تحولت الأقاليم الشمالية لمالي إلى مركز اهتمام عالمي، بعد سيطرة جماعات مسلحة عليها مستغلة الانقلاب الذي أسقط نظام الرئيس أمادو توري العام الماضي، حيث استغلت مليشيات إسلامية وعرقية اختلفت في كل شيء واجتمعت على إقامة إقليم مستقل في مناطق الأزواد، غير أن التناقضات طغت على التفاهمات فتحول الحلفاء إلى فرقاء في ساحة حرب عبر الصحراء، حسمها التدخل العسكري الفرنسي مطلع السنة الجارية نسبيا لصالح عودة الإقليم إلى سيطرة باماكو، مع استمرار تهديد التنظيمات الموالية لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي التي انتهجت حرب العصابات لاستنزاف القوات الفرنسية وحلفائها هناك.
لكن الحرب المسلحة ليست كل قصة المنطقة المضطربة، حيث يجري استحقاق آخر بوسائل مختلفة، فقد أظهر "روبورتاج" لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية المرموقة، تحول منطقة شمال مالي إلى جنة لمهربي المخدرات التي ازدهرت مؤخرا بفعل الغياب التام لسلطات الدولة، وإن كان هذا النشاط ليس جديدا، حيث بدأت قوافل التهريب التي تنقل المخدرات عبر الممرات الصحراوية الشاسعة منذ عام 2003، استغلتها "كارتلات" تهريب هذه السموم القادمة من دول أمريكا اللاتينية، نظرا للأهمية الجغرافية التي تكتسيها منطقة الصحراء الكبرى، لكونها منطقة عبور استراتيجية نحو مناطق ترويج حيوية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا، لاسيما بعد معاناة منتجي المخدرات في أمريكا الجنوبية من تشبع الأسواق الأمريكية الشمالية، حسب تقرير رسمي صادر عن منظمة الأمم المتحدة.
وذكّر التقرير بحجز السلطات المالية عام 2007 ما يفوق 47 طنا من الكوكايين، وفي عامي 2008، و2009 تم اعتراض قافلة تحمل 10 أطنان من الكوكايين القادم من كولومبيا، والسنة الموالية 2010 أحبطت محاولة تهريب 10 أطنان من المخدرات، وفق تقديرات منظمة الأمم المتحدة.
أما في عام 2012 الذي شهد الاضطرابات الأمنية بعد الانقلاب الذي حصل في باماكو، فان عمليات التهريب عرفت نقلة نوعية وصارت تحمل أبعادا أخرى، حيث تبادلت عصابات التهريب المنافع مع الجماعات المسلحة المسيطرة على تلك الأقاليم، حيث يسهل المسلحون مرور قوافل المخدرات مقابل مبالغ مالية وفيرة تحصل عليها هذه الجماعات، تستغلها في شراء الأسلحة وتجنيد أفراد جدد في صفوفها، وهذا ما ينمي المخاوف من الترابط الوثيق بين ازدهار تجارة المخدرات وقوة الجماعات الإرهابية.
فأرقام هذه التجارة المربحة ضخمة، فقد أشارت تقديرات وكالة مكافحة المخدرات التابعة للأمم المتحدة أن قيمة ما تم تهريبه من سموم عبر المنطقة بلغ 1.25 مليار دولار، وهو الرقم الذي اعتبرته الوكالة أكبر من ميزانية الأمن لدى الكثير من دول غرب افريقيا، خصوصا وأن 10 بالمئة من المخدرات التي يتم تداولها واستهلاكها في أوروبا تمر عبر منطقة الصحراء الكبرى.
ونقلت "وول ستريت جورنال" عن سكان محليين في مدينة غاو، شمال مالي، أن المليشيات المسلحة متورطة في أعمال التهريب رغم ادعاءاتها أنها ذات خلفية إسلامية، حيث تحرم الشريعة بصورة لا لبس فيها ممارسة هذا النوع من النشاط، وتعتبره من الأفعال المضرة بالفرد والجماعة.
لكن هذه الجماعات ليست وحدها المتورطة في هذه الجريمة، فأصابع الاتهام موجهة أيضا إلى من وصفتهم الصحيفة بالفاسدين في النظام المالي، وبالأخص جنرالات في الجيش الذين هم بدورهم يستغلون هذه التجارة للحصول على عمولات من خلال مساعدة المهربين على المرور من دون مضايقات من طرف أفراد الأمن والجيش الماليين.
وبعد التدخل العسكري الفرنسي لإعادة بسط سيطرة سلطات باماكو على الأقاليم الشمالية من البلاد، قال شهود عيان من المنطقة إن كبار المهربين هربوا من منازلهم الفخمة والمجهزة بمختلف وسائل الراحة والترف، إلى وجهة غير معروفة، حيث يحتمل أن يستعيدوا فيها تنظيمهم للعودة إلى تجارتهم المربحة جدا.
هذه الحقائق المرعبة عن عمليات تهريب المخدرات التي ازدهرت في شمال مالي وسط موجة الاضطرابات، وتحول المنطقة إلى مركز عبور عالمي جديد، هو تكلفة جديدة في الفاتورة الأمنية والاجتماعية التي وجدت الجزائر نفسها مرغمة على التعامل معها، بعد سقوط الساحل والصحراء الكبرى في دوامة العنف الإرهابي والتدخل العسكري الخارجي.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 30/03/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : علي العقون
المصدر : www.elbilad.net