شهر ماي 1955 :
اتصل بـي كـل من الاخوة عـبد الـقـادر رابح الـمدعو "سي عبد الكريم "و هو من مدينة البليدة مع الأخ هجالة بلقاسم الـمدعو " بلقاسم بن عبد القادر "وهو من تلاولـمة/ عين الرمانة . التقينا في وعدة " سيدي يـحي " ليلا ، حيث تـحدثنا عن ظروف النضال والثورة في منطقتنا ، و إقترحنا كأول مرحلة بداية البحث عن أماكن ملائمة يمكن مستقبلا إستعمالها كمراكز وقواعد خلفية لقوات جيش التحرير ، شرط أن تكون هذه الأماكن بعيدة عن قواعد العدو . إنطلقت فجر ذلك اليوم رفقة الأخ / عبد الكريم إلى جبل تـمزقيدة للتأكد من "الـمناجم القديـمة" التي كنت أعرف مكانها مسبقا .
كان بتلك الـمنطقة حارسا فرنسيا يسكن الضاية ، يـحرس الغابة ، فالتففنا بعيدا عنه ولـم نرد قتله لكي لا تفسد خطتنا و تنتبه فرنسا لنوايانا . بعد أن عينا الـمناجم و الـمـغـارات التي تصلح للمهمة ، إنصرفنا تاركيها لوقت الحاجة ، ثم افترقنا كل لمهامه ، و قبل الإفتراق كلفني الأخ / عبد الكريم كي أكون مسؤولا عن هذه الجبهة .
في جويلية 1955:
جاءني الأخ علي الغريبي الذي كان مسؤولا عن الاتصال في ناحية "المرجة" و الذي كان بيته مركزا لجيش التحرير وقد آوى كثير من قيادات أمثال سويداني بوجمعة ،أحمد بوشعيب وسي الزوبير، فأخبرني أن هناك فوجا من المجاهدين قادمين من النحاوة علي أن أستضيفهم في بيتي الذي كان بدوره مركزا في تاجنانت ، من بين أعضاء هذا الفوج المتكون من ثلاثة أشخاص كنت أعرف اثنين منهم و هما المجاهدان عمراوي مفتاح من بوفاريك والذي لا يزال على قيد الحياة ورفيقه عبد الرحمان ، ، فبعدما قضوا الليل و النهار عندي ، عاد إلي الأخ علي الغريبي و أخبرني أن المكان الذي كانوا ذاهبين إليه بجبل ( سي الفوضيل) بالبليدة قد إنكشف أمره و علي بالرجوع بهم إلى منطقة النحاوة .
بقيت أنا بتاجنانت أواصل مسؤولياتي بها، حيث كونت أعضاء جدد من الدشرة يعينونني على تنظيم الشعب ، وتوعيته بالقضية مع جمع الاشتراكات بقيمة 200 فرنك شهريا.
في شهرنوفمبر1955 :
وصلت أخبارنا للمستعمر فانتقلت قوات الجندرمة (الدرك الفرنسي) مع عساكر عين الرمانة للقبض علينا بتجنانت حيث اعتقلوني مع شقيقي امـحمد و أبناء عمي و هما بيران عبد القادر و بيران امـحمد.
قضينا بـموزاية يومين كاملين في البحث و التحقيق ، تم إطلاق سراح الثلاثة الذين كانوا معي و بقيت أنا إلى أن أطلق سراحي في اليوم الثالث. و ابتداء من هذا اليوم لم أعد أقضي الليل في البيت، بل بدأت آخذ حذري من المستعمر الفرنسي و من وشايات الناس بي.
مع بداية سنة 1956 :
بدأت أنظم الشعب و أجـمع الإشتراك لفائدة الثورة بالـمنطقة و كان دوري كذلك القيام بالإتصالات بين النحاوة و الكرارش (الحمدانية) ، بين يسمط و موزاية . حيث كانت تصلني الرسائل من النحاوة يأتي بها الأخ أحـمد بلحاج إليَّ شخصيا و إن لم يجدني يضعها داخل ثقب شجرة الزيتون ؛ كنا اتفقنا عليه مسبقا ، ثم آخذها بدوري إلى الكرارش (الحمدانية) حيث أسلمها للأخ/ الحسين الساكن بابن سليمان (حي 7 شهداء) ، كما يوصلها هو بدوره إلى وزرة (شامبلا )ليسلمها إلى الـمسؤولين هناك ، أما الرسائل الخاصة بجهتنا كنت أوصلها إلى مـحمد بن عيسى الساكن بـموزاية .
