تعود بلدية تاشتة زوقاغة بعين الدفلى للواجهة التنموية كنموذج جسّدته المشاريع المنجزة بالرغم من الظّروف القاسية التي عرفتها سنوات الجمر، حيث حوّلها الإرهاب الأعمى إلى منطقة محرّمة، وتسبّب في نزوح جماعي لسكانها نحو البلديات المجاورة والولايات القريبة منها، ولكن بعد عودة الأمن وبفضل عضد الجيش وجهود الدولة، تمّ تثبيت سكانها من جديد ومرافقتهم ببرامج تنموية مسّت مناطق الظل التي مازالت بعضها بحاجة إلى عمليات أخرى، حسب ما كشفت عنه مجلة «التنمية المحلية» خلال معاينتها الميدانية للمنطقة، التي أنجبت رياضيّين شرّفوا الجزائر دوليا وفلاحين يحرّكهم طموح تصدير منتوجاتهم انطلاقا من «كاليفورنيا الجزائر» بسوق لثنين.
تقع بلدية تاشتة زوقاغة بالشمال الغربي لولاية عين الدفلى، على نحو 30 كلم من عاصمة الولاية وتضم 18 دشرة تحيط بها جبال غابات فرينة في لوحة فنية طبيعية جعلت من التاشتويّين يتعلقون بمنطقتهم، وهي ذات انتشار أمازيغي بنسبة 99 بالمائة، حيث قال عنها الهاشمي عصاد، الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية في آخر زيارته للمنطقة: «جوهرة لا تعرف الكلل ولا الملل في رفع التحدي، والتوجه نحو التطور كما فعلها رياضيو العدو الريفي من خلال تشريف الجزائر في المحافل العربية، الإفريقية والآسيوية وتحقيق التنمية المحلية رغم النقائص المسجّلة».
العيون «في عيون» برامج مناطق الظل
يتقاسم سكان المداشر التابعة لبلدية تاشتة زوقاغة، واقعا واحدا موجعا، عمّق ألمه نقائص تنموية بالجملة، لكن منطقة العيون تعاني بدرجة أكبر، فبهذه المنطقة ظلّت 11 عائلة مقيمة فيها أثناء العشرية السوداء، بقيت متشبّثة بأرضها الممتدّة على طول الشّريط الغابي المشترك مع بلدية بني مليك التّابعة إقليميا لولاية تيبازة، في حين البقية أرغمتها الظّروف القاسية على النّزوح، لكن اليوم لم تعد سوى سحابة عابرة، فقد عبّدت برامج التنمية المسطّرة من قبل السلطات، الطريق أمامهم للعودة.
ويشير رئيس البلدية لخضر مكاوي لمجلة «التنمية المحلية»، إلى أنّ كل انشغالات السكان تمّ التكفل بها بدءاً بفك العزلة عن طريق تهيئة الطريق نحو العيون باتجاه مقر البلدية، والرّبط بالماء الشروب عبر صهريجين كبيرين من حجم 20 و12 ألف لتر وفّرتمها مديرية الري والموارد المائية للقضاء نهائيا على أزمة التزود بهذه المادة، كما تمّ ربط مساكن العائلات بمادة غاز البروبان عبر قارورتين من الحجم الكبير.
وشرع في إنجاز قاعة للعلاج مثلما قالت رئيسة دائرة العبادية، زيادة على ربط 32 مسكنا بالكهرباء الريفية، وترميم المدرسة وتزويدها بالتّدفئة المركزية، كما استفاد شباب الناحية من مشروع ملعب جواري معشوشب اصطناعيا. بالموازاة مع هذه العمليات الخاصة بالعيون، عجّلت النّقائص المسجّلة في البلدية بمنح مشاريع تمّ تنفيذها بكل من أولاد باسة تخص التزويد بالماء الشروب، في انتظار الشطر الثاني من المشروع المتضمّن إنجاز خزان مائي وحفر 3 آبار بدشرة سوق لثنين، ولم تبق إلا دشرة أولاد العربي، في حين أنّ العمليات الأخرى المقترحة ستمس شبكة التوزيع بكل من قرية أولاد صالح، أولاد عدي، أولاد علي وأولاد بوعلي.
