بنهاية يوم أمس الأحد وضعت عملية الاقتراع في الانتخابات الرئاسية المصرية أوزارها لتدخل الساحة بأسرها في حالة نادرة من حالات الترقب لما يمكن أن تفرزه الصناديق في ظل غياب شبه تام للمؤشرات الموضوعية التي على وقعها يمكن قياس منتخبي كل واحد من المرشحين الإثنين.
فلم تعد الانتخابات معروفة النتائج مسبقا، كما كانت خلال الستة عقود الماضية في مصر، كما أن مراكز الاستطلاع والأبحاث قد خابت في الجولة الأولى من الانتخابات، في قياس نبض الشارع، وخرجت النتائج الرسمية في الغالب مناقضة لتلك التي ظلت ترصدها مراكز البحث، إما لحداثة التجربة وغياب الأدوات اللازمة لهذه العملية العلمية أو لعدم استقلالية تلك المراكز، وخوضها غمار المعركة الانتخابية لصالح أحد الأطراف!
وبالتالي فإن المؤشر الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه حتى الآن، كما يبدو، هو النتائج الرسمية للجولة الأولى، في محاولة لفهم مآلات تلك الكتل الانتخابية المتحركة التي أدلت بصوتها في الدور الأول، ذلك مع التأكيد أن أحداث كثيرة وقعت خلال الفترة ما بين الاستحقاقين لعل أهمها الأحكام القضائية التي أصدرتها المحكمة الدستورية المصرية وتقضي ببطلان انتخابات البرلمان من جهة، وعدم دستورية قانون مباشرة الحياة السياسية المعروف إعلاميا ب ''قانون العزل السياسي''، الأمر الذي قد يؤثر في توجهات الناخب من جهة، ويخدم مرشح ما من الإثنين، من الجهة الثانية.
التوقعات حسب قائمة الأرقام والتحالفات
وبصرف النظر عن المياه الكثيرة التي جرت تحت جسر المرحلة ما بين الجولة والثانية، والتي بإمكانها التأثير بشكل واضح في توجهات الناخب غير الملتزم حزبيا، فإنه من المؤكد أن أكبر الخاسرين من هذه الانتخابات -كما يبدو- هو ما يسمى بالقوى الثورية التي وقعت في خطأ تكتيكي خلال التجهيز للانتخابات من حيث عدم لجوئها إلى تحالفات حقيقية بين المرشحين الثوريين، مما أفضى في نهاية المطاف إلى خطيئة استراتيجية ستلاحقها خلال الفترات القادمة.
والواقع أن الاستحقاق الحالي قد وضع تلك الكتلة (الثورية) التي شكلت أكثر من 45% من الأصوات المعبّرة عنها في الجولة الأولى باستثناء كتلة الإخوان (الأكثر تنظيما والتزاما) التي مثلت خلال الجولة الأولى حوالي 26%، إلا أن القوى الأولىلم تعد موحدة ولا ملتفة حول مرشح واحد، بل تبدو في هذه الجولة أكثر انقساماً، حيث تم إنحاز جزء منها لصالح مرشح الإخوان لمواجهة شفيق كما هو الحال بالنسبة لحركة شباب السادس من أبريل، التي أصدرت بيانا دعت فيه مؤيديها إلى التصويت للدكتور مرسي، لأن الخلاف مع الإخوان ليس أكثر عمقا من الخلاف مع ''رموز النظام السابق'' في إشارة إلى الفريق أحمد شفيق، وهو موقف معظم القوى السلفية أيضا التي أعلنت دعمها لمرسي في هذا الاستحقاق. الجزء الآخر من هذه الكتلة أضحى واضحا أنه سيدعم الفريق شفيق لأسباب تتعلق بموقفه من الإخوان، حيث صرحت أعداد لا بأس بها من الأسماء المعروفة بتأييد حراك الخامس والعشرين من يناير، وما أفضى إليه دعمهم لشفيق، لأنه أقل ضرراً من مرسي الذي تسعى جماعته إلى السيطرة على الحياة السياسية ككل. بينما يذهب الطرف الرابع، وهو ربما الأكبر من حيث العدد، إلى اتخاذ قرار مقاطعة الانتخابات أو إبطال الصوت عوض تأييد أحد المرشحين، وهو القرار الذي اتخذه مثلا المرشح السابق للرئاسة حمدين صباحي، (الذي حصل في الجولة الأولى من الانتخابات على حوالي 5 ملايين صوت) وهي الكتلة الحرجة التي يمكن في حال كسبها من أحد المرشحين أن تحسم الأمر، إلا أن اتخاذ هذا الموقف من قبل ''صباحي'' جعل التنبؤات شبه خيالية في ظل غموض قرار هذه الفئة، وما إذا كانت ستدعم مرشحا بعينه أم ستلتزم بقرار مرشحها السابق، فتبطل الأصوات؟ !
