الجزائر

الهدف من تكوين الفريق كان إحداث زلزال داخل فرنسا



يعدّ محمد معوش من اللاّعبين الأوائل الذين التحقوا بفريق جبهة التحرير الوطني، في سبيل رفع الراية الوطنية في المحافل الدولية، في الوقت الذي كان يلعب حينها في فريق رامس، الذي كان وقتها واحد من أقوى الأندية في فرنسا، وحتى في أوروبا بدليل أنّه واجه فريق ريال مدريد في أحد النهائيات الأوروبية.

ويعود بنا “عمّي محمد” إلى تلك المرحلة من خلال سرد كيفية التحاقه بفريق جبهة التحرير الوطني للمساهمة في استقلال الجزائر.
❊ الشعب: بداية كيف جاءت فكرة تكوين فريق جبهة التحرير الوطني؟
❊❊ محمد معوش: تبلورت فكرة إنشاء فريق جبهة التحرير الوطني، خلال مشاركة مجموعة من الطلبة الجزائريين في تظاهرة رياضية في عاصمة الاتحاد السوفياتي حينها بموسكو، وكان من بين الوفد الجزائري بمشاركة المناضل بومزراڤ، الذي لاحظ تأثير الرياضة حينها على الرأي العام في الجزائر وخارجها، خصوصا في ظل وجود عدد كبير من اللاّعبين الجزائريين، الذين يلعبون في مختلف الأندية الفرنسية. وبعد انتهاء هذه التظاهرة الرياضية، تبلورت الفكرة في ذهن بومزراڤ، لكنه بقي محتفظا بالفكرة في رأسه، دون أن يخبر أيّ أحد حفاظا على سرية الموضوع، قبل أن يتصل ببن تيفور وكان يلعب حينها في موناكو، وقد تحمّس بن تيفور كثيرا للفكرة بمجرد علمه بها.
❊ وأنتَ أين كنت في تلك الفترة؟
❊❊ كان حينها سنّي 22 سنة، وكنت لاعبا محترفا في فريق رامس الفرنسي، وكان ذلك في بداية 1958، وكنت أغادر كل نهاية أسبوع لقضاء بعض الوقت للترفيه عن نفسي، وفي إحدى المرات التقيت مع بومزراڤ الذي كنت أعرفه من قبل، وتبادلنا أطراف الحديث وقال لي أنّه على موعد مع مختار لعريبي، فذهبت معه وجلسنا مع بعض، لكنه لم يحدّثني عن أمر الفريق ولو بمجرد التلميح، لكنّه سألني عن موعد خروجي من الثكنة، فقلت له “أخرج مساءً مع نهاية كل أسبوع”، وبعدها التقيت به وكان معنا الدكتور مولاي في بداية جانفي 1958، وأخبرني بالموضوع وأكّد لي أنّ هدفه الأساسي من الموضوع هو إحداث ما يشبه الزلزال داخل فرنسا، وذلك لتقديم الدعم للثورة الجزائرية بطريقة معينة تساهم في لفت أنظار العالم نحو القضية الوطنية.
❊ كيف تمّ الاتصال ببقية اللاّعبين؟
❊❊ الاتصال ببقية اللاّعبين كان تدريجيا، وذلك لخطورة الوضع، فالحفاظ على سرية الموضوع كان مهمّا لنجاح الأمر، خصوصا أنّنا كنّا نعتمد على عامل المفاجأة، لكن الأمر الجميل أن جلّ اللاّعبين الذين تمّ الاتصال بهم لم يتردّدوا في قبول الأمر، والبعض منهم كان متحمّسا جدا لهذا الموضوع، رغم أنّهم كانوا يلعبون في أندية كبيرة في فرنسا.
❊ من هم اللاّعبون الذين شكلّوا النواة الأولى لفريق جبهة التحرير الوطني؟
❊❊ كان هناك أربعة في موناكو وهم: بن تيفور عبد العزيز، مصطفى زيتوني، عبد الرحمن بوبكر، بخلوفي قدور ولاعبان في تولور هما: براهيمي سعيد وبوشوك عبد الحميد، ولاعب في ليون وهو عبد الحميد كرمالي ولاعب في أونجي وهو عمار رواعي ولاعب في سانت ايتيان وهو رشيد مخلوفي ولعريبي في سات، وأنا في رامس.
❊ كيف تمّت عملية »الهروب«؟
❊❊ كان يجب أن تتمّ عملية »الهروب« سرا دون علم السلطات الفرنسية، وكانت الوجهة المتّفق عليها هي سويسرا، لهذا فكّر بومزراڤ في طريقة ذكية تسمح للفريق بالهرب إلى سويسرا دون علم السلطات الفرنسية، لهذا قام بالتخطيط للأمر بالتوازي مع رزنامة المباريات حتى لا يلفت الأنظار، وكان من المفروض أن يكون الأمر في جانفي 1958، لكن الأمر كان صعبا لأنّ الرزنامة لم تكن تساعد على ذلك، وبعد جانفي قام بومزراڤ بوضع اللمسات الأخيرة على الهروب، فكانت مقابلة موناكو مع أونجي ويتواجد فيها خمسة لاعبين، وكان مطلوب