يُعتبر عبد الحميد بن باديس واحداً من أهمّ روّاد الإصلاح في العالم العربيّ، كما ويُعدّ ركيزة رئيسيّة وأساسيّة ارتكزت عليها النهضة الإسلاميّة الجزائريّة، وهو إلى جانب ذلك مؤسّس جمعيّة العلماء المسلمين الجزائريين.
نسب عبد الحميد بن باديس:
ينتمي عبد الحميد بن باديس إلى الأسرة الباديسيّة، وهي واحدة من أعرق الأسر وأكثرها أهميّة، فقد خرج منها العديد من العلماء والسلاطين، ويرجع أصل العائلة بحسب ما يقوله البعض إلى ملكانة، والتي تعدّ فرعاً من القبيلة الصنهاجية الأمازيغية من منطقة المغرب العربي، وقد خرج رجال كثر من هذه العائلة، منهم الشيخ المعز بن باديس المُتوفّى في العام ألف واثنين وستين ميلادية.
مولده ونشأته وتلقّيه العلم:
وُلِد الإمام عبد الحميد بن باديس في الرابع من شهر ديسمبر من العام ألف وثمانمئة وتسعة وثمانين ميلاديّة، وقد كان ميلاده في مدينة قسنطينة الواقعة في منطقة الشرق الجزائريّ، وقد كان عبد الحميد بن باديس ابن والديه الأكبر، حيث أولياه عناية كبيرة؛ نظراً لما كان يبديه من نباهة وذكاء كبيرين.
ربّاه والده محمد المصطفى بن المكي تربية حسنة، كما وجّهه بالشكل المطلوب بما يتلاءم مع قدراته، وإمكانيّاته، ووضعه الاجتماعيّ، هذا وقد تعلّم ابن باديس على أيدي المشايخ الفضلاء كالشيخ محمد المداسي، والشيخ حمدان القسنطينيّ، كما تلقى ابن باديس العلم في جامع الزيتونة في تونس، ليسافر بعد ذلك إلى المدينة المنورة حيث تعرّف على كوكبة من المشايخ هناك.
رحلة عبد الحميد بن باديس في طلب العلم:
التحق الشّيخ عبد الحميد بن باديس مع حلول عام 1908م بجامعِ الزَّيتونة في تونس، فدرس العلم على يدِ العلّامة محمد النّخلي، والشيخ الطاهر بن عاشور، ومكث هناك ثلاثة أعوام على مقاعد الدراسة، ودرّس في الزيتونة عاماً آخر، فتفتّحت عيونه على ما كان يدور في العالم الإسلامي، فكان تلميذاً نجيباً ومُعلّماً فريداً يجمع بين العلم والثقافة وسعة الاطّلاع.
توجّه الشيخ عبد الحميد بن باديس إلى أرضِ الحجاز في عام 1913م؛ من أجل أداءِ فريضة الحجّ، وتعرَّف لاحقاً في المدينة المنوّرة على بعضٍ من العُلماء الكبار كان من أبرزهم الشيخ محمد البشير الإبراهيميّ، وانتقل بن باديس لاحقاً إلى سوريا ثمّ لبنان وصولاً إلى مصر، وتمكّن من التَّواصل مع مجموعةٍ من العلماء المصريين، مثل الشيخ محمد بخيت المطيعي.
تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين:
أسّس عبد الحميد بن باديس جمعية العلماء المسلمين في العام ألف وتسعمئة وواحد وثلاثين ميلادية، حيث تأثّرت بأفكار عدد من المصلحين الذين أسهموا بشكل كبير في تطوير الفكر العربيّ الإسلاميّ المعاصر كعبد القادر المجاوي، ومحمد عبده، وجمال الدين الأفغاني –رحمهم الله-، وقد عنيت الجمعيّة بشكل رئيسيّ في بعث الحياة في دماء الشعب الجزائريّ، للنهوض بالبلاد وتطويرها بالإضافة إلى بث الأخلاق الحميدة في المجتمع.
