على الأرجح، سيؤدي استمرار الانسداد في ليبيا إلى تدويل الأزمة. فهناك تخوفات من تزايد القتلى. والمزيد من تخريب المنشآت، التي تضر بضخ النفط والغاز، أو بنقله إلى الخارج. وهناك حاليا، تخوفات من تسريب السلاح إلى خارج ليبيا. فالزعيم الليبي فتح صناديق المال ومخازن السلاح. مسهلا عملية تشكيل قوافل لتجار السلاح نحو مصر، أو تونس أو الجزائر. فمصر وتونس، معرّضتان لثورة مضادة من قبل بقايا نظامي مبارك وبن علي انتقاما من التغيير، أو لزرع الفوضى والشك. بما يؤدي بالسلطة إلى انتهاج أساليب قمعية وردعية. وإظهارها بأنها ليست أفضل من النظام السابق.
وموازاة مع هذه الانشغالات، ماذا لو كان القدافي يمتلك أسلحة كيميائية . وهل سيستخدمها ضد معارضيه، أو هل سيكون مستعدا لتسميم النهر العظيم مثلا، أو منطقة مجاورة أخرى؟
إن الرابح الأكبر من النموذج الليبي، هم دعاة حظر الأسلحة المدمرة، لاسيما على الأنظمة الشمولية. ومن غير المستبعد أن تتغير معطيات في التعامل مع ملف إيران النووي. هذا البلد الذي يديره نظام شمولي، ويوجد على رأسه ولي فقيه . والذي يقابله عند العرب زعيم وطني ، أو زعيم قومي . حسب سقف طموح وشهية الزعيم العربي.
والإصرار الذي يظهره القذافي وعائلته في الحفاظ على الحكم والاحتفاظ به، مهما كانت تكاليفه البشرية، يجعل الخوف إقليمي ودولي. لأننا أمام حالة رجل مستعد لـ الانتحار . لقد فقد صوابه مبكرا. ولم يحسن قراءة المد.عكس ملك المغرب، الذي وعد بنقل ملكيته من ملكية تعطيه حق التصرف في العباد وفي البلاد،إلى ملكية دستورية. فهو يعد بخطوة هي أكثر جرأة من وعود الجمهوريات بالتغيير والإصلاح.
وسيكون السقف الذي حدده ملك المغرب لهذا التغيير، عامل إزعاج إضافي للسلطة في الجزائر، يضاف الى القلق من تداعيات الصراع داخل ليبيا ومن أساليب القدافي الذي تعمّد إهمال بناء جيش، مفضلا عليه ميليشيات المرتزقة، أي متطوعين بحياتهم من أجل راتب وعلاوات خاصة. وهؤلاء سيكونون حتى في حال سقوط النظام، خطرا على كل المنطقة المحيطة بليبيا.
فالضغط المحيط بالجزائر حقيقة. لكن السلطات تأخذ منه المبرر في تأجيل التعامل مع الإصلاح العميق والحقيقي. وليس ذاك الإصلاح الذي يأتي به حرس المعبد، مستبعدين فتح المشاركة وتوسيعها.
وكلما ضاقت الدائرة بالسياسيين، فتحوا قاعات فايتنس لاستهلاك حريرات الغضب والأرق والقلق. وأدخلوا الناس جماعات في حفلات شعاراتها من أجل تغيير الدستور ..والسؤال، ماذا يقصدون بالتغيير؟ تغيير الديباجة، أم هو تغيير في ترتيب المواد، أو في استبدال عبارات بأخرى؟
النظام الذي يبدع في استهلاك الأجيال والدساتير، قبل ما يعمل بها، نجده مصمّما على رفض اعتماد أحزاب، على الرغم من اعترافه أن ملفات بعض الأحزاب كاملة. لكننا لن نعطيها اعتمادا . فهو يقدم نفسه كنموذج في خرق القانون. لأن الجملة التي وردت على لسان وزير الداخلية بخصوص ملفات الأحزاب، يعادلها في المعنى أن أقول لشخص أنت موجود، ولا أعترف بك . فكيف يتم تغيير الدستور الحالي والحكومة لا تلتزم به؟ وعدم التزامها به لا يعد مبررا إلى تغييره. وإنما يستدعي البحث عن أدوات تجعل الحكومات والرؤساء والضباط يحترمون القانون قبل غيرهم. البحث عن أدوات تجعل منهم هم النموذج لبقية الشعب.
قد يفكر الرئيس بوتفليقة في تغيير فعلي للنظام، ينتقل به إلى الجمهورية الدستورية، كما وعد به الرئيس اليمني شعبه. وقد يفكر في تزيين بعض الأركان من البناء. وإلى الآن، فإنه يراقب ويتابع تطور الأحداث. وبكل تأكيد قرأ أو سمع عن مواجهات، هي محدودة الآن، بين معارضين أرادوا السير في مسيرة، وبين معارضين للمسيرة. أو عن تلك التي تشهدها الجامعة بين الطلبة. ويعد هذا النوع من الاحتكاك أخطر من التجمع ومن التظاهر نفسه. ثم أن ما يزيد الأمور غموضا، هو اجتهاد وزراء من الحكومة في تكثيف إشارات حول التغيير تارة، وتارة حول الاستمرار. فكلامهم غير متناسق وأحيانا، هو متناقض.. ويكون الرئيس تعمّد اختيار الصمت، كأسلوب ومقاربة لتتبع التطورات، تاركا محيطه يتخبط في مهمة ملء فراغ السكون الرسمي. وهنا نكون أمام احتمالين، أما أن الحيرة هي حقيقة تعيشها السلطة. أو أن رئيس الجمهورية، يفضل الصّمت، حتى لا يقطع خيط يربطه بتطلعات ومطالب الآخرين . ويمكن له تعديل وجهته في أي لحظة. فبعدما ترك انطباعا بانفتاح ممكن عاد ليرسل إشارات التأجيل..
إن ضعف أو تفتت المعارضة السياسية، لا يعكس حقيقة وضع مجتمع مهووس بأحلام التغيير، وبتحسين ظروف العيش الكريم.
وتدرك السلطة أنها أمام مشاكل متشابكة متداخلة بين قطاعات متباينة. فما يعيشه التعليم العالي، يخص الأستاذ، والإداري والطالب. وفي التربية، يخص المعلم والأستاذ، والإداري وأولياء التلاميذ، ومستوى التلميذ. ومن ثمة مستقبل وطن. وفي الصحة، يخص الطبيب والممرض والمريض..ولأول مرة منذ الاستقلال، يخرج في مسيرة غير مرخص بها، وممنوعة، رجال الحرس البلدي. ولمسيرتهم رمزية، كون هؤلاء الغاضبين سند لقوى حفظ الأمن.
فمشاكل اليوم، هي نتيجة تراكمات لسياسة اليوم رأي، وغدا أمر ، التي تميّز وتفصل بين المطالب السياسية والمدنية، وبين تلك المرتبطة بالحياة الاجتماعية. أي سياسات مبنية على مزاج اليوم ، وعلى رد فعل من مواقف وآراء الآخر.
كجيل، نحن حاليا نقوم باستهلاك حقوق الورثة. وعلى ما يبدو، سنترك لهم وصية مكتوب فيها الله غالب .
hakimbelbati@yahoo.fr
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 12/03/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : عبد الحكيم بلبطي
المصدر : www.elkhabar.com