فتحت التصريحات التي صدرت عن وزير المالية، عبد الرحمن راوية، الأبواب مجددا أمام التساؤلات حول مدى انسجام الخطاب الحكومي بشأن واحدة من القضايا الأكثر حساسية بين الجزائريين، وهي مسألة الدعم الذي تقدمه الدولة لحماية الفئات الهشة من المجتمع.وشهد الأسبوعان الأخيران، جدلا بشأن استمرار سياسية الدعم التي تكلف الدولة نحو 15 مليار دولار في السنة، وبدأت القضية كما هو معلوم بتصريح لوزير المالية أدلى به في مدينة دبي الإماراتية وبحضور رئيس صندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، أكد فيه عزم الدولة على مراجعة سياسة التحويلات الاجتماعية، عبر رفع الدعم عن بعض المواد ذات الاستهلاك الواسع، ذكر من بينها الوقود (البنزين)، وهو الإجراء الذي برره بتوجهات الحكومة الرامية إلى الحد من نسبة العجز المسجل في الخزينة العمومية.
وقد خلفت تلك التصريحات ارتباكا واستهجانا وسط الجزائريين، لأن أسعار الوقود كانت محل زيادات خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث تضاعف سعرها ثلاث مرات، ما يعني أن رفعها مجددا خلال العام المقبل، سيزيد من ثقل الأعباء على كاهل المواطن في دولة تعتبر من بين الأغنى في العالم من حيث الموارد الطاقوية.
غير أن الوزير الأول، أحمد أويحيى، ومعه وزير الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، نور الدين بدوي، سارعا إلى تكذيب ما نقلته وسائل الإعلام عن وزير المالية، وذهبا حد اتهام الوسائط الإعلامية التي تناقلت الخبر، بالتأويل، وذلك رغم تطابق المعلومات التي نقلت بهذا الخصوص.
ولم تكن تطمينات أويحيى وبدوي كافية لإيقاف هذا الجدل، لأن وزير المالية عاد مجددا ليؤكد من مجلس الأمة، وجود مساع لدى الحكومة بمراجعة سياسة الدعم، وقدم معلومات إضافية بهذا الخصوص، مثل تأكيده على الشروع في بحث آليات الانخراط في هذا المسعى، من قبيل تشكيل فوج عمل يتكون من ممثلي بعض القطاعات الوزارية للتكفل بهذا الملف الشائك، الذي يتطلب، كما قال، فتح حوار وطني مع الشركاء السياسيين.
ولم يكن راوية هو أول من أطلق الدعوة لحوار وطني تتمخض عنه الخطوط العريضة للسياسة التي يتعين على الحكومة انتهاجها فيما يخص ملف التحويلات الاجتماعية، فقد سبقه إلى ذلك الوزير الأول، غير أن رد الطبقة السياسية كان سلبيا، حيث أكد قادة العديد من الأحزاب السياسية المحسوبة على المعارضة، أن هدف الحكومة من الدعوة لحوار وطني، إنما إشراك المعارضة في قرارات "أليمة" من بينها رفع الدعم عن بعض المواد ذات الاستهلاك الواسع، "وهو ما لا نريد تسليمه للحكومة على طبق من ذهب"، كما قال أحد رموز المعارضة.
عودة وزير المالية للتأكيد على وجود توجه حكومي نحو مراجعة سياسة الدعم، ولو عبر ترشيده كما قال، يطرح أكثر من تساؤل حول مدى صدقية التصريحات التي صدرت عن الوزير الأول ووزير داخليته في وقت سابق، وقبل ذلك انسجام الخطاب الحكومي، الذي يجب أن يكون متضامنا وخاليا من المطبات التي يمكن أن تفتح الباب أمام تفاقم الجبهة الاجتماعية التي تشهد هذه الأيام حالة من الغليان، وذلك رغم الهدنة المعلنة بين وزارة التربية وشركائها الاجتماعيين بعد تدخل الرئيس بوتفليقة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 04/03/2018
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : محمد مسلم مسؤول السياسي بجريدة الشروق
المصدر : www.horizons-dz.com