منهم التوجه مباشرة بعد المقابلة إلى إيطاليا. وهكذا جرى الأمر مع البقية، وكان من المفروض أن ألتقي ببعضهم في محطة القاطر في باريس 13 أفريل، فأخذت القطار وسافرت إلى سويسرا وذهبت إلى المقر الذي من المفروض أن ألتقي بهم فيه، وأخص بالذكر بومزراڤ، لكني لم أجد أحدا فعلمت أن هناك شيئا حدث، فأخذت القطار وعدت إلى باريس في اليوم الموالي، وصلت صباحا وهناك وجدت في إحدى الجرائد المعروضة صورة كل اللاّعبين الذين اتّفقت معهم أي فريق جبهة التحرير بالكامل ومعهم صورتي، وهناك عرفت أنّ هناك شيئا قد حدث، فلم يكن أمامي سوى أخذ القطار والرحيل مرة أخرى إلى سويسرا، ثم بعد ذلك توقّف القطار في الحدود بين فرنسا وسويسرا وصعد على متن القطار مجموعة من أفراد الدرك الفرنسي للقيام بالتفتيش، وأنا حينها كنت مطلوبا لدى السلطات الفرنسية بعد انكشاف أمرنا، وعندما وصل إليّ الدركي طلب منّي الوثائق فقدّمتها وتعرّف عملي وألقي عليّ القبض حينها، وقاموا باقتيادي إلى منطقة سان لوي أين كانت تتواجد ثكنة تابعة للدرك الفرنسي، وعوملت بطريقة لاإنسانية من طرف عناصر الدرك، وبقيت لمدة ثلاثة أيام بدون أكل أو شرب. وفي اليوم الثالث جاء إليّ دركي وكان من مناصري فريقي الذي ألعب فيه رامس الفرنسي، وأحضر لي الأكل والشرب وقام بتلبية كل طلباتي. وبعدها تمّ ترحيلي إلى سجن فرساي في باريس، وبقيت في زنزانة منفردة لمدة عشر أيام، وتم خلالها التحقيق معي حيث سألوني حتى على أخي وأين كان يعمل؟ وبعدها قاموا بترحيلي إلى النورماندي، وبقيت هناك لمدة 25 يوما. وخلال تلك الفترة زارني في السجن روبرت لودوهو رئيس فريق رامس، وكان روبرت لود ضد المعاملات التي كان يقوم الجيش الفرنسي، وهو الذي ساعدني في الخروج من السجن وإكمال الخدمة العسكرية.
❊ وبعدها أين ذهبت؟
❊❊ عدت إلى فريقي رامس، وكان ذلك في ماي 1959، أي قبل نهاية البطولة ولعبت معهم لمدة قصيرة، قبل أن ينتهي الموسم. وفي جويلية 1959 انتقلت مع فريقي إلى روسيا للتحضير لبداية الموسم الجديد، وفي نفس الفترة كان يتواجد فريق جبهة التحرير الوطني في روسيا أيضا، لكن أنا كنت متواجدا مع فريقي في موسكو بينما هم كانوا متواجدين في لينيغراد وقد علموا بوجود فريقي في روسيا من خلال الجرائد.
❊ ثم عدت إلى فرنسا؟
❊❊ نعم من أجل اللعب مع فريقي رامس في موسم 1959 ــ 1960، حيث انتقلت بعدها إلى اللعب في رادستار في باريس، وهناك التقيت مع بن عبد اللّه محامي جبهة التحرير الوطني، الذي طلب منّي إعداد قائمة اللاّعبين الذين بقوا في فرنسا تمهيدا لدخولهم إلى تونس، وكانت حينها زوجتي تعمل كاتبة في مكتب المحامي بن عبد اللّه، وقمت باعداد قائمة تضم بعض الأسماء التي بقيت في فرنسا، وكان من بينهم عمارة لاعب بوردو وكذلك جبايلي في نيم، وبعدها تمّ تسليم زوجتي جوازات السفر التونسية في جنيف في سويسرا، ثم قمت بجولة ماراطونية بسيارتي الخاصة أين وفي ظرف يومين جُلْتُ فرنسا تقريبا بأكملها من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها لإخبار اللاعبين بالأمر، وقمتت بهذه المهمة رغم صعوبتها وكان لزاما عليّ القيام بهذا الأمر لوحدي، ثم بعد ذلك كان المسار الذي يجب اتّباعه للوصول إلى تونس هو سويسرا، إيطاليا ثم روما، ثم استقلينا الباخرة، وفي 02 نوفمبر 1960 وصلنا إلى تونس.
❊ ما هي المحطّات التي مازالت تتذكّرها؟
❊❊ كل المحطّات التي مررنا بها كانت مهمّة، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بالسرد التاريخي، لأنّ هذا يعتبر مسؤولية كبيرة، لكن الأمر المهم بالنسبة لي هو أنّنا حقّقنا الهدف الذي كنّا نطمح في الوصول إليه وهو استقلال الجزائر.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)