شكل قرار الجامعة العربية بتعليق مهمة فرق ملاحظيها في سوريا ضربة أخرى في خطة التعامل الروسية مع الحرب الدبلوماسية التي يشهد أطوارها مجلس الأمن الدولي من اجل استصدار لائحة دولية جديدة ضد النظام السوري لدفعه إلى الرضوخ لمطالب فعاليات المعارضة وترك السلطة لحكومة انتقالية.
واعتبر كثير من المتتبعين أن قرار الجامعة العربية بتعليق عمل مراقبيها بأنه خطة مدروسة مع الدول العربية لتعزيز موقفها لإقناع السلطات الروسية بتكييف موقفها مع ما هو واقع ميدانيا وخاصة وأن نبيل العربي برر موقف هيئته بالتصعيد الأمني الخطير الذي شهدته سوريا منذ نهاية الأسبوع واستحال معه مواصلة مهمة المراقبين العرب.
ويبدو أن هذا التعليق سيتحول إلى قرار نهائي بإلغاء هذه المهمة إذا أخذنا بعين الاعتبار تصريحات احمد بن حلي نائب الأمين العام للجامعة العربية الذي أكد أن وزراء الخارجية العرب سيجتمعون الأحد القادم للبت فيها بشكل نهائي سواء بتعزيز عدد المراقبين أو سحبهم جميعا وبصفة نهائية.
والمؤكد أن السلطات السورية استشعرت مثل هذا الاحتمال، مما أدى بها إلى اتهام الأمين العام للجامعة باتخاذ قرار التعليق بضغط من قطر وذلك تحسبا للاجتماع المرتقب لمجلس الأمن وحتى يكون ذلك ورقة ضغط إضافية ضدها.
ويبدو أن الدبلوماسية الروسية استشعرت هي الأخرى درجة التأثير التي يمكن أن يخلفها الموقف العربي واعتبرته بغير المنطقي لان موسكو تدرك قبل غيرها مدى أهميته في سياق ''الحرب الدبلوماسية'' المتأججة بين الدول المؤيدة والمعارضة لفرض مزيد من العقوبات على النظام السوري.
ولأن القرار العربي كان وقعه قويا على روسيا فقد ذهبت إلى حد إدانته وجعلت وزير خارجيتها سيرغي لافروف يتساءل عن الدواعي التي ''جعلتهم (العرب) يتصرفون بمثل هذه الطريقة تجاه وسيلة ذات أهمية وكان عليهم أن يضاعفوا من عدد الملاحظين بدلا من تعليق مهمتهم''.
وأضاف لافروف ''أن دهشتنا ازدادت خاصة وأن قرار الجامعة جاء بعد قرار سابق مددت بمقتضاه مهمة بعثة مراقبيها لمدة شهر إضافي بعد انتهاء المهلة الأولى في الرابع جانفي الجاري''.
وبقدر ما كانت خيبة أمل روسيا من قرار الجامعة العربية كبيرة فإن الدول الغربية ابتهجت للأمر واعتبرته ورقة إضافية تعزز مطالبها بفرض مزيد من العقوبات على النظام السوري تمهيدا لرحيله.
ولم تتأخر فرنسا وألمانيا وبريطانيا وبدعم صريح من الولايات المتحدة في استغلال هذا التطور المفاجئ لتعيد صياغة نص المشروع الأولي للائحة التي تريد تمريرها وعملت على تكييفه مع قرار تعليق مهمة الملاحظين العرب.
وهو ابتهاج سار في سياق مواقفها السابقة التي رأت في قرار إرسال ملاحظين عرب إلى سوريا للوقوف على حقيقة ما يجري هناك بأنه مجرد مضيعة للوقت على خلاف موسكو التي رحبت بالمبادرة العربية واعتبرتها بمثابة البديل الأمثل لوقف إراقة دماء السوريين من المعارضة والموالين للنظام السوري وخاصة في صفوف قوات الأمن.