باختصار كانت الرسائل تصلني من كل الجهات الـمذكورة آنفا و أقوم بتوزيعها على الـمعنيين بالأمر حتى تصل إلى هدفها .
في جوان 1956:
كونت أول جـماعة من ثلاثة شبان و هم : الأخ/ بيران مـحمد الـمدعو "بريزيدان" ، الأخ مـحمد بداوي و الأخ قادة جوليان . كلفت هذه الجماعة بـحرق أكوام التبن في مزرعة موني /بشفة , و بقيت أنا أحرس الطريق و أترقب قدوم فصيلة من جيش التحرير كانت قادمة من "يسمط" لعبورها بأمان إلى منطقة "أهل الواد".
بعدما إنتشرت أخبار جبهة التحرير في أوساط الشعب ، إتصلنـا بالبعض منهم و تكلمنا معهم عن الأعمال التي نقوم بها ضد الإستعمار الفرنسي ، بدأ الشعب يفهم مغزى الثورة و أصبح شيئا فشيئا يشاركنا في النضال بعدما كان يـجهل حقيقة العدو الفرنسي سابقا .
في هذه الأثناء و بموازاة عملنا في هذه المنطقة ضمن صفوف جبهة التحرير الوطني ،ظهر نظام جديد ينشط في نفس المنطقة و هو لجماعة حزب مصالي الحاج ينشط بالخصوص في جهة سيدي رابح أولاد الحاج لكحل(سيدي عمور ) ببلدية موزاية و ببلدية عين الرمانة. كانت تلك الجماعة تفرض ضريبة مالية على السكان تقدر بين : 50000 و 100000 فرنك فرنسي قديم ، و تنتقل من بيت إلى آخر فارضة عليهم التكفل بالأكل و المبيت .و وصل نفوذ هذه الجماعة حتى "يسمط" و "برخيصة" وضواحيهما.
لما وصل خبر هذه الجماعة إلى مجاهدي جيش التحرير الوطني، نشبت معارك بين الطرفين أدت في النهاية إلى إنتصار مجاهدي الجيش تحت قيادة الطيب سليمان المدعو (سي الزوبير )الذي هو من الصومعة .
في جوان 1956:
إتصل بي الأخ سليمان القبايلي (الطيب سليمان )المدعو "السيحقي" مع جماعة من المجاهدين و هم : رحماني عبد القادر و الزواوي بن عيشة ، و أحمد بلحاج (مسؤول الإتصال بالنحاوة ) حيث إتجهنا إلى منطقة وزرة - شمبلا في مهمة رسمية . فوصلت أخبارنا إلى المستعمر عن طريق أحد الجواسيس ومنذ ذلك التاريخ بدأ البحث عني جاريا.
خلال جويلية1956:
إنتقلت قوات الجيش الاستعماري إلى دوار تاجنانت مرتين متتاليتين للقبض علي لكن بدون جدوى، حيث كنت لا أبيت بمنزلي.
في المرة الثالثة لماَّ جاء العساكر و لم يجدوني ، ألقوا القبض على أربعة أفراد من أصدقائي الذين كانوا ينشطون معي و هم:
-علاق اعمر
-علاق عبد القادر و
-بيران عبد القادر
-الحاج أحمد محمد ،
حيث تم إستياقهم ، ومنذ ذلك اليوم لم يظهر عليهم أي خبر ،و إلى يومنا هذا.
