بدأت الحركة الوطنية بعد الحرب العالمية الأولى تأخذ منحا جديدا، فقد بدأ أهل السودان يستشعرون هويتهم وكينونتهم وانتمائهم القومي، هذه المشاعر التي كانت تعمل وتتبلور في إطار قاعدة اجتماعية ضيقة في ظل نظام استعماري.
لم تكن المؤثرات الداخلية تعمل بمعزل عن المؤثرات الخارجية، فهناك صراع بين بريطانيا ومصر طرفا الحكم الثنائي في السودان، لكن مصر كانت شريكا اسميا فقط، بل إنها خاضعة للسيطرة البريطانية، كما أنه توجد بين مصر والسودان عدة روابط اللغة والدين والتجارة، هذه الروابط افتقدها البريطانيون، وما تأثير ثورة 1919م إلا دليل على ذلك فقد تأثرت الحركة الوطنية السودانية بها أيما تأثير، ومن بين الأصول التي حركت الحركة الوطنية السودانية نذكر التعليم، الذي يعتبر أهم الدوافع التي حفزت العناصر الوطنية على القيام بثورتهم، حيث أضحى السودانيون أكثر فهما لما ينوي عليه رجال الادارة البريطانية فعله في السودان.
فعمل التعليم على خلق فئة مسلحة بالأفكار والمفاهيم الحديثة، بل ساهمت المدارس كما ساهم التعليم في اضعاف حركة الاختلافات القبلية والنزاعات الدينية، كما شجع على نمو الروح القومية بين مختلف أطياف المجتمع السوداني.
كان للسياسات التي اتبعتها الادارة البريطانية في السودان أثر عميق على ظهور الحركة الوطنية في السودان وانتشارها في وسط المتعلمين خاصة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، حيث أخذ المتعلمون يبحثون عن رابطة جديدة تجمعهم، وبعد جهود متواصلة تمكنوا من اقناع الادارة البريطانية بتأسيس أو نادي للخريجين في أم درمان في صيف 1918م.
وبعد نجاح ثورة 1919م أخذ نشاط الخريجين في التوسع فعملوا على تأسيس جمعيات سرية على شكل خلايا محدودة الأعضاء، كان لها الأثر الكبير في تنامي الوعي الوطني في السودان واتساع دائرته، ومن خلال نشاط نادي الخريجين الأدبي والاجتماعي والسياسي أصبح للمتعلمين صوت ومنبر ثابت هو نادي الخريجين.
تمكنت جمعية اللواء الأبيض من إيصال أفكارها إلى المؤسسات العسكرية والنقابات المهنية والطبقات الأخرى، وتوغلت في أواسط الشعب السوداني بمختلف أطيافه وطبقاته ونجحت أيضا في استمالة الحكومة المصرية من خلال شعارها وعلمها ومبادئها، هذا ما جعلها تواجه مقاومة مزدوجة إذ كانت الادارة البريطانية في السودان تقمع بعنف أي نشاط سياسي صادر عن الجمعية، فضلا عن معارضة بعض السودانيين لها من رؤساء الطوائف الدينية وبعض شيوخ القبائل، في حين كانت جريدة الحضارة تشن هجوما عليها .
كما دخلت مصر في سباق لكسب العواطف السودانية متميزة على بريطانيا ومتفوقة عليها إذ لم يكن بين بريطانيا و السودان أي نوع من الروابط، بينما تجمع السودان ومصر علاقات دينية وثقافية طويلة الأمد، أدت الدعاية المصرية دورا هاما في خلق رأي عام جديد مضاد وخطاب مغاير للخطاب البريطاني، هذه الدعاية أيقظت الشعب السوداني وصارت لديهم امكانية التأثير في الحقل السياسي.
كان لتطور الحركة الوطنية المصرية الأثر البالغ على نظيرتها في السودان، فعندما نادى الزعماء المصريين بضرورة استقلال مصر والسودان تأثر أعضاء جمعية اللواء الابيض بهذه الافكار، وبدأت انعكاساتها تظهر كذلك في السودان و أصبحت هذه الأفكار تظهر جليا في مظاهرات الاحتجاج ضد السلطات الاستعمارية و أساليبها، وأخذت جمعية اللواء الأبيض تنادي بضرورة التصدي لأعمال التعسف المطبقة من طرف حكومة بريطانيا في السودان والوقوف ضدها والمطالبة بحقوق الشعب السوداني.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 11/07/2022
مضاف من طرف : einstein
صاحب المقال : - عامر زناتي
المصدر : مجلة العلوم الإسلامية والحضارة Volume 1, Numéro 4, Pages 423-444 2016-12-15