، وهم كذلك يهمشون ويلغون ويحددون، يصنفون البشر بين عبارات وتوصيفات، بناء عليها يحشرون العلاقات الإنسانية في زوايا ويحشرون أنفسهم.مع هذين المشهدين نجد أنفسنا بحاجة إلى النور، إلى المعرفة، إلى الذهاب أبعد من حدود القناعات الراسخة، إلى تفتيت صخرة الثابت والمضي مع الريح وهي تنساب وتتداخل منذ ما قبل الخلق في الأرض الشاسعة وفي فضائها، بين المحيطات وقمم الجبال، بين الأغصان وورق الأشجار، على خد الوردة وفي قلوب العشاق.بحاجة إلى الإنصات بإمعان إلى صوت المحبة القادم من بعيد، من عمق القسوة والعذاب، من الندم، من قلوب الضحايا والأسى الذي يشير إلى نور المعرفة القادم من التجربة.بحاجة إلى التحديق في البعيد، في المستقبل، في ذلك السراب الذي يتشكل معالم كي نتبعه وندير صرحه بحكمة ملؤها إنسانية تماسكت وشدت عودها بدرة الحياة وبرحيقها لأجل أن يمضي الناجون في دروب السلام والمحبة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 20/02/2017
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : أ لخضر بن يوسف
المصدر : www.essalamonline.com