فك العزلة رهان ينتظر
فرضت عودة السكان إلى مناطقهم الأصلية والإنفجار الديموغرافي وتوسّعه عبر إقليم المداشر والقرى المحيطة بمركز البلدية والتجمعات الكبرى على غرار أولاد باسة، أولاد معافة، أولاد العربي، أولاد عدة وأولاد صالح، اتّخاذ تدابير عملية في بعدها التّنموي، حيث تمّ اعتماد مشروع فك العزلة عن سكان الخبابزة وأولاد باسة والختاتنة، في انتظار تهيئة مسالك أخرى بمواقع متعدّدة بكل من أولاد العربي، العيون، جزء من أولاد باسة وقهوة الخميس.
وانتهت عمليات الربط بالكهرباء الريفية للسكنات الجديدة المنجزة ضمن برنامج السكن الريفي في عدة مداشر، ولم تبق سوى عمليات التوسع للشبكة باتجاه أولاد معافة وأولاد العربي التي تمّ اقتراحها للإنجاز بعد الإنتهاء من الأشغال التي تخص دشرتي العيون بتعداد 32 عائلة مع فرقة أولاد صالح.
ويطالب رئيس بلدية تاشتة الجهات المعنية بضرورة التّحرّك لإزالة مظاهر الحفر التقليدية التي صارت مصدر قلق للسكان، وطالما أدرجت هذه العملية ضمن المخاطر الصحية على حياة أبناء القرى لكن بدل أن تردم توسّعت بشكل ملموس، رغم استفادة هذه المناطق مؤخّرا من مشاريع خاصة بالتطهير الصحي، ويتعلّق الأمر يقول لخضر مكاوي بأولاد معافة، أولاد باسة والتاغية.
وفي نظر مصالح البلدية، فإنّ تكثيف هذه العمليات ضرورة ملحّة، كون أنّ هذه المداشر لم تكن أصلا مربوطة بشبكة الصرف الصحي في السنوات المنصرمة، ما جعل السكان يلحّون على وضع إنجاز هذه الشبكة ضمن الأولويات الصحية والبيئية.
وبرمجت مصالح البلدية عملية قطاعية أخرى لتهيئة الطّريق الرّابط بين مركز البلدية مرورا بعدة تجمّعات سكانية باتجاه أولاد باسة ومنطقة حمليل بولاية الشلف بالنظر إلى النّقاط السّوداء وظاهرة التّدهور والاهتراء، الذي صار يشكّل خطرا على المركبات وخاصة حافلات النّقل المدرسي التي لا منفذ لها سوى ذات المسلك، إذ يشهد انزلاقات خطيرة خلال التّساقطات المطرية، وتصبح حركة المرور عبره مستحيلة. وقد نبّه رئيس البلدية مرارا الجهات المعنية بمديرية الأشغال العمومية لهذا الخطر.
الغاز والسّكن الرّيفي..أولويّتا الاستقرار
تضع قساوة المناخ شتاءً وسط تضاريس صعبة السكان وجها لوجه أمام أوضاع صعبة يلفها برد قارس، وثلوج كثيفة على قمّة غابات فرينة ومنطقة البراقيق وبالجهة المقابلة لجبال بلدية بني مليك بتيبازة، ولا يجد هؤلاء لمواجهة هذا الوضع سوى قارورة الغاز، باستثناء بعض مناطق الظل التي تمّ ربطها مؤخرا بغاز البروبان، يقول عمي الحاج قويدر وصديقه صالح القاطنين بتاشتة مركز، في انتظار إيصاله للقرى والمداشر الأخرى.
ويشير رئيس المجلس البلدي إلى أنّ عمليات الربط بالغاز الطبيعي كان حلما وتحقّق بمساعدة وزير الطاقة الحالي، الذي عاين النّاحية ومنحها مشروع نقل شبكة الغاز من العبادية باتجاه تاشتة على مسافة 12 كلم، فأشغال الرّبط التي توشك على نهايتها والخاصة بالمرحلة الأولى ستمس 840 عائلة وهي على وشك التسليم، على أن ترافق ذلك عمليات توسيع كبيرة ستمس الأحياء المجاورة والمداشر المبرمجة بإقليم البلدية.
ويقول محدّثنا إنّ تحقيق هذا الحلم سيعمل على استقرار العائلات ضمن عملية تحسين الظروف المعيشية التي كانت في السّنوات المنصرمة قاسية للغاية.
