الجزائر

الوجوه السيئة لعلاقة المال بالسياسة



لا يمكن ممارسة أي نوع من السياسة في غياب المال , كما أن المال في غياب سياسة تستثمره يظل مجرد كنز و لو فاق كنز قارون , أو ثروات يديرها رجال أعمال أو شركات , و مع ذلك فإن تحذيرات الخبراء و الباحثين غالبا ما تركز على تلك المرتبطة بدور المال في السياسة و ليس العكس من منطلق أن المال هو الذي يفسد السياسة ؟ وقد تتعدد مخاطر المال على السياسة و تتنوع لتطال كل مفاصل الحياة السياسية و ما ارتبط بها من قطاعات الاجتماع و الاقتصاد و الثقافة و غيرها , فترَكُّز المال لدى فئة على حساب فئات أخرى يقتل المنافسة السياسية , كما أن افتقار فئات اجتماعية إلى التمويل أو المال سيحرمهم من القدرة على الترشح و الفوز بمناصب سياسية هامة يضمن لهم تمثيل فئاتهم في الهيئات التمثيلية للسلطة . كما يتيح تمويل رجال السياسة من طرف رجال المال و الأعمال , التحكم في السياسيين لتنفيذ اجندات الممولين بدلا من البرنامج الانتخابي الموعود . كما أن التمويل غير المراقب للسياسة يسمح بتسرب المال الفاسد إلى الحياة السياسية و بالتالي إضعاف نظام الحكم و سلطة القانون ... إن مختلف الوجوه السيئة لعلاقة المال بالسياسة تجلت في سوء علاقة حكومة عبد المجيد تبون و بين قيادة منتدى رؤساء المؤسسات , كما أشرنا إليه في حينه , لأنه من غير المعقول أن تستمر علاقة بين طرفين أحدهما يأخذ فقط و الآخر يعطي فقط من خلال تعليقنا على مطالب منتدى الباترونا و ال50 اقتراحا الذي رفعه إلى سلطات البلاد يومئذ ضمن «شروط» مقترحات المنتدى من أجل انبعاث الاقتصاد الجزائري , وعندما نطلع ونستعرض الخمسين اقتراحا من أجل عقد نمو اقتصادي جديد , ثم ندقق في جميع الإجراءات التي طالب بها المنتدى ,سواء تلك التي اعتبرها هيكلية عاجلة أو القطاعية العاجلة كذلك أوتلك المتعلقة بسياسة دعم الأسعار, لا شك سينتهي إلى استنتاج مفاده, أن منتدى رؤساء المؤسسات , لم يترك شوكة , و لا حجرة , و لا حفرة يمكن أن تتسبب في تعثر رؤساء المؤسسات في طريقهم لتنمية ثرواتهم , إلا و اقترح, إجراء أو أكثر كي تقوم السلطات العمومية بإزالتها من طريق المتعاملين . وهكذا أضحى لكل جهة حكومية نصيبها من «الشروط» التوصيات والمقترحات التي عليها الاضطلاع به , الوزارة الأولى , بنك الجزائر والفوائد البنكية, إدارة الجمارك ,إدارة الضرائب ,وزارة الخارجية,وزارة التجارة , النقل ,التعليم العالي , التكوين المهني ,الصناعة ,المالية,الشباب , البيئة وهلم جرا ... و مقابل التكفل بكل هذه «المطالب» نصل إلى الالتزامات ال15 لمنتدى رؤساء المؤسسات وهي التزامات أقرب إلى توصيات منها إلى الالتزامات , من قبيل «تحقيق تواصل ناجع بين عمل الحكومة و جهود المؤسسات لتوفير شرط الثقة الضروري للاستثمار..» و « توحيد المؤسسات لتشكيل قوة اقتصادية « و« ترقية المقاولة عند النساء..» و هكذا دواليك .. إن قيادة منتدى رؤساء المؤسسات, لطالما رددت أن منتداهم ليس حزبا , ولا يمارس السياسة , وهي محقة في ذلك , إذ ما حاجته إلى السياسة, ما دامت مقترحاتها توصي بوضع كل المؤسسات السياسية في خدمة رؤساء المؤسسات الاقتصادية؟ وهو ما كشفت عنه جزئيا ملفات الفساد التي تعكف العدالة في النظر في ملابساتها .لأن الذي يتابع حركة الاستثمار في البلاد , سيعرف أن معظم الاستثمارات هي من المال العام , و«الإشكال أن القطاع الخاص بدأ بفرض شروطه على السياسيين حتى قبل الشروع في استثمار أمواله, و هو ما يتنافى مع مبدإ فصل المال عن السياسة الذي يعتبر أحد أسس الحكم الراشد» .


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)