يوم الجمعة فاتح فبراير 2013 لم يكن بالنسبة لكل الصحراويين مجرد يوم بطابع ديني له مكانة خاصة لدى المسلمين في كل بقاع المعمور، بل كان أيضا يوما تاريخيا لارتباطه بحدث تقديم 24 معتقلا سياسيا صحراويا من بينهم مدافعين عن حقوق الانسان للمحاكمة العسكرية ..هذا الحدث الذي يحيل الذاكرة والوجدان الصحراوي على مخيم اكديم ازيك ليس فقط كمعطى سياسي ولكن أيضا كمعطى ثقافي ، ولكن وهذا تأكيد ضروري باعتباره جرحا لا زال ينز دما مادام خلف بسبب اجتياحه عسكريا من طرف قوات الاحتلال المغربي ضحايا وأعطاب.
هذا الحدث التاريخي الذي جعلنا نهب فرادى وجماعات من كل المدن الصحراوية .. من الداخلة وبوجدور والعيون والسمارة وكلميم واسا والزاك وغيرها ، ومن كل المواقع الجامعية .. كنا نسابق زمن الاحتلال نحو عاصمة ملكه الرباط الجاثمة على صخرة متناقضات نظام المخزن ، فوق مصب ابي رقراق الملغز برماله واوحاله، و من هزات امواجه وضرباتها المتوحشة ينبعث ضباب كثيف لم يستطع اخفاء انتشار احياء القصدير والسكن غير اللائق المواكب للفقر والتهميش ، في مواجهة زحف الفيلات الفخمة والعمارات الشاهقة ، و وتوزيع جغرافي خبيث للملاهي والعلب الليلة والمراقص والحانات ودكاكين بيع الخمور ... دون ان يمنع كل هذا من الاطلاع على توازي غريب بين حفاظ على مأثر تاريخية يطل بعضها على مطارح للأزبال فظيعة جهة احياء اليوسفية والحي الصناعي يستنشق سمومها جهة قرية اولاد موسى بسلا أكثر من خمسين ألف نسمة ...
رفقة كلود مانجه زوجة المعتقل السياسي الصحراوي المدافع عن حقوق الانسان النعمة الاسفاري الذي يتابع في نفس الملف أمام المحكمة العسكرية ومشيل دو كاستر الأمينة العامة للجمعية الفرنسية من أجل الصداقة والتضامن مع شعوب افريقيا.. كنا نلهث ونحن نقطع المسافة من محطة ( الطاكسيات ) بباب شالة بالرباط - تلك المحطة التي تخنق الأنفاس فيها رائحة البول وتعج ببائعات الهوى ليلا – بحثا عن وسيلة نقل اخرى تقلنا الى المحكمة العسكرية بأكدال ، لأن وسائل النقل في الرباط وسلا وحتى في باقي المدن المغربية موزع حسب المناطق .
زفرت كلود بارتياح وهي ترمي بنفسها فوق مقعد الطاكسي الذي قبل بعد حوار متشعب لم يخل من اغراء مادي - فكل شيء في المغرب يسير وفق قاعدة ( دهن السير يسير ) .. وهي قاعدة أنتجها الفكر البصروي نسبة الى وزير الداخل الراحل ادريس البصري الي نظر لإرشاء المجتمع - أن يأخذنا فقط الى الشارع القريب من المحكمة العسكرية مبررا ذلك بوجود حواجز أمنية حول محيط المحكمة العسكرية .. ترجلنا من السيارة واجتزنا الحاجز، ثم أسرعنا نحو جموع الصحراويين التي كانت مطوقة بكل تشكيلات الأمن المغربي وتحت المراقبة المباشرة للأجهزة العسكرية والمخابراتية والتي طفقت تأخذ لنا صورا فتوغرافية للتوثيق وو ...
لكن رغم كل مظاهر الترهيب المبالغ في اشاعتها فقد طغى صوت الجماهير الصحراوية في لحظة تجسيد للمعنى الحقيقي للوحدة الوطنية والذي من خلال أيضا الهبة الجماهيرية في كل المدن الصحراوية فقد تم رفعها من خانة الاعتبار التاريخي لميلادها الى اختبارها مرحلة أساسية لاحتواء كل التجارب والافكار المجددة للمسار من أجل بناء التاريخ وتوطيد اننا لا ننتمي الى الشعوب المغلوبة على امرها والمتحكم في مصائرها .
ولأني أمقت كل حياد فكري ، فأنا مقتنع أن الثورة التي وان انطلقت منذ مدة ، فإنها مع ذلك قد لا تكون بدأت بعد ، لأنه في الثقافة لا وجود لبداية مطلقة . والبداية كانت ومازالت بداية أخرى تتوالد وتتنوع وتتشابك وتتداخل وتتحول باستمرار ...
