كان جياب العسكري الفذ الفيتنامي يردد بأن الاستعمار تلميذ غبي لأنه لا يستخلص الدروس، وعلى غرار مقولة هنري كيسنجر التاريخ لا يعيد نفسه إلا للذين لا يقرأون التاريخ، فإن المستعمر لا يرى في مشاريعه سوى الجانب الذي يساعده، لذلك كان المرحوم مولود قاسم يشدد على استخدام مصطلح الاستدمار بدل الاستعمار، لأن الثاني لا يدل على المعنى المقصود لأنه يعكس العمران والبناء، بينما الاحتلال جاء ليدمر، لا ليبني، كما أن المحتل يحاول اختزال الأحداث وفق المصادرة على المطلوب، كما يقرها أصحاب المنطق، ويساوي بين الجلاد والضحية، لأن هذا الأخير حاول أن يثور عن وضع مفروض عليه. وكما يقول محمد بن عبد الكريم الخطابي لا أدري بأي منطق يستنكرون استعباد الفرد، ويستسيغون استعباد الشعوب.. الحرية حق مشاع لبني الإنسان وغاصبها مجرم. فالفرنسيون استساغوا لأنفسهم حق مقاومة النازية، خاصة بعد سقوط باريس ولم يتسامحوا مع كل من تعاون مع النازيين ومع حكومة فيشي، بل إنهم أقروا بأنه لا تقادم في قضايا تخص اضطهاد اليهود ونفيهم، وحاكموا على إثرها موريس بابون وكلاوس باربي ولكنهم عادوا ليرفضوا أي محاكمة لبابون بسبب مجازر 17 أكتوبر 1916 في باريس. وفي الوقت الذي يحاول الفرنسيون قصرا فرض الاعتراف على الأتراك بسبب ما اعتبروه مذابح ضد الأرمن، نراهم يؤكدون بأنه لا اعتراف ولا اعتذار، لأن التاريخ الاستعماري يجعل الاحتلال عملا حضاريا، على غرار ما قاله جول فيري: ''هنالك حق للجنس السامي على الأجناس الدنيا، وإذا كان لنا الحق بأن نذهب إلى هؤلاء البرابرة، فإن ذلك يتم لأنه لدينا واجب أن نحضّرهم، فلا يجب أن نعاملوهم كأنهم متساوون معنا، بل أن نضعهم من وجهة نظر جنس سام يغزوهم''. إن للاستدمار ذاكرة قصيرة، ولذلك، هم لا يرون سوى ما يريدون رؤيته، ويقرأون التاريخ وفق مفاهيمهم الخاصة، منذ أن أكدوا أن الجزائر قطعة من فرنسا وأن أجدادنا هم الغاليون وأن المتوسط يقطع فرنسا كما يقطع نهر السين جزءا من الأراضي الفرنسية. فرنسا قبلت الصلح التاريخي مع ألمانيا، ولكنها لن تقوم بنفس الصلح مع مستعمراتها، لأن العلاقة بين المستعمر ومستعمراته مختلفة، فقد ظل وزير الداخلية فرانسوا ميتران، الذي أضحى رئيسا فيما بعد، يردد في نوفمبر 1945، ''من مقاطعة الفلاندر إلى الكونغو هناك قانون واحد يفرض هو القانون الفرنسي وهذه هي القاعدة، وليس الأمر متعلقا بالدستور فحسب، بل لأن ذلك مطابق لما تمليه علينا إرادتنا''، لذلك ترك سان سيمون رسالة تاريخية اختصرت الواقع الاستعماري آنذاك، حينما قال ''من حظي أن شهدت رؤوسا مقطوعة وأجسادا دون رؤوس وجرحى واستمعت إلى أصوات الرصاص والمدافع، هذا ما أسميناه إلى غاية 0481 حمل الحضارة إلى بلد، هذا أمر فظيع ولكنه واقع''، لذا لا نستغرب أن نجد اليوم من يحن إلى الماضي الاستعماري الذي أفرز قانون الأهالي الذي طبق في 1834في الجزائر، ثم عمم على المستعمرات جلها واعتمد على مبدأ الطاعة العمياء وعلى المخالفات التي تنجر عنها عقوبات قاسية لشعوب قاصرة، ومع ذلك ظلت فرنسا قائدة القاطرة لمحاولة إعطاء الشرعية للاستعمار عبر مغالطات تاريخية وأخلاقية تتحدث عن استعمار إيجابي.
soualilia@yahoo.com
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 02/04/2012
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : حفيظ صواليلي
المصدر : www.elkhabar.com