ورغم أن مهمة المراقبين العرب شكلت ورقة إضافية التقفتها الدول الغربية إلا أن ذلك لن يكون كافيا لإحداث حلحلة في الموقف الروسي الذي مازال متشددا رغم الليونة الملحوظة التي أبدتها موسكو في المدة الأخيرة بخصوص إصدار قرار اممي جديد بعد أن وضعت خطوطا حمراء حذرت من تعديها وعلى رأسها فرض عقوبات جديدة والتفكير في رحيل الرئيس بشار الأسد.
وهي العقبة التي اصطدمت بها الدبلوماسية الغربية التي فشلت إلى حد الآن في إقناع روسيا بعدم إخراج ورقة الفيتو في وجه أي لائحة تغضبها وهي تسعى لان تكسب الضوء الأخضر من روسيا لتحقيق مبتغاها.
وهو الهدف نفسه الذي يريد نبيل العربي تحقيقه بمجرد وصوله إلى نيويورك، حيث ينتظر أن يلتقي بالسفيرين الروسي والصيني في الأمم المتحدة في محاولة لإقناعهما بتفهم الموقف العربي والمرافعة لفكرة استحالة إيجاد مخرج لهذه الازمة دون رحيل كل نظام حزب البعث الحاكم.
وهي مهمة مستحيلة إذا أخذنا بعين الاعتبار المواقف المتصلبة التي أبدتها موسكو وبكين تباعا ضد أي تدخل في الشأن الداخلي السوري يكون الهدف منه تغيير النظام الحاكم في دمشق.
أكد وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي أن الملف النووي لبلاده ''يسير في الاتجاه الجيد'' في نفس الوقت الذي أبدى تفاؤله من النتائج التي يمكن أن تنتهي إليها مهمة وفد الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي شرع منذ أمس في زيارة هامة إلى طهران. وقال صالحي بالعاصمة الإثيوبية حيث حضر جانبا من أشغال القمة الإفريقية أن ''تعاوننا مع الوكالة كان دوما تعاونا جيدا ومتناميا ونحن سعينا دوما ان نضع الشفافية كأحد مبادئنا للتعاون مع الوكالة''.
وكان رئيس مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وصل على رأس بعثة من المفتشين صباح اليوم الى إيران فى مهمة ترمي الى حل ما تسميه الوكالة ''مسائل عالقة'' تتعلق بالبرنامج النووى الإيراني.وكشف وزير الخارجية الإيراني أن سعيد جليلي كبير مفاوضي الملف النووي الايراني سيوجه رسالة الى وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاترين اشتون للاتفاق معها حول مكان وموعد إجراء محادثات جديدة حول البرنامج النووي لبلاده وانه سيقدم مقترحا حول تاريخ ومكان انعقاد هذه المحادثات.
تتأكد من يوم لآخر درجة الضغط التي تعمل دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا على ممارستها على النظام السوري للدفع به إلى مغادرة السلطة وفتح المجال أمام فعاليات المعارضة لتولي مقاليد الحكم موازاة مع تحركات دبلوماسية مكثفة على مستوى مجلس الأمن الدولي لاستصدار لائحة أممية حول سوريا.
وتصدرت هذه الإشكالية جدول أعمال لقاء عقد، أمس، بمدينة اسطنبول التركية ضم وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا تمحورت بشكل كلي على الآليات الكفيلة بإقناع الرئيس السوري على تنفيذ المبادرة العربية وتخويل صلاحياته لنائبه أو حتى بحث سبل إرغامه على ذلك.
وهو الإشكال المطروح على أكثر من صعيد وخاصة وأن دمشق أبدت منذ البداية معارضة صريحة لمثل هذه الفرضية تماما كما أكدت على ذلك السلطات الروسية التي أكدت من جهتها أنها ستكون مضطرة لإخراج ورقة حق النقض في حال أدرجت مسألة إبعاد الرئيس السوري من منصبه مهما كانت مبررات ذلك.