وهكذا فمخيم اكديم ازيك كان بداية العودة للذات لإكسابها مزيدا من التحصين ضد كل مظاهر الابتلاع الاستعماري . وتجسد ذلك من خلال ابداع نموذج في النزوح الجماعي غير مسبوق في التاريخ البشري .. فالمعروف تاريخيا ان النزوح الجماعي يكون هربا من كوارث طبيعية زلازل وفيضانات وأعاصير وانفجار براكين ... أو بسبب أيضا حروب ومجاعات وغيرها . بمعنى أن النزوح الجماعي كان تاريخيا انتقال اضطراري من أماكن يخيم عليها خطر الموت ، نحو أماكن يحتمل ويفترض أن تكون فيها حياة ، ويسود فيها الأمان والطمأنينة . لكن الذي حدث وشكل فعلا بداية هو أن النزوح الجماعي لأكثر من 37000 صحراوي نحو اكديم ازيك على بعد 12 كيلو متر من مدينة العيون المحتلة .. كان انتقالا اراديا وطوعيا نحو مكان تكاد تنعدم فيه شروط الحياة ، وحيث اقيم مخيم حضرت فيه الخيمة ونمط العيش الصحراوي والزي الصحراوي .. وهكذا شكل مخيم اكديم ازيك نزوحا نحو الذات وترسيخا لمقومات الهوية الوطنية الصحراوية .
النساء الصحراويات من عائلات المعتقلين السياسيين الصحراويين ارتدين ملاحف سوداء او بيضاء في احالة ربما على العلم الوطني الصحراوي أو باعتبارهما لونين اصيلين يرمزان للحزن والطهر .. وتحت شمس خجولة تمازجت باقي الالوان الحمراء القانية والزرقاء في لوحة بدا في عمقها الحزن وطفحت واجهتها بالتصميم والعزم .
الصحراويون رجالا وشبابا سمحوا لأصواتهم أن تمتد بعيدا كلها تحدي وثبات وقوة لا يمكن لأي شيء أن يمنع بلوغها للغاية القصوى الاستقلال والحرية .
لا شرعية لا شرعية للمحكمة العسكرية
ظل الشعار المركزي الذي فسره المناضلون الصحراويون للصحافة الدولية المكتوبة والمسموعة والمرئية كل حسب قدراته وامكاناته المعرفية ولكن بنفس الحس الوطني الصادق ، وبنفس الاصرار على مواصل النضال حتى افتكاك النصر .
داخل القاعة التي اهتزت بشعار لابديل لا بديل عن تقرير المصير ردده المعتقلون السياسيون الصحراويون بقوة وشجاعة تأكيدا على أن محاكمتهم في الأصل هي محاكمة سياسية .. المراقبون الدوليون القادمون من فرنسا واسبانيا وبريطانيا وايطاليا واللوكسمبورغ وغيرها اضافة الى الجمعيات الحقوقية المغربية تابعوا وقائع جلسة حضرها الدرك مدججا بالأسلحة وغابت عنها كل التنظيمات الحقوقية الصحراوية والأطر والمتضامنون الصحراويون والصحافي المعتمد بالرباط لوكالة الانباء الجزائرية .. ( كل الصحافيين من كل أقطار العالم مسموح لهم بمتابعة أطوار محاكمة المعتقلين السياسيين الصحراويين الا وكالة الانباء الجزائرية ) قالها صحفي وكالة الانباء الجزائرية بحسرة العربي الذي يؤلمه طبعا كيف يعامل العربي أخاه العربي ؟ كيف يحتل العربي وطنا عربيا ؟ كيف يقمع العربي أخاه العربي.. ويغتصب العربي أخاه العربي.. ويقتل العربي أخاه العربي.. ويسجن العربي أخاه العربي ..؟؟؟؟؟ نفس الحسرة كانت تنهشنا ونحن نرى كيف ان الجزائري والصحراوي في عرف المغاربة أعداء .. فعلى بعد خطوات وقف بضع مغربيات ومغاربة قبل أن تعمد سلطات الرباط الى مدهم بعشرات ( المخازنية ) يرتدون الدراعة الصحراوية يهتفون بشعارات عدوانية تحرض على القتل وتفوح عنصرية .
ساعات بطيئة مرت كأنها دهر .. ساعات كان فيه الجوع يقطع الأمعاء والعطش نشف الحناجر .. صداع الرأس وآلام المفاصل .. لم نعد نقوى على الوقوف .. الانتظار يصيبنا بالرعب فيما أفكر الآن وأنا تحت ضغط قلق كبير يستحوذ علي ، فمن الصعب علي التغاضي عن طغيان سؤال هل كل ما ينتمي للذات بديهي ؟ لأن اعتناقه وهو الأمر السائد لحد الآن يعني ارجاء العديد من القضايا باعتبارها ليست من الأولويات رغم أنها ضرورية وملحة .؟؟؟؟؟
لقد رفعت الجلسة للمداولة في مطالب الدفاع ومنها استدعاء للشهادة وزير الداخلية المغربي السابق ، ووالي مدينة العيون المحتلة ، والنائبة البرلمانية كجمولة منت ابي وشهود اخرين ... من الباب الرئيس للمحكمة تدفقت عائلات المعتقلين السياسيين الصحراويين النساء كما الرجال كانت على وجوههم رغم التعب ترتسم ظلال التفاؤل والاعتزاز بالنفس ... المراقبون الدوليون والمحامون وزعوا ابتسامات لم تستطع اخفاء توجسهم من محاكمة سياسية يريدها الاحتلال المغربي رغم عرضها على محكمة عسكرية كإجراء استثنائي أن تبدو للعالم عادية وأن تهضم ...؟
مصطفى عبدالدايم
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 04/02/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : الجزائر الجديدة
المصدر : www.eldjazaireldjadida.dz