خارطة طريق الجولة الثانية
من الواضح أن الجولة الأولى للرئاسيات قد رسمت صورة مصغرة للخارطة الانتخابية لكل مرشح ومواقع نفوذه، ومع انسحاب ال 11 مرشحا، فإن الخارطة ستعرف تغييرا نسبيا لصالح كل مرشح من المرشحين وفق الميول والمزاج السياسي للناخب، مما يدفع بالمراقبين إلى توقع أن تؤول أصوات المرشح السابق عمرو موسى إلى الفريق شفيق، نظرا لأن معظم تلك الكتلة هي من مؤيدي ''الدولة المدنية''، وهي الفكرة ذاتها التي يرافع لها الجنرال شفيق في حملته الحالية، فيما بات من المؤكد أن أصوات التيار السلفي الذي انقسم في الجولة الأولى بين دعم المرشح المستقل عبد المنعم أبو الفتوح ومرشح حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسي للإخوان) محمد مرسي، سيتوحد هذه المرة خلف المرشح الأخير. وربما الأمر كذلك بالنسبة للكتلة التي انتخبت الدكتور سليم العوا في الجولة الأولى، حيث من المرشح أن تؤيد هذه المرة مرشح الإخوان.
الجغرافيا والواقع الاجتماعي في مرآة النتائج
للجغرافيا والتقسيم الاجتماعي والاقتصادي دوره أيضا في هذه المعادلة المزدوجة، ففي حين من الواضح أن معظم محافظات الصعيد التي تعتمد على الولاءات العشائرية والقبلية، تميل نحو كفة الجنرال شفيق لارتباطاتها السابقة برموز الحزب الوطني المنحل، الذي كان يتعاطى مع ''الصعيد'' ككتلة انتخابية بالغة الأهمية والتأثير، سيما وأنها الكتلة الأكثر قدرة على التعبئة المباشرة من خلال شيوخ العشائر والقبائل واسترضائهم لنيل أصوات جميع العائلات الكبرى.
فيما يميل الريف، خاصة المناطق التي تعرف ب ''الفلاحين''، - وهي مناطق غالبا محافظة - نحو المرشح الإخواني الدكتور مرسي، خاصة وأن جماعة الإخوان لها قواعد كبيرة في هذه المناطق.
أما المدن فيقتسمها المرشحان بشكل يبدو متقاربا، وإن كانت المدن الشمالية في الغالب تميل إلى القوى المدنية عوض التيار الديني، كما هو الحال بالنسبة للإسكندرية، التي منحت أكثر من 75% من الأصوات في الجولة الأولى لمرشح مدني هو حمدين صباحي، الذي خرج من الجولة الأولى، وبالتالي قد يلجأ بعض من أنصاره إلى ''شفيق'' كمرشح مدني لمواجهة مد التيار الديني الإخواني الذي سيطر على البرلمان (الذي حل بقرار من المجلس العسكري بعد الحكم القضائي مباشرة) ويحاول الآن السيطرة على السلطة التنفيذية.
كذلك للدين دور لا يمكن تجاهله في هذه المعركة، ففي حين تنادي معظم القوى الدينية (الإسلامية) من أحزاب سلفية، أو ذات امتداد وخلفية إخوانية لدعم وتأييد الدكتور مرسي، لأنه وجه إسلام وصاحب مشروع إنقاذ الثورة - كما تقول - يميل معظم الأقباط نحو تأييد الفريق أحمد شفيق، خشية من تمدد قوة التيار الإسلامي في الشارع المصري.
محمود أبو بكر - القاهرة
![if gt IE 6]
![endif]
Tweet
المفضلة
إرسال إلى صديق
المشاهدات: 2
إقرأ أيضا:
* حملة المقاطعة تشتعل في الشارع المصري
* 20 قتيلا بمدينة الشقيقة خلال أربعة أيام.. إعلان منطقة عسكرية غرب ليبيا لوقف العنف
* هجمات متفرقة في العراق توقع 5 قتلى
* مقتل قائد شرطة و2 من مرافقيه في انفجار في جنوب اليمن
التعليقات (0)[add]
[min/max]إظهار/إخفاء التعليقات
[feed]إظهار/إخفاء صندوق مربع التعليقات
أضف تعليق
الإسم
البريد الإلكتروني
التعليق تصغير
تكبير
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 17/06/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : busy]
المصدر : www.djazairnews.info