وبرر وزير الخارجية التركي احمد داوود اوغلو، أمس، عقد هذا الاجتماع برغبة ملحة ''لجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة للسلم والاستقرار والرفاهية''، ملمحا في سياق كلمة ألقاها أمام نظرائه الخليجيين أن النظام السوري يشكل عقبة أمام هذه المهمة ومبرره في ذلك بعدد ضحايا المواجهات المأساة السورية والذي ''بلغ الحد الذي لم يعد يطاق''.
وشكلت دول الخليج وتركيا منذ اندلاع هذه الأزمة جبهة صد ضد النظام السوري وهي تعمل الآن على تغليب فرضية فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية والمالية عليه في محاولة لخنقه اقتصاديا وجعله يستسلم مكرها في نهاية المطاف وخاصة وأن الوضع الذي دخل شهره الحادي عشر بدأت انعكاساته السلبية تلاحظ بشكل واضح على الاقتصاد السوري الذي أصبح يعيش شبه شلل تام.
ويبدو أن دول الخليج التي ضغطت من اجل التضييق على النظام السوري لا تريد تفويت هذه الفرصة، وهي الآن تعمل بكل الوسائل من أجل تشديد الخناق إقليميا ودوليا عليه وهو ما جعل الوزير التركي يؤكد على حتمية تضافر جهود كل المجموعة الدولية من اجل الإسراع في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحقيق مثل هذا المبتغى.
وجاء التحرك الخليجي ـ التركي في نفس اليوم الذي قررت فيه الجامعة العربية تجميد عمل بعثة الملاحظين العرب في سوريا بسبب التصعيد الأمني الذي عرفته في نهاية الأسبوع الماضي والذي خلف مصرع قرابة مائة شخص من بينهم أطفال ونساء وحتى عسكريين في الجيش النظامي.
وكشف نبيل العربي الأمين العام للجامعة في بيان أصدره أمس، أنه أعطى توجيهاته لرئيس البعثة الفريق أول محمد الدابي لاتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لضمان أمن وسلامة أفراد البعثة إلى غاية عرض الموضوع على مجلس الجامعة.
وأضاف العربي أن هذا القرار تم اتخاذه ''بالنظر لتدهور الأوضاع بشكل خطير في سوريا واستمرار استخدام العنف وتبادل القصف وإطلاق النار الذي يذهب ضحيته المواطنون الأبرياء بعد أن لجأت الحكومة السورية إلى تصعيد الخيار الأمني في تعارض كامل مع الالتزامات المنصوص عليها في خطة العمل العربية وبروتوكول مهمة بعثة مراقبي جامعة الدول العربية''.
وسارت هذه التطورات يوما بعد عرض ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبدعم عربي مشروع لائحة على مجلس الأمن الدولي، ضمن خطة شبيهة بتلك التي عرفتها صيرورة الأحداث في ليبيا وأفضت في نهايتها إلى الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي.
والمؤكد أن بلوغ هذه الغاية يبدو صعب التحقيق على الأقل في القريب العاجل بعد أن انقسمت مواقف الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن وذهبت من النقيض إلى النقيض بين روسيا والصين الرافضتين لتكرار السيناريو الليبي وبين الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى ومعها الدول العربية الداعية إلى ضرورة إنهاء المأساة السورية بشتى السبل وبقناعة أن عدد القتلى الذين يسقطون يوميا لم يعد يطاق، ووجب التحرك اليوم قبل الغد.
وأكدت مصادر دبلوماسية أممية أن موسكو تمسكت بموقفها المبدئي واعتبرت أن نص مشروع القرار الغربي ـ العربي تجاوز الخطوط الحمراء ولا يمكن بأي حال من الأحوال قبوله بعد أن أبدت معارضة لأية عقوبات جديدة أو لفكرة رحيل الرئيس الأسد أو حتى فرض حظر على مبيعات السلاح إلى سوريا.
وبسبب الهوة القائمة في مواقف الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، فإن الأسبوع الجاري سيكون ساخنا بتحركات ومشاورات للخبراء والدبلوماسيين سيتحدد معها المنحى الذي ستأخذه طريقة التعاطي مع تفاعلات الأزمة السورية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 28/01/2012
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : م/ مرشدي
المصدر : www.el-massa.com