أعمال عبد الحميد بن باديس:
ساهم الشّيخ عبد الحميد بن باديس في العديد من المجالات الفكريّة والمعرفيّة، وفيما يأتي معلومات عن مجموعةٍ منها:
1- مجال التعليم: اتفق الشيخ عبد الحميد بن باديس مع الشيخ البشير الإبراهيمي عندما التقيا في المدينة المنوّرة على البدء بحركةٍ علميّة فورَ رجوعهما إلى الجزائر، وفعلاً بدأ ابن باديس هذا المشروع عندما عاد إلى الجزائر، فنفّذ نشاطه التعليميّ في المسجدِ الكبير في مدينة قسنطينة، وانتقل لاحقاً إلى المسجدِ الأخضر، وبدأت دروس ابن باديس بمجموعةٍ قليلةٍ من التلاميذ ثمّ ازدادت أعدادهم حتّى نشأت مدارس فكريّة مُتعدّدة في مُختلف البقاعِ، وخرّجت العديد من قادة حركة النهضة الجزائريّة آنذاك.
2- مجال الصحافة: اهتمّ الاحتلال الفرنسيّ بإنشاء مجموعةٍ من الصحف باللغة العربيّة في الجزائر؛ من أجل نشر البيانات الرسميّة، ولكن افتقرت هذه الصحف إلى التحرير المناسب، فكان لابن باديس دورٌ رائدٌ في مجال الصحافة؛ حيث أسّس صحيفة المنتقد بعام 1925م سعياً منه لإحداث هزّة عنيفة في ثقافة وفكر الشعب الجزائريّ.
3- مجال السياسة: أثار نشاط الشيخ عبد الحميد بن باديس كثيراً من الجدل حول فكرة مشاركة العلماء في العمل السياسيّ؛ حيث كتبَ مقالات أكّد فيها أهمية مشاركة العلماء في العمل السياسيّ، ونجح بعد ذلك في عقدِ مُؤتمرٍ عام ضمّ مختلف الأحزاب والاتّجاهات الفكريّة في الجزائر، وتعرّض آنذاك لحملةٍ فكريّةٍ تعيب عليه وعلى العلماء من حوله مشاركتهم في العمل السياسي، لكنّه كان مصرّاً على رأيه وفِكره الّذي يقول إن المسلمينَ لم يتأخروا عن ركب الحضارة إلّا لأنّهم أقصوا العلماء عن سدّة الحكم، ولم ينتهِ نشاطه السياسي إلّا بموته، حتّى أنه قبيل موته كان قد جمع ثلّة من العلماء حوله وطلب منهم معاهدته على الجهاد لمُحاربةِ الاحتلال الفرنسيّ.
أشعار عبد الحميد بن باديس:
كتب عبد الحميد بن باديس العديد من الأشعار والأناشيد في العديد من المناسبات المختلفة، منها ما كتبه للحفل الذي أقيم إحياءً لليلة القدر في مدرسة التربية والتعليم في قسنطينة، وهو نشيد بعنوان (اشهدي يا سما)، ومنها أيضاً ما ختم به جلسة الجمعية الإسلامية الختامية، والتي أُقيمت في العام ألف وتسعمئة وسبعة وثلاثين ميلادية، بالإضافة إلى العديد من الأشعار الأخرى.
وفاته:
تُوفّي الإمام عبد الحميد ين باديس –رحمه الله- في اليوم الثامن من شهر ربيع الأول من العام ألف وثلاثمئة وتسعة وخمسين من الهجرة الموافق للسادس عشر من شهر أبريل من العام ألف وتسعمئة وأربعين ميلادية، وقد كانت وفاته في مدينة قسنطينة مسقط رأسه، والمكان الذي شهد معظم تحركاته العلمية والفكرية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 28/10/2020
مضاف من طرف : tito9