قد يختلف كثيرون في تقييم المسار الثوري والسياسي للراحل الكبير أحمد بن بلة، ولكنهم جميعا يتفقون على تواضع الرجل وزهده في الحياة .. اعتراف قدمه أمس لـ"الشروق" الدكتور عبدالله حمادي، وهو أحد الذين تعرفوا على الرجل عن قرب، وسجّل معه الكثير من الاعترافات والمذكرات، حيث قال إنه بمجرد أن جلس إلى الراحل حتى شاهد لأول مرة في حياته قمة الزهد في الحياة..
رجل فاق تواضعه التصوّر، إلى درجة أنه يصاحب من أول وهلة من يلتقي به، فهو لا يحدث أي شخص، إلا بعد أن يتحوّل كله إلى آذان صاغية في تركيز يجعل محدثه في كامل اطمئنانه، كان مرة الدكتور عبدالله حمادي في بيت الراحل بالعاصمة في ربيع 2002، وكان الراحل يتحدث عن قضية عبان رمضان ليدخل السائق الخصوصي للرئيس الراحل، وكان أشبه بالصديق الحميم لبن بلة، وأخبره بأنه سيغيب بعض الوقت لأجل غسل السيارة، ولكن بن بلة ترجّاه أن لا يفعل ذلك، وراح يشرح له أن العاصمة والسكان يعيشون أزمة شرب "ونحن نبذر الماء في غسل سيارتنا".
أما عن أكلاته فقالت إحدى بنتيه بالتبني إنه كان يحب السَلطَة والخضراوات بعيدا عن أي ريجيم غذائي، وعندما عاد الرئيس بن بلة إلى أرض الوطن في بداية التسعينات وأعلن عن إنشاء حزبه الحركة الديمقراطية، كان يتجوّل من مدينة إلى أخرى، ويسأل عن الفاكهة والخضر التي تشتهر بها كل مدينة قبل الاستقلال إن كانت مازالت موجودة.
وفي سكيكدة سأل عن السلق إن كان مازال متوفرا وعن الفرولة التي تشتهر بها المدينة، وراح يقول إنها تمتلك أحلى فرولة في العالم، ويتذكر أهل الشرق الجزائري جولات الرئيس الراحل عندما زارهم في بداية حكمه، وكيف كان يتجه رفقة حراسه والوفد المرافق له إلى الخمّارات، ويقوم بتكسير زجاجات الخمر، ويطلب من رواد المخامر العودة إلى بيوتهم ويعد بتوقيف إنتاج الخمور في الجزائر عندما تضع الدولة أقدامها على السكة. الراحل أحمد بن بلة عندما أطلق الشاذلي بن جديد سراحه عام 1980 عاد لبضعة أيام إلى مسقط رأسه بمغنية، ثم قرّر وهو في سن الرابعة والستين أداء فريضة الحج لأول مرة، خاصة أن سنوات سجنه جعلته يقرأ التاريخ والفقه الإسلامي، فكان أول رئيس جزائري يؤدي فريضة الحج بعد أن سبقه البقية لأداء مناسك العمرة.
وفي بيت الله الحرام خطّ لابنتيه "بالتبني" رسائل باللغة العربية، حدثهما عن شعوره وكيف أحس أنه وُلد من جديد، وكيف بكى ساعتين أمام قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو ما جعل واحدة من بنتيه ترسم لوحة زيتية عن بيت الله الحرام وتقدمها لوالدها بمجرد عودته، وكان قد رفض أن يطلق عليه الحاج أحمد، وقال مرة بالحرف الواحد "أنا أصلي وأصوم ولا يمكنكم أن تسموني المصلي والصائم والحاج"، وبعد سنتين من أدائه فريضة الحج، شاركت الجزائر لأول مرة في منافسة كأس العالم لكرة القدم، اللعبة التي أحبها بن بلة وكان أول جزائري في التاريخ يلعب لفريق عريق، وهو نادي مارسيليا في ثلاثينات القرن الماضي، وتابع بن بلة مباراة الخضر أمام ألمانيا الغربية، وروت بنته كيف خرج وحده في شوارع جنيف يحمل العلم، وهو يبكي فرحا ويقول، عشرين سنة من الاستقلال ومشاركة في كأس العالم.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 14/04/2012
مضاف من طرف : aladhimi
صاحب المقال : ناصر
المصدر : الشروق 2012/04/13