ويرافق هذا الإنجاز الذي يشرف على نهاية مرحلته الأولى، مطالب السّكان بالإستفادة من السكن الريفي، كون الناحية لا تتوفّر على عقار تابع لأملاك الدولة يفسح المجال للمنتخبين المحليّين ببرمجة مشاريع سكنية إجتماعية، ورغم ذلك قاموا رفقة مصالح الدائرة بتوزيع 104 إعانة على المحرومين بسوق لثنين، في حين ينتظر سكان دشرة أولاد باسة، ضبط قائمة 200 إعانة التي خصصتها السلطات الولائية للناحية.
بالموازاة مع ذلك، يجري تحضير الملفات الخاصة بمداشر الخبابزة، أولاد علي، أولاد العربي، أولاد عدي وقهوة الخميس، فالعائلات في هذه المناطق مازالت تقطن البنايات الهشّة المتآكلة، وقد وقفت على ذلك اللجنة البلدية وهيئة العمران الريفي في خرجاتها التّشخيصية للمواقع المستهدفة ضمن عمليات مسح شامل لواقع البنايات الريفية وظروف العيش فيها، والتي تتوقّف عليها ترتيب أولويات الإستفادة، وقد وجّه والي عين الدفلى تعليمات صارمة صار التّقيّد بها - يقول لخضر مكاوي - منهجا لتحقيق شفافية التوزيع.
الزّراعة البلاستيكيّة منبع القوّة
طبيعة الظّروف المناخية ونوعية التّربة وتوفّر مياه السقي عبر مجرى وادي حمليل المنحدر من أولاد العربي ومنطقة الزبوجة بولاية الشلف وواد الكبير المنحدر من منطقة العناب بأعالي بلدية العامرة، جعل النّشاط الفلاحي ينتعش بالرغم من نقص مياه الوادي، حسب تصريحات فلاحي سوق لثنين الذين وجدوا بديلا في مياه سد كاف الدير الرابط بين ولايات تيبازة، عين الدفلى والشلف، فقد أنعش مخزونه المياه الجوفية للآبار المحاذية له، يقول الفلاح ورئيس جمعية البيوت البلاستيكية وشعبة الطماطم عبد العزيز وازن ويشغل منصب نائب بالمجلس البلدي لتاشتة.
هذه العوامل وغيرها فتحت المجال أمام توسيع نشاط الزّراعة البلاسيكية للخضر بكل أنواعها من فلفل، طماطم، خيار، جزر، فاصوليا، الثوم، البصل وأنواع أخرى بدأت زراعتها في بداية الأمر عن طريق العمل العائلي ثم تطوّرت نحو استخدام اليد العاملة من الرجال وبدرجة أقل من النساء، يقول رئيس شعبة الطماطم.
وتعوّل المصالح الفلاحية على منطقة سوق لثنين كمورد فلاحي دائم للخضر الموسمية وغير الموسمية لتموين أكثر من 23 ولاية.
هذا النّشاط سيعرف انتعاشا كبيرا مع دخول استغلال الطريق المزدوج السريع، الذي يشق غابات فرينة على مسافة 18 كلم وسط شريط نباتي أخّاذ بمناظره ومنابع مياهه العذبة المتدفّقة من أعالي الجبال، التي تزدحم صيفا بمستعملي الطريق ضمن السياحة الداخلية التي تربط تراب الولاية بالجهة الساحلية نحو بني حواء بالشلف والداموس بتيبازة عبر مسلك يخترق سوق لثنين وقرية أولاد بن يوسف المحاذي لسد كاف الدير وقرية القصور ببريرة.
حلم التّصدير
لا يستبعد فلاّحو منطقة سوق لثنين أو ما يصطلح على تسميتها «كاليفورنيا» تاشتة المعروفة بانتشار زراعة البيوت البلاستيكية الموروثة أبا عن جد، الإنخراط في آلية تصدير المنتوجات الفلاحية ذات الجودة والنّوعية الرفيعة التي تهندسها سواعد أبناء المنطقة، في تحدّ كبير وإصرار على مزاولة النّشاط الفلاحي، يقول رئيس الغرفة الفلاحية الحاج جعلالي.
