الجزائر

بعد أن ألغى الفكاهة من عرضه بقسنطينة اسماعين يُغرق حضور المسرح في الحزن والشجن



لم يجد الجمهور الغفير الذي غصّ به المسرح الجهوي لقسنطينة، ليلة أول أمس، اسماعين الفكاهي الفرنسي ذو الأصول الجزائرية، والذين تعوّدوا عليه عبر شاشات التلفزيون، بل عاشوا مأساة فنان ظاهره فكاهي مرح وباطنه مليء بالآلام والبحث عن الذات.  انطلقت، مساء أول أمس، فعاليات الطبعة الثالثة للأيام الدولية للحكاية والقصة بقسنطينة، بأول عرض للفكاهي الفرنسي ذي الأصول الجزائرية ''اسماعين فيروز''، الذي بدا جد متأثّر، قبل البدء في سرد قصة طفولته، مما جعل القاعة تغرق في سكون رهيب، بعد أن شدّت أنظار الحاضرين صوبه، وانقعطت الحركة وساد الصّمت. انطلق اسماعين من طفولته، التي كانت في 3 جانفي 1958، حيث ولد بقسنطينة على الساعة العاشرة ليلا، من أم مسلمة في الثلاثين من العمر أرملة منذ 5 سنوات، والتي اضطرّت لوضعه في دار الأيتام في اليوم الموالي، قبل أن يحول إلى المستشفى المدني سابقا، المستشفى الجامعي ابن باديس حاليا، حيث مكث في مصلحة الأطفال المسعفين لمدة عامين، وهناك منحوه اسم ''اسماعين فيروز''، ثم احتضنته امرأة تدعى ''الطاوس'' وأرضعته لمدة أربعة أشهر. وبنبرة تحمل بين طيّاتها الكثير من الحزن والأسى، عاد اسماعين وتساءل عن أصله، قائلا ''هل أبي عربي مسلم أم عسكري فرنسي؟ أم يهودي؟ هل أنا نتيجة علاقة حب؟ أم أنا نتيجة اغتصاب؟'' وهي الأسئلة التي طرحها محاولا التحكّم في نفسه حتى لا يبكي، على ركح المسرح، الذي وبالرغم من امتلائه عن آخره، إلا أن صمتا رهيبا خيّم عليه، وعوض أن يغرق الحضور في الضحك غرقوا في الحزن والأسى. قال اسماعين بعد أن أطلق العنان لأحاسيسه ومشاعره، ''أرغب أن أكون الجسر التاسع لقسنطينة، التي تعرف بجسورها السبعة، والثامن قيد الإنجاز، ..أرغب أن أكون الجسر الذي يربط بين ضفتي المتوسط''. كما رفض ''الفكاهي'' الذي لم يكن للفكاهة مكان في عرضه، أول أمس، إلا نادرا، أن يكون ضحية حرب الجزائر أو ثورة التحرير، أو تحمل أوزارها، مفتخرا بجزائريته، إلا أنه يفتخر بكونه فرنسي لأن فرنسا لم تنساه ووفّرت له كل ظروف الحياة الكريمة، منذ انتقاله وعمره سنتين، إلى حضن عائلة جزائرية مغتربة، مضيفا أن الغريب في الأمر أن من نقلته من قسنطينة إلى فرنسا يهودية تدعى ''زربيب''، والتي رفض أن يتركها، لأنه في كل مرة يؤخذ منه حضن المرأة التي يجدها. ولم يفوّت اسماعين الفرصة لتقديم بعض الذكريات المضحكة، حيث وصف انتقاله إلى عالم الفكاهة وسيلة للهروب من مأساة طفل عاش ولا يزال يبحث عمّن يكون، حيث تخفي ضحكاته آلاما وآهات؛ تعكسها رحلاته إلى قسنطينة لإيجاد عائلته الأصلية، والتي لم يصل من خلالها إلا لملاقاة ''الطاوس''، ومعرفة أن أمه مسلمة تخلّت عنه بعد 12 ساعة من ولادته.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)