في المرة الرابعة و كان ذلك يوم 22 أوت 1956 إنتقل الجيش الإستعماري لدوار تاجنانت مساءا و تقدموا إلى الدشرة ليلا، حيث حاصروها من الليل حتى طلوع الفجر، فاغتالوا رجالها من بينهم ثمانية (8) رجال من عائلتي ، مبتدئين بأخي الأكبر : بيران امحمد رميا بالرصاص و ذلك عند صلاة الفجر، و لما فرغوا من القتل صبوا غضبهم بحرق المساكن و كل شيء أطالته أيديهم ثم غادروا المكان تاركين ورائهم الثكلى و الأرامل و اليتامى مشردين بلا مأوى و لا ملبس و لا مأكل .
لم أكن أنا بعيدا عن المكان حيث جرت تلك الواقعة تحت أعيني و أنا على بعد 500 م جنوب الدشرة رفقة الأخ وشان قويدر إذ كنت راجعا معه من مهمة أديتها في يسمط / بعين الرمانة .
بعد هذه العملية الوحشية التي ارتكبت في حق عائلتي بسبب وشاية ذلك العميل الخائن ، التحقت مباشرة بفصائل جيش التحرير بمنطقة يسمط / عين الرمانة تحت قيادة " سي الزوبير " ، و بعد أسبوعين من ذلك التاريخ التقيت بالأخ سليمان القبايلي ، حيث قام هذا الأخير بتزويدي بمعلومات نظامية لمواصلة أعمالي كمسؤول بمنطقة تاجنانت و ضواحيها و كلفني بتنظيم الشعب من جديد ، تجنيد الشباب ، وحثهم على حمل السلاح في وجه الإستعمار و الالتحاق بالجبل ، كما كلفني كذلك بالإشراف على العمليات الفدائية و هذا على مستوى الخمس مداشر التالية:
-تاجنانت
-الحجاج
-أولاد سيدي إبراهيم
-أولاد حسين (البرج)
-الحفاصة
و كلها تقع ببلدية شفة و ضواحيها .
كونت أول فوج مسلح متكون من ثمانية (8) شبان فيهم من أستشهد و فيهم من لا يزال على قيد الحياة، قمت بتسليحهم ببنادق صيد تحصلت عليها من عند الشعب .
مهمة هذا الفوج كانت توفير الأمن للشعب في هذه المنطقة و القيام بالأعمال التخريبية ضد العدو مثل (حرق مزارع المعمرين -حفر الخنادق لتعطيل الطرق المؤدية إلى الريف - هدم الجسور و قطع الأعمدة الكهربائية و الهاتفية ) و كذا القيام بعمليات عسكرية منها ( الاغتيالات في صفوف العدو - نصب الكمائن - الإغارة على الثكنات و مراكز العدو- القيام بإزعاج تحركات الأرتال المعادية ) . و كانت كل الغنائم التي نستولي عليها من مزارع المعمرين نوزعها على سكان المنطقة .
كان لدي بتاجنانت مركز إتصال يعمل على استقبال الشباب المطاردين من قبل العدو و الذين قاموا بعمليات ضد الاستعمار ، فبعد استضافتهم كانوا يجدون مأواهم عندنا حيث نخبئهم بهذا المركز ،ثم نقوم بتزويدهم بالمعلومات و السلاح فيصبحون يعملون معنا في الفداء ، أما البعض الآخر الذين كانوا يفرون من ويلات المستعمر و يودون المشاركة في الجهاد ،كنت أكلفهم القيام بعمليات محددة ضد المعمرين الذين أقوم بتعيينهم لهم ، و بعد تنفيذ عملياتهم بنجاح أرسلهم إلى جيش التحرير الوطني بالجبال حيث أزودهم برسائل إلى المسؤول العسكري في الجيش وهو المدعو "سي الزوبير"،اخبره فيها بالعملية التي يكون قد نفذها ذلك الفدائي.فيتم قبوله في صفوف جيش التحرير كمجاهد.
بعثت برسائل إلى شيوخ الفرق و الكوسينية LES CONSEILLES (أعضاء المجالس البلدية ) الذين كانوا يعملون تحت أوامر السلطات الفرنسية كمسؤولين محليين ،حيث طلبت منهم التخلي عن هذه المهام و المسؤوليات المكلفين بها ،و إلا سوف يعاملون كأعداء للثورة .
............
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 15/04/2014
مضاف من طرف : medzie
صاحب المقال : BIRANE Belkacem mouzaia
المصدر : personnel