نسمع كثيرا عن عبارة ”قراءة ما بين السطور”، في حين ليس من الدارج علينا أن نلتقي بعبارة ”مشاهدة ما بين الصور”، خصوصا إذا تعلق الأمر بتلك الصور المشتركة، أي تلك التي تحمل عدستَها يدان مختلفتان في الأيديولوجية والمصلحة.. ليدو وبوشارب.. هل هما وجهان لـ”أورو” واحد؟ لطالما تساءلنا في السنوات الأخيرة عن قيمة ما أنتج سينمائيا، بالشراكة ما بين الجزائر وفرنسا، وحاولنا أن نبحث خلف ”نيغاتيف” الأفلام المنتجة، عن الأهداف الحقيقية وراء إنتاج تلك الأفلام بعيدا عن الهدف التجاري الذي من الصعب أن تتكئ عليه الحجج، ومن بين أهم الأفلام ذات الإنتاج الفرنسي الجزائري المشترك، فيلم ”ما يبقى في الواد غير حجارو” للمخرج جون بيير ليدو، الذي عادت إليه ألسنة الجدل مؤخرا، بالموازاة مع الجدل الذي لا يزال يحيط بفيلم المخرج الجزائري رشيد بوشارب ”خارجون عن القانون”.. الفيلم الأول تنظر إليه الأعين الجزائرية بشزر، والفيلم الثاني تحدّق إليه الأعين الفرنسية بريبة، رغم أن جهة إنتاجهما كانت مشتركة بين ”العدوين الحميمين” الجزائر وفرنسا.ليدو.. و”ما يبقى في الواد غير خبارو”قطع فيلم ”ما يبقى في الواد غير حجارو” للمخرج جون بيير ليدو، ذي الأصل اليهودي، خطوة غاية في الاحترافية في التضليل من خلال الطرح المزيف للتاريخ الجزائري والتأكيد على فرضية أن الاختلاط الطائفيّ والتعايش بين المستوطنين والجزائريين كان ممكنا في الجزائر المستقلة أيضا، فحوّل بذلك فيلمه الذي كان بتمويل جزائري فرصة لتشويه التاريخ الثوري والتشكيك في الاستقلال.فيلم ”ما يبقى في الواد غير حجارو” الذي تحول بقدرة المخرج اليهودي ذي الأصول الجزائرية جون بيير ليدو إلى ”الجزائر.. حكايات ليست للبوح”، عملت وزارة الثقافة الجزائرية على تمويله من المال العام لأنها أرادته فرصة للحديث عن التاريخ المشترك بين الجزائر وفرنسا وتعزيز التعاون بين البلدين في هذا المجال، وأرادته فرنسا بالمقابل فرصة لفرض توجهها الثقافي على مستعمراتها القديمة خاصة في أفلام الثورة وما تعلق بالماضي الاستعماري، إلا أن جل هذه الأفلام كانت فرصة للإساءة للثورة الجزائرية وكانت تقدم الماضي الاستعماري في صورة ناصعة البياض.الفيلم عاد إلى الواجهة من جديد بعد أن أعلن المخرج عن قرار عرضه في إسرائيل قبل نهاية الشهر الجاري إلى جانب فيلمين آخرين من إنتاج مشترك مع وزارة الثقافة الجزائرية، وذلك بمبادرة من المعهد الفرنسي في تل أبيب. مع العلم أن هذه الأفلام الثلاثة أنتجها ليدو بدعم من وزارة الثقافة الجزائرية، في إطار تظاهرتي: الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007، وسنة الجزائر في فرنسا 2003.وبالعودة إلى ظروف إنتاج هذا العمل نجد أن وجه الاختلاف في البداية كان حول المدة الزمنية التي تجاوزت ثلاث ساعات كانت فرصة لا تعوض لدى المخرج للتفنن في عرض أفكاره الممجدة للاستعمار الفرنسي، حيث عملت كاميرا ليدو على تحويل الاستثناء في علاقة الجزائريين بالمستوطنين إلى قاعدة يكتشف من خلالها المشاهد مظاهر الاندماج في ثقافة الآخر. إلا أن الوزارة الوصية والتي كانت تجهل التحريف التاريخي الذي طال أحداث الفيلم، أصرت على أن لا تتجاوز مدة الفيلم 52 دقيقة، وهو ما كان فعلا قبل أن تكتشف من جديد أن فيلم ”ما يبقى في الواد غير حجارو” لم يكن إلا منبرا لسب الجزائر وتشويه تاريخها الثوري فتقرر بذلك توقيف عرض الفيلم الذي كان مبرمجا له أن يعرض في ثلاث ولايات هي الجزائر، قسنطينة ووهران وذلك في نهاية 2007، وما كان على الوزارة تبعا لذلك إلا المطالبة باسترداد أموالها التي فشلت في تحصيلها إلى الآن.