الجزائر

بهاء المنظر ونفاسة الجوهر كتاب: ''ابن فليس التهامي المدعو سي بلقاسم''



بهاء المنظر ونفاسة الجوهر                                    كتاب: ''ابن فليس التهامي المدعو سي بلقاسم''
يرقد في بطون الكتب قول مأثور يغفل عنه كثير من الناس، وفحوى منطوقه: (من أرّخ مؤمنا، فكأنما أحياه). وتدوين تاريخ العظماء والنابغين هو عمر ثان لهم، به تسترجع ذكراهم المعنوية وآثارهم الروحية، بعد أن يكتب لأجسادهم أن تسكن الثرى.
وقد أصاب عين الصنيع البديع أبناء عائلة الشيخ الشهيد ابن فليس التهامي(1900 1957م)، المعروف في مدينة باتنة باسم سي بلقاسم بن فليس، لما أتحفوه بكتاب بهي المنظر ونفيس الجوهر، وذلك بعد أن أتموا، منذ سنوات قليلة، تشييد مسجد ''الحق'' الذي يقع في قصبة مدينة باتنة.
جمع الكتاب المنشور من محاسن الكتب في شكله وفي مضمونه، ما جعله وثيقة نادرة، ومن باب الحق الذي يقال إنه تحفة تلحفت بالروعة المظهرية. وتظهر صفحة غلافه الأولى منظرا جامعا خلابا للقرية التي ولد فيها الشيخ الإصلاحي التهامي بن فليس، المدعو سي بلقاسم.
قدم للكتاب الوزير الأسبق الدكتور بوعلام بن حمودة، في سطور منتقاة، يحس قارؤها أن مدبجها لا يكتب، وإنما يحاول قدر مستطاعه أن يتكلم كلاما موزونا ومبهورا، باكتشاف شخصية جديدة، أعجبته خصالها ووتيرة جهادها في دروب الحركة الإصلاحية.
ورفع الأستاذ علي بن فليس، رئيس الحكومة الأسبق، وأمين عام حزب جبهة التحرير السابق، والنجل الأصغر من بين الذكور للشيخ التهامي بن فليس، ستائر طول تكتمه عن ذائقة أدبية ساحرة، وعن قدراته على بناء نص شاهق، فيه التذكر والإعجاب والعرفان والشكر والدعاء للوالد الكريم، من غير تبجح أو تباه. وحملت هذه المرثية عنوان (إلى الوالد المثل)، ونقتبس منها (أيا والدا.. أيا مثلا.. إليك أخط هذه الحروف والكلمات، وأتعشّم أن تكون بسيطة وحيّة، تماما كما كنت أنت في حياتك. لقد كان الحياء والبساطة صفتين من صفاتك معنا ومع الناس، إلى أن أخذت غيلة، وغيّبك عنا همج لوّثوا صفحات تاريخنا الحديث بجرائم قتل يأنف من مساسها عتاة المجرمين. لك أيها الوالد الحبيب، أتوجه بالذكر الحسن، لما ورَّثته لنا من أخلاق وخصال، ينعم بها بنوك إلى يوم الناس هذا. إنه إرث الإيمان والمبادئ التي أضحت، أكثر من أي وقت مضى، ثمارا يتقاتل العارفون لقطافها. كما أن برّك يوجب عليّ ذكر خلق الحياء الذي علمتنا إياه، ومنه أن يقف المرء عند ما لا يعنيه. كما أن برّك يوجب عليّ تذكّر خلق التّواضع الذي حبّبتنا إليه، ومنه أن نعامل الناس بخلق حسن. ومن خلق العزّة التي علمتنا هو ألا نطلب الحوائج إلا من الله. ولطالما ردّدت أمامنا القول المشهور: ''أطلبوا الحوائج بعزّة النفس، فإن المقادير بيد الله''. رحمة الباري عليك يا والدي العزيز، وعلى كل من مات في سبيل إعلاء كلمة الله، وتحرير الأرض في هذا البلد).
ضمّ الكتاب، أيضا، شهادات عينية قيلت في حق الشيخ الشهيد التهامي بن فليس، وهي شهادات كتبها شهود متسمون بالثقة وقول الحق، مما ينزهها عن التغليط والادّعاء. وأدلى بهذه الشهادات المتنوعة كل من المجاهد وضابط الاستخبارات إبان الثورة، بوزيد بلقاسم، والمجاهد الفدائي محمد زعلاني، والمجاهد الشيخ الإصلاحي محمد عبد القادر العوبي، والمربي علي طيّار.
إن شخصية معروفة وذائعة الصيت وطيّبة السمعة والعشرة والمعاملة كشخصية الشيخ التهامي بن فليس، لا يمكن الوقوف، عدّا وحسابا، على كل أفراد شبكة أصدقائه التي تتشكل من كافة الطبقات، داخل وخارج مدينة باتنة. وزيادة على ذلك، حوى الكتاب صورا لوجوه كثيرة طواها النسيان، بعد أن ساهمت في تسطير تاريخ المدينة، ولم تخلّد أسماؤهم في لافتة مدرسة أو شارع أو مؤسسة. وذُيل بملحق مختصر شمل نبذا تعريفية قصيرة لشهداء عائلة ابن فليس.
أحيا الكتاب أسماء وصوّر وجوه كثيرة كانت تدور في حمى الشيخ الشهيد التهامي بن فليس، إلا صورة امرأة تحمّلت مشاق طور انغماسه في العمل الإصلاحي، وتجشمت متاعب مرحلة غيابه الأبدي، بعد اغتياله غدرا في غياهب المعتقل في مدينة بسكرة، وهي السيدة خديجة بنت أحمد شعشوع. ولا يجوز أن يندفع الاعتقاد فرطا متوهما أن صورتها سقطت سهوا أو غفلة، وإنما حصل ذلك عمدا، تشبثا بأغلى صنوف الوفاء للوالد والجد الكريم الذي كان ملتزما بآداب الحشمة والحياء في شؤونه الأسرية، خاصة مع حرمه.
أخيرا، أشير إلى أن الكتاب صدر عن دار ''هومة'' للطباعة والنشر والتوزيع، باللغتين العربية والفرنسية، وفي نسختين منفصلتين، مما سيزيد من عدد قرائه والمنتفعين به.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)