الجزائر

بصمات رائحة الشيخ العطرة



التقيت الدكتور خليفة التليسي آخر مرة في القاهرة بمناسبة المعرض الدولي للكتاب الذي يقام في العاصمة المصرية في شهر جانفي من كل سنة، كان ذلك في يوم شمسه هادئة، بل تكاد أن تكون باردة، كنا في 12 جانفي من سنة 1985 وكان معرض القاهرة الدولي للكتاب يعج بالزوار الباحثين عن أنْسة رواية أو ديوان شعر أو دراسة تثلج القلب وتريح العقل من عناء حياة ما فتئت تضيق وتتأزم رغم شساعة بلد الفراعنة وكرم نهر النيل المتثعبن ههنا وسط أكبر عاصمة في إفريقيا. حين جلسنا في أحد مقاهي المعرض الضخم، ذكرت الدكتور خليفة التليسي بأول لقاء لنا في طرابلس سنة 1981 كان ذلك أيضا بمناسبة معرض كتاب آخر هو معرض طرابلس الذي كان يقام في سبتمبر من كل سنة. أضاءت وجه صديقي ابتسامة عريضة وقال "تراجع المعرض الطرابلسي وها هو معرض القاهرة يضيف لبنة إلى صداقتنا". ثم راح يحدثني عن مشاكل "الرقابة" التي نزعت عن معرض طرابلس للكتاب كل مصداقية حتى التجارية منها. وتذكرت لحظتها كيف كان رقيب الكتاب في معرض طرابلس يقرأ صفحة أو صفحتين من الكتاب المشكوك فيه ثم يقول لي: "ممنوع عرضه أو بيعه، يرجع إلى الصندوق!". كانت تلك أغرب رقابة "غبية" رأيتها في حياتي، رغم أنني شاركت في معارض كبيرة على المستوى الدولي رقابتها شديدة وحازمة. فقد كنت رئيس بعثة وزارة الثقافة الجزائرية في معرض الكتاب بموسكو السوفياتية سنة 1981 (قبل معرض طرابلس بشهر فقط) كان معرض العاصمة الروسية يومها ثاني معرض عالمي بعد معرض فرانكفورت الألماني، وكان حسب كل الملاحظين أشد المعارض رقابة، كذلك كان معرض بلغراد، وإن قلّت نسبيا رقابته، لكن رقابة معرض طرابلس كانت تتجاوز كل الرقابات في الغباء والتناقض. كان الدكتور التليسي وزيرا للثقافة في عهد الملك إدريس السنوسي، وكان من أصدقاء الجزائر الأوفياء، خجلت من مساءلته نظرا لسنه، فهو من مواليد 1930 لكن أصوله، حسب لهجته، لا تبعد عن أرض الجزائر الطيبة، كان أول مثقف ليبي يكتب عن الثورة الجزائرية، فقد نشر في جانفي 1957 مقالا حماسيا كله إعجاب وحب في ثورة نوفمبر المجيدة، أما بعد انقلاب القذافي سنة 1969، فقد ضيق عليه الخناق وعاش تهميشا رهيبا. ترك لنا الدكتور خليفة التليسي أحسن قاموس عربي - إيطالي، كما ورّث المكتبة العربية العديد من البحوث القيمة قبل أن توافيه المنية سنة 2010، رحمه الله وأسكنه                         فسيح جنانه. يكتبها: جيلالي خلاص


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)