المخرج الذي يصر على جزائريته، تجاوز بنود العقد ومضمون سيناريو الفيلم، إلا أنه يقول إنه أراد من خلال هذا الطرح الإجابة على عدد من التساؤلات عن طريق السينما حول ما كان خفيا في الثورة الجزائرية، وهو ما لا يمكن اعتباره تذنيبا للجزائر بل هي خطوة إلى الأمام للحديث عن الجوانب العاتمة في تاريخها الثوري، مستشهدا في ذلك بباقي السينمائيين الفرنسيين الذين كانوا يتناولون التعذيب في حرب الجزائر، والجوانب العاتمة الأخرى في تاريخ بلادهم. وهو بذلك لا يعتبر أنه ساهم في تعتيم تاريخ الجزائر.هذا التبرير الذي أراد من خلاله المخرج الاعتراض على قرار وقف عرض الفيلم في الجزائر، جعله يتجاوز حقيقة أنه تعمد احتراف سبل التضليل من خلال تشويه الحقائق التاريخية باستغلاله لأول مرة لشهادات وردت على لسان مجموعة من المواطنين الذين عايشوا جزءا هاما من الأحداث التاريخية التي كان الشمال القسنطيني عموما، ومنطقة سكيكدة تحديدا مسرحا لها منذ 20 أوت 1955 والتي بلغت حد الطعن والتشكيك في استقلال الجزائر. هذا إلى جانب محاولته اللعب على أوتار العلاقات الاجتماعية قصد ترسيخ أطر الذاكرة الجماعية بين المستوطنين والجزائريين، والأهم من ذلك إحياء تمسك المخيلة اليهودية بعراقة أصولها في قسنطينية، وذلك من خلال إعادة الاعتبار لشيخ أغنية المالوف ”ريمون” والإصرار على طرح التساؤل حول من كان وراء اغتياله.وقد تعمد جون بيير في المقابل - وهو من يتحدث عن ضرورة البوح بكل الحقائق - إلى عدم الإشارة لا من قريب ولا من بعيد إلى المجازر الجماعية التي ارتكبها جنود الاحتلال بقيادة السفاح أوساريس ضد الأهالي العزل القاطنين بمداشر بن مالك والعالية في ضواحي سكيكدة.”خارجون عن القانون” بسبب دخولهم التاريخمن جهة أخرى يقف فيلم ”خارجون عن القانون” للمخرج الجزائري رشيد بوشارب والممول فرنسيا، وهو الفيلم الذي قررت وزارة الثقافة عرضه بالجزائر بالموازاة مع عرضه على الصحافة العالمية بمهرجان ”كان”، ليروي جانبا آخر من التاريخ المشترك بين فرنسا والجزائر من خلال التطرق إلى قصة عائلة جزائرية عايشت هي الأخرى مجازر 8 ماي التي راح ضحيتها الوالد الذي قتل خلالها، ليقرر الأخوة الثلاثة الانتقام لوالدهم وبلدهم، كل حسب طريقته، ولتنتقل مجريات الأحداث إلى فرنسا التي سافرت إليها هذه العائلة بعد تهجيرها من أرضها، وهي الفترة التي كانت فرصة بين يدي المخرج للحديث عن واقع المهاجرين الجزائريين هناك وتسليط الضوء على حقيقة ما حدث في 17 أكتوبر 1961، إلى جانب حقائق أخرى شكلت وجه الاعتراض الفرنسي على الفيلم، وذلك بحكم رفضها إلى الآن الاعتراف بجرائمها الاستعمارية.المخرج المتهم في وطنيته حاول إذن بكل موضوعية تاريخية الغوص في بعض الحقائق التاريخية القليلة، التي يبدو أنها أحرجت بعض الأطراف الفرنسية التي تصر على إنكارها فحاولت الحيلولة دون عرضه، خاصة وأنها اعتبرت أن الفيلم جاء للتشهير بفرنسا وبتمويل منها، وقد نشأ الجدل بذلك حول الفيلم من منطلق رفض بعض الفرنسيين الرؤية التي طرحها بوشارب في فيلمه، رغم أن الفيلم يلعب أيضا على حبكة درامية سوسيو-تاريخية، تلامس علاقة ”الأفالان” بـ”المصاليين”، وعلاقة ما كان يعرف باسم ”حملة الحقائب” مع أبناء الجبهة في فرنسا، وحتى التركيبة الداخلية لأفراد الجبهة في التراب الفرنسي، في رؤية توثيقيّة للأحداث التاريخية، لم يسبق أن فصّل فيها سينمائيا قبل ”خارجون عن القانون”، خصوصا ما تعلّق بالعلاقة المضطربة التي وصلت إلى حدود الحرب غير المعلنة - حتى في التراب الفرنسي - بين مناضلي جبهة التحرير الوطني وبين ”مصاليي” الحركة الوطنيّة الجزائريّة.. وحتى تلك التي سجّلها التاريخ ولم تسجّلها السينما بعد، بخصوص بعض التصفيات الداخلية التي حدثت داخل صفوف مناضلي الجبهة وفيما بينهم، ولو أن فيلم بوشارب لم يصبغها بصبغة التضخيم، مكتفيا بوضعها وفق سياق ”الانضباط داخل الجبهة”.