تحوّلت ظاهرة الفيضانات التي تعرفها مختلف ولايات الوطن وبدرجات متفاوتة من الخطورة وحجم الخسائر المسجلة على غرار ما شهدته مؤخرا ولاية تيبازة، إلى تحدّ كبير للسلطات العمومية بسبب الأضرار الكبيرة الناجمة عن تكرّر مثل هذه الحوادث ونتائجها الوخيمة على البنى التحتية لشبكة الطرقات والجسور وحتى السكنات والمرافق العمومية، إضافة إلى خطر الإصابات وحصد أرواح المواطنين والأمثلة هنا كثيرة ولا تزال راسخة في الأذهان، كان من أخطرها فيضانات باب الواد سنة 2001، غرداية وبشار سنة 2008 التي خلفت عشرات القتلى وفاتورة اقتصادية كبيرة.عاشت مناطق كوارث طبيعية في المظهر لكن لا أحد ينفي لمسات الانسان وتدخله السيء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تغذية مثل هذه الحوادث بسبب اللامبالاة وتعمد تشييد بناءات فوضوية على حافة الأودية مستغلين حالة الجفاف واحتباس المطر وتذبذبها خلال السنوات الأخيرة، بل الإقدام على تحويل مسار المياه وردم الشعاب والقنوات الفرعية، لكن النتيجة من خلال عدد من التجارب المؤسفة كانت هامة اقتصاديا وحتى بشريا، وهنا أيضا يمكن ذكر فيضانات دلس سنة 2007، التي خلّفت خسائر مادية كبيرة وإزهاق أرواح عدد من المواطنين الذين صادفوا فيضان وادي تيزة الذي عاد تلك الليلة إلى مجراه الطبيعي واسترجاع أجزائه المنهوبة لإنجاز سكنات وحتى عمارات ومحلات تجارية عشوائية أو برخص بناء التوائية.
وأمام تمادي الظاهرة وتضاعف مخاطر الفيضانات وخطرها الكبير على المدن، وبهدف حماية السكان وتقليل فاتورة الخسائر المادية، اعتمدت السلطات العمومية خطة متكاملة للقضاء النهائي على المشكل أو التقليل من تبعاته السلبية على الاقتصاد الوطني، حيث أخذت وزارة الداخلية على عاتقها مهمة معالجة الملف ومتابعته في الميدان بالتنسيق مع الجماعات المحلية في الولايات وباقي القطاعات المتدخلة كقطاع الموارد المائية، البيئة والبلديات، حيث تمّ تخصيص برامج استعجالية وأغلفة مالية هامة لمعالجة مخلفات الفيضانات عبر مختلف مناطق الوطن، مع اطلاق مشاريع وقائية وعمليات تهيئة وصيانة الأودية وفروعها عن طريق الصيانة ورفع المخلفات من نفايات منزلية وصلبة شكلت عاملا رئيسيا في ارتفاع منسوب المياه وخروجه عن مساره نحو الطرقات العامة والتجمعات السكنية.
كما لجأت الحكومة أيضا إلى دعم هذه الاستراتيجية بنصوص وتشريعات قانونية لمواجهة ظاهرة الكوارث الطبيعية المتفاقمة ببلادنا والعالم ككل بسبب التقلبات المناخية والاحتباس الحراري، حيث تمّ اعتماد وإثراء مشروع القانون التمهيدي للقانون المتعلق بالوقاية من المخاطر الكبرى وتسيير الكوارث الطبيعية في إطار التنمية المستدامة سنة 2023 الذي يلغي ويحل محل القانون رقم 04 / 20 المؤرخ في 25 ديسمبر 2004 لجعله متكيفا مع المتغيرات المناخية والالتزامات الدولية التي صادقت عليها الجزائر في هذا الشأن من أهمها اتفاقية باريس لسنة 2015، مع تشديد الرقابة على مثل هذه الفضاءات وملاحقة المخالفين بمنع تشييد سكنات على حافة الأودية وإعادة النظر في طريقة منح رخص البناء من طرف رؤساء البلديات في إطار تنظيم العمران، وأيضا متابعة الأشخاص والمؤسسات الصناعية التي تتعمّد رمي المخلفات والنفايات بطريقة عشوائية.
مع الاشارة في الأخير أن ولاية بومرداس المصنّفة من بين الولايات المهدّدة بمخاطر الكوارث الطبيعية الكبرى كالزلازل والفيضانات قاد استفادت عبر مختلف المخططات والبرامج التنموية من عمليات هامة لصيانة وتهيئة عدد من الأودية الرئيسية والفرعية التي تمرّ وسط المدن والأحياء السكنية منها وادي ططاريق بعاصمة الولاية، وادي بودواو، برج منايل، يسر، قورصو وغيرها من البلديات، وكلها عمليات كانت محل معاينة من قبل والي الولاية مع بداية فصل الخريف، لكن يبقى هذا الملف الحسّاس بحاجة أيضا إلى تنسيق وإشراك كل الفاعلين بما فيه المواطن لتحسيسه بأهمية الحفاظ على البيئة وعدم التعدي على حق الطبيعة التي قد تسترجع يوما حقها لكن بتكلفة غالية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 15/12/2023
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : ز كمال
المصدر : www.ech-chaab.net