التوازن بين الفعالية الاقتصادية والعدالة الاجتماعيةيمثل قانون المالية لسنة 2017، الذي تمّت المصادقة على مشروعه من مجلس الوزراء الأسبوع الأخير فرصة حاسمة أخرى لإنجاز أهداف التحول الاقتصادي ضمن معادلة تراعي بداية إرساء أسس التوازن بين الفعالية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، وذلك في اختيار يصنّف في خانة «الجرأة» وليس المغامرة باعتماد سعر مرجعي لبرميل النفط بمعدل 50 دولارا.وبقدر ما أثار هذا الخيار تساؤلات وتخوفات البعض بالنظر إلى هشاشة أسواق المحروقات مند أن بدأت الأسعار في التراجع في صيف 2014، ثم الانهيار بوتيرة متسارعة بداية من أواخر 2015، فإن التوجه الذي سلكه مسار ضبط أحكام قانون المالية تشجعه كما يبدو في المرحلة الراهنة جملة من المعطيات أبرزها تقرير المؤسسات المالية الدولية بخصوص توقعات أسعار النفط بوضعها من جانب الخبراء في حدود 51 دولارا للبرميل خلال سنة 2017، ونجاح اجتماع منظمة البلدان المصدرة للبترول «اوبيك» بالجزائر في إرساء توافق لتجميد الإنتاج عند 32,5 إلى 33 مليون برميل يومي، وإعلان بلدان ذات تأثير في توجهات السوق النفطية من «اوبيك» مثل السعودية وإيران ومن خارجها مثل روسيا عن إرادة في العمل على مستوى الحدّ من تخمة العرض ومراعاة العودة إلى بروز معادلة لأسعار متوازنة تتراوح في مرحلة أولى بين 50 إلى 60 دولارا بما يستجيب لمطالب المصدرين والمستهلكين.إستراتيجية بأهداف دقيقةوفي كل الحالات، فإن قانون المالية ما هو سوى وثيقة توفر الموارد وتحدّد المؤشرات لدواليب الاقتصاد الوطني وتسيير وتجهيز القطاعات من أجل الرفع من نسبة النمو وتعزيز الناتج الداخلي الخام ليترجم في نهاية المطاف على مستوى التحسين من القدرة الشرائية وحماية الأمن المالي للمجموعة الوطنية، غير أنه يتطلّب في الجوهر كما دعا إليه الخبير عبد الرحمان مبتول إلى تحديد دقيق الأهداف المتوخاة ضمن رؤية إستراتيجية يغلب عليها الطابع الاقتصادي، من شأنها أن تقود إلى بلوغ تلك الأهداف.ويقود هذا إلى حتمية التخلص من الذهنية البيروقراطية التي لا تتعدى إطار توزيع الأغلفة والمخصصات المالية التي تخضع لتسيير تقليدي لم يعد له مجالا خاصة بالنسبة للمؤسسات والهيئات التي ترتبط مباشرة بموارد الخزينة العمومية مثل الجماعات المحلية المطالبة بالتحول إلى عناصر اقتصادية منتجة لاحتياجاتها ومن ثمّة ضرورة أن تنخرط في ديناميكية الاستثمار المحلي والإقليمي في سوق مفتوحة على كافة الأنماط بما في ذلك الشراكة ما بني الجماعات المحلية من أجل إنتاج جانب من الثروة المطلوبة لضمان تمويل مشاريع وإنجازات.ويوفر قانون المالية للسنة القادمة الموارد التي تسمح بتحقيق تلك النقلة وعدم انتظار حلول سحرية لم يعد لها مجالا في ظلّ اتجاه أسواق المحروقات إلى منعرج التحوّل باتجاه مصادر جديدة للطاقة وتنافسية شديدة في المحروقات التقليدية، خاصة الغاز الذي تعتمد عليه الجزائر في وقت تلوح في الأفق مواعيد انتهاء العقود طويلة الأجل والتوجه إلى مفاوضات عسيرة تميزها معادلة ارتباط أسعار الغاز بأسعار البترول التي لا يتوقّع أن يتعدى معدل تحسنها ال55 أو 60 دولار في المنظور القريب.