ليدو وبوشارب.. وجهان لـ”أورو” واحد”ما يبقى في الواد غير حجارو” و”خارجون عن القانون ” وإن كان كل منهما فرصة للحديث عن التاريخ المشترك بين الجزائر وفرنسا، إلا أن الأول جاء لتشويه الحقائق واستغلال الهفوات التاريخية في الجزائر لخدمة أغراض استعمارية يبدو أنها ما زالت مستمرة في الزمن، وهو ما نجح في تجسيده المخرج جون بيير باعتماده على التحايل والتضليل، في الوقت الذي أصر فيه المخرج الجزائري صاحب الجنسية الفرنسية، الموازنة بين الحقائق والكشف عنها بغض النظر عن أبعادها السياسية، التي تأكد فيما بعد أنها لا تخدم الكثيرين ممن يصرون على عرقلة عرضه على الرغم من أنه يحمل حقائق مثبتة تاريخيا وبالأرشيف.وإن كان من المفارقات السينمائية أن الفيلم الأول من تمويل جزائري وقد تأكد فيما بعد أنه جاء لسب الجزائر دون وجه حق، إلا أن الأكيد أن فيلم بوشارب وإن كان بتمويل فرنسي يحمل حقائق لا يمكن إنكارها وبالتالي إسقاط فرضية من يعترضون على فكرة إنتاج فيلم بتمويل فرنسي ويسب فرنسا، لأن التاريخ الذي تعرض إليه الفيلم حقيقة يذكرها جزائريو الاستقلال. حورية.صأهم الإنتاجات السينمائية المشتركة بين فرنسا والجزائر في السنوات الأخيرةموريتوريعن رواية لياسمينة خضرا صادرة سنة 1997 بفرنساإخراج: عكاشة تويتةسيناريو: بشير درايسالتمويل: فرنسي جزائريالميزانية: حوالي 700 ألف أوروالعرض الأول: سنة 2007البطولة: سيد علي كويرات، أحمد بن عيسى، رشيد فارس، مليكة بلباي...فضل الليل على النهارعن رواية لياسمينة خضرا الصادرة سنة 2010إخراج: المخرج الفرنسي ألكسندر أركاديينتجه ويخرجه من الجزائر: بشير درايسسيناريو: الفرنسي دانيال سانت أموالتمويل: فرنسي جزائري بقيمة مالية مشتركة تبلغ 17 مليون يوروالعرض الأول: يتوقع منتصف سنة 2011البطولة: الممثلة الفرنسية من أصل جزائري إيزابيل أدجانيالعدو الحميمسيناريو وحوار: باتريك روتانإخراج: فلورنت إيميليو سيريالإنتاج: مشترك بين فرنسا والجزائرالعرض الأول: بفرنسا سنة 2007دليس بالوماإخراج: نذير مقناشسنة الإنتاج: 2005بطولة: بيونة وثلة من الممثلين الفرنسيين والجزائريينالإنتاج: جزائري فرنسيسنة العرض بالجزائر: لم يعرض لحد الآن بالجزائرالعرض بفرنسا: سنة 2007الميزانية: أكثر من مليون يورو.كرتوش غولوازسيناريو وإخراج: مهدي شارفالمنتج المنفذ: ليت ميدياإنتاج: مشترك جزائري فرنسيالعرض الأول: سنة 2008قيمة التمويل: 2 مليار سنتيممسخرةالإخراج والسيناريو: لياس سالمالإنتاج: الجزائر فرنساالتصوير: بيار كوتروالتمثيل: سارة رقيق، إلياس سالم، ريم تاكوشتسنة العرض: 2008ميزانية: مليون أوروبركاتالإخراج: جميلة صحراويالإنتاج: جزائري فرنسيسنة العرض: 2006الميزانية: أكثر من 700 ألف يوروآذانالمخرج : رباح عامر زعيمشإنتاج جزائري فرنسي مشتركالعمل من بطولة: رباح عامر زعيمش، ممدوح كعبي وممدوح كويتاتاريخ العرض: 2009ولو في الصينالمخرج: مالك بن إسماعيلإنتاج جزائري فرنسي مشتركتاريخ العرض: 2008وداعا يا جاريالمخرج: نسيم عموشإنتاج فرنسي جزائري مشتركبطولة: جان - بيير بكري.الميزانية: أكثر من 500 ألف أوروتاريخ العرض: 2008رحلة إلى الجزائرالمخرج وكاتب السيناريو: عبد الكريم بهلولإنتاج جزائري فرنسيتمثيل: صوفيا مناصر، وحيد قاسمي، سامية أومزيان، حميد رماش...الميزانية: 200 ألف أوروتاريخ العرض: 2009 جمعتها: حياة.س
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 18/10/2010
مضاف من طرف : sofiane
المصدر : www.al-fadjr.com