وقد ساهمت هذه المنطقة في إنعاش وتوسيع مساحات الزّراعة البلاستيكية للخضر، ويمكنها دخول حلبة التصدير بقوة إذا ما حقّقنا المرافقة والدعم للفلاحين والمهنيين بمنطقة سوق لثنين، يقول الحاج جعلالي.
ولعل تصدير هذه المنتوجات تضاف لما تصدّره الولاية من مادة البطاطس لعدة دول إفريقية، أوروبية وخليجية، وهي قيمة مضافة للمداخيل البترولية التي تعرف من حين إلى آخر تذبذبات في الأسواق العالمية، يقول رئيس الغرفة، الذي ثمّن خارطة الطّريقة المعتمدة من طرف وزير قطاع الفلاحة التي تعمل على جبهتين: توفير الإكتفاء الذّاتي والتّأمين الغذائي من جهة والتوجه نحو التصدير كحتمية اقتصادية للبلد تستدعي انخراط الفلاحين في منظومة تطوير وترقية المنتوج، وعين الدفلى حقّقت في ذلك أمثلة كثيرة في المنتوجات المصدّرة. هذا التحدي ينقله فلاحو سوق لثنين لباقي فلاحي ولايات الوطن، شريطة تقديم الدعم والمرافقة، يقول المنتجون.
مدرسة ألعاب القوى بحاجة إلى مضمار
تحقّق حلم ملعب لكرة القدم المعشوشب اصطناعيا في الآونة الأخيرة بعد انتظار طويل من طرف فئة الشباب خاصة الرياضيين منهم، كون أنّ فريق المنطقة ظل رهينة التنقل نحو البلديات المجاورة خشية التوقف النهائي عن ممارسة اللعبة، تضاف إليه فضاءات جوارية للأحياء والمداشر، لكن مع ذلك يبقى النقص مسجلا في هذا النوع من المرافق بعدة قرى، في انتظار تجسيد رغبة شباب أولاد باسة في الحصول على ملعب جواري، كان وزير القطاع قد وافق على إنجازه في زيارته الميدانية الأخيرة.
لكن ما يطمح إليه رياضيو ألعاب القوى الذين حقّقوا نتائج مشرفة على المستوى الدولي من خلال تمثيلهم للجزائر في بلدان عربية، إفريقية، آسيوية وأوروبية، هو إنجاز مضمار لألعاب القوى لاستمرار هذه المدرسة التاشتوية في تحقيق النتائج والألقاب ضمن فضاء التنمية الرياضية بالمنطقة التي صارت معروفة بهذا النوع من المنافسة.
ولعل البطلات والأبطال أمثال خروبي نورة، خروبي وئام، بوعقبة فاطمة، باجي العالية، غدوش يوسف، غوال أمال وخليفة حسني من الرموز التي صنعت الإفتخار والإعتزاز للجزائر عامة وتاشتة بعين الدفلى خاصة.
هذه المشتلة في مدرسة ألعاب القوى على حد وصف وزير الشباب والرياضة لها، هي بحاجة ماسّة لمضمار ألعاب القوى لممارسة التحضير والتدريب. وفي انتظار أن يتجسّد وعد الوزير ميدانيا، يبقى هؤلاء يمتلكون ثقافة التألق كما حدث في تونس، بوتسوانا، الأردن والصين في عدة مناسبات، كان فيها الزاد عدة ميداليات ومراكز مشرفة لألعاب القوى الجزائرية، يقول مدرّب الفريق ورئيس البلدية لخضر مكاوي.
ويراهن سكان المنطقة على تحقيق قفزة نوعية في عدة مجالات، خاصة الجانب التنموي مع فتح الطريق المزدوج الرابط بين ولاية عين الدفلى والجهتين السّاحليتين لكل من الشلف وتيبازة والتي ستكون بوابة للتنمية الساحلية، خاصة مع اقتراح المنتخبين المحليين إنجاز فضاء للترفيه والتسلية، وتحضير النّخب الرياضية بمرتفعات غابات فرينة التي ترتفع عن مستوى سطح البحر بأكثر من 950 متر، وهو المشروع الذي من شأنه تغيير صورة المنطقة، يقول مختصّون في الشأن التنموي.صادر عن مجلة التنمية المحلية عدد جوان
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 03/09/2021
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : و ي أعرايبي
المصدر : www.ech-chaab.net