الطاقات الجديدة في المشاريع لذلك، فإنه يجب أن تخضع الخيارات الاستثمارية وانجاز برامج التنمية لحتمية إدراج الطاقات البديلة وعدم تضييع مزيد من الوقت لتجاوز منعرج التحول الطاقوي في الوقت المناسب انسجاما مع إرادة شقّ طريق بناء اقتصاد إنتاجي ومتنوع بينت المؤشرات أنه غير مستحيل على ما فيه من صعوبات أبرزها ذهنيات في بعض دواليب الجهاز الاقتصادي والإداري لا يزال يراود أصحابها حلم التهاب أسعار برميل النفط سيتحوّل لا محالة إلى كابوس إذا لم يتدارك أصحاب الشأن أهمية التحدي وأولهم أصحاب المؤسسات والمستثمرين والمتعاملين الذين تعودوا على ما تدره «البقرة الحلوب».وانسجاما مع المرحلة، فإن متابعة وتحليل أحكام قانون المالية مسألة تتعلق أيضا بمدى جاهزية الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين لإدراك مدى خطورة المرحلة والتوجه إلى التكيف معها بذهنية ايجابية، بحيث يحرص كل طرف على مستواه وضمن محيطه الاقتصادي والاجتماعي على تثمين الموارد المتاحة وحسن توظيفها وفقا لخيار ترشيد النفقات والتركيز على إنتاج الثروة.وبالفعل، فإن قانون المالية باعتماده على معدل 50 دولار لبرميل النفط يرمي إلى إنتاج الثروة خارج المحروقات بالأخص قصد تعويض الفارق المفقود جراء انهيار أسعار النفط وتعزيز مسار التصدي لعجز الميزان التجاري بتحسين الصادرات والرفع من موارد السياحة والخدمات وتقليص عقلاني للاستيراد، ذلك أن تحسين الميزان التجاري هو أفضل ضمانة للأمن الاقتصادي والغذائي كما يشير إليه المحلل الاقتصاد والمالي أمحمد حميدوش، بحيث أن سلامة اقتصاد بلد ما ترتكز على مدى قدرته في التصدير وليس في الحدّ من الاستيراد.رسالة ودلالاتولعلّ الرسالة التي يحملها قانون المالية في فلسفته التي تتعدى إطار الأرقام المالية تتلخص في أنه لم يعد من مجال أمام العناصر الاقتصادية المعنية بالاستثمار والتنمية والتسيير المالي سوى الدخول في مرحلة التحول من مرحلة الحصول على الموارد المالية ذات الطابع الإداري من إيرادات النفط إلى المصادر المالية ذات الطابع الاقتصادي الواردة من السوق، عن طريق إتباع قواعد الحوكمة وإنتاج الثروة وإتقان العمل والرفع من إنتاجيته. ويستشف من هذا أن تضييع المنعرج يتمخض عنه تبعات خطيرة بالنسبة للمؤسسة الجزائرية في كل القطاعات ما يستدعي تجنيد الطاقات وحشد الإمكانيات لإنجاز الوثبة الاقتصادية بكل ما تعنيه من تقوية للقدرات الوطنية وحماية للاقتصاد الوطني من موجة العولمة التي تدوس على كل متردد أو متخلف عن اتخاذ ما تقتضيه معركة الاستثمار والأسواق.وأمام ما يمكن وصفه ببداية التحول الاقتصادي من بوابة قانون المالية الذي يبدو أنه يندرج في سياق الواقعية والتطابق مع مؤشرات السوق فإن المؤسسات بكافة أنواعها أصبحت اليوم في مواجهة حتمية التكيف مع الظرف الجديد ليس بالبقاء في موقف الملاحظ والمستسلم لتحديات السوق الاستثمارية والتجارية المفتوحة على التنافسية إنما بامتلاك الإرادة والرؤية للانخراط في مسار التحول اليوم قبل الغد للإفلات من تداعيات المرحلة المقبلة بكل إفرازاتها الصعبة. وتكون الخطوة الناجعة من عتبة الالتزام بقواعد المواطنة الاقتصادية ومن أبرزها دفع الضرائب والتصريح بالعمال لدى الضمان الاجتماعي وإتباع المواصفات في العملية الإنتاجية والتحكم في تركيبة الأسعار مقابل الكلفة لكسب معركة تنافسية الأسواق.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 08/10/2016
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : سعيد بن عياد
المصدر : www.ech-chaab.net