الجزائر

بذرة في حقول ملغمة



عندما يتداول الحديثُ موضوع المال و السياسة يلتبس الأمر بما فيه الكفاية و يختلط الرد عن السؤال الجوهري: من يصنع الآخر ؟ المال يصنع السياسة أم السياسة تلد المال ؟ و لعلّ إرجاء الإجابة عن السؤال لأنّ البحث في حدّ ذاته يقع في حلقة مفرغة و يكتفي الباحث عن إيجاد إجابة لسؤال الآخر و مفاده كيف يمكن إبعاد المال عن السياسة و هل السؤال أصلا جدير بالطرح بعد توغل الظاهرة في الممارسة و الشكل ، فالسياسة لا تكاد تتنفس بدون مال و المال بدل التوجه إلى تنمية الاقتصاد إنّما يباشر و ينفد برامجه بنكهة سياسية إلى أن يجد نفسه هو السياسة بذاتها و تفاصيلها .و لا عجب أنّ الظاهرة قد صارت تفصح عن نفسها في كل الأنظمة سواء تلك المتطورة التي تدّعي الديمقراطية أو أنظمة العالم الثالث التي بدورها اهتدت أنّ المال باستطاعته صناعة السياسة و بالتالي الظاهرة قد اجتاحت كل البلدان و الجوهر اليوم هل يمكن إبعاد المال عن السياسة في المواعيد الكبرى على الأقل ؟
لقد صار المال اللاعب رقم واحد في مشاريع السياسة وأبرزها الانتخابات بكل مستوياتها لضمان النتائج المرجوّة ، وفي المجمل تُشرّع الدول قوانين تجرّم أنشطة المال السياسي أو تحاصره وتقيّده و لكن ذات الدولة التي تنشئ القوانين و ترسانة النظم التي من خلالها تحرّم و تجرّم و تحاسب و تعاقب المال السياسي نرى فيها السلطة و بطرق ملتوية و تحت مسميات شتّى تتوجّه صوب إدخال المال إلى السياسة و الانتفاع به في إطار دوائر مغلقة في حين نفس هذه القوانين قد تسري على بعض آخر . و اجتمعت كل الآراء أنّ المال السياسي يعشش و يجد ضالته بشكل بائن في الأنظمة الأكثر فسادا رغم أنّ بعض الدول تزيّن واجهتها بديمقراطية رخوة .
و قد نصّ الدستور الجزائري صراحة على ضرورة إبعاد المال عن السياسة و تقيّد السياسة بمستلزمات السير الحسن له في إطار القانون المعمول به و كذلك قانون الانتخابات الذي ينص على ضرورة المراقبة الفعلية و المتواصلة كما لم تفوّت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات على ضرورة التحلي بالعقلانية و تحريم أيّ مال في الانتخابات و إلّا سيخضع المتهمون للمساءلة القاضية و إنزال عقوبات يحددها القانون على المتورطين.
و ممّا لا شكّ فيه أنّ إفساد الحال على المال الفاسد يتحقّق بما لا يدع مجالا للشكّ عندما تكون أركان الدولة ثابتة و لا يتأثّر القرار السياسي في صناعته أو إطلاقه لجماعات الضغط و بالتالي فإنّ الدوّلة التي تتمتّع بمؤسسات صلبة و مستقلة بمعنى الكلمة و غير متداخلة الصلاحيات و لا تؤثر إحداها على الأخرى أو تسيّرها عنوة يوما يمكن للمال أن يعود أدراجه إلى المجال الذي خلق من أجله .


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)