النكبة الديموغرافية لمدينة برج الغدير على يد الدولة الفاطمية

يذكر المؤرخ أبو عبد الله البكري (ت 1094م) في كتابه المسالك والممالك عن مدينة برج الغدير جنوب ولاية برج بوعريريج: (نهر سهر الذي عليه مدينة المسيلة منبعثه من عيون داخل مدينة غدير واروا وهي مدينة كبيرة أولية بين جبال فيها عين ثرة عذبة عليها الأرحاء وعين أخرى، وتحتهما عين خرارة يقال لها عين مخلد تجتمع فيها، ومن هناك منبعث نهر سهر، وبمدينة الغدير جامع وأسواق عامرة وفواكه كثيرة وهي رخيصة الطعام واللحم وجميع الثمار، قنطار عنب فيها بدرهم، وسكانها هوارة يعتدون في ستين ألفا).
ومن خلال هذا النص الذي يعود للقرن 11م نستنتج بأن برج الغدير هي كلمة أمازيغية (غدير واروا) وتعني مدينة العيون الجارية، نظير مياهها العذبة الشهيرة منذ القدم، توفر المياه العذبة وبكثرة جعل بساتينها تفيض بالخضر والفواكه الطازجة، بل كان سوقها شهير ومقصود من مختلف المناطق خصوصا الدولة الحمادية بالمعاضيد، كما كانت موطنا لقبيلة هوارة البربرية، والتي كان يقدر عدد سكانها بحوالي 60 ألف نسمة، وهنا مربط الفرس.
اذا افترضنا بأن الأسرة الواحدة في المنزل كان بها حوالي 10 أفراد فيعني أن عدد منازل الغدير في ذلك الوقت كان في حدود 6000 منزل، وهو عدد مبالغ فيه نوعا ما لأنه لا توجد حاليا آثار عمرانية بهذا الحجم في هذه المدينة. إلا إذا كانت مدينة لملف الرومانية هي مقر تلك المنازل المخربة، والسؤال الآخر ماذا حل بهذه المدينة حتى اندثرت ساكنتها؟
الجواب نجده عند ابن حماد الصنهاجي (ت 1230م) في كتابه أخبار ملوك بني عبيد وسيرتهم، والذي يذكر عن برج الغدير وما حل بها من كارثة ديموغرافية على يد الشيعة الإسماعيلية، فقد تعرضت للإبادة من طرف الخلافة الشيعية الإسماعيلية بمساعدة زيري بن مناد الصنهاجي سوى لأنها ناصرت ثورة أبي يزيد بن مخلد، فتعرضت مدينة "غدير واروا" إلى التدمير، إذ يقول في هذا الصدد ابن حماد: (وبعث قيصر الفتى وزيري بن مناد الصنهاجي في جمع كثير إلى أهل غدير واروا وهي المتقدمة ذكرها، وهي على نحو الخمسة عشر ميلا من القلعة من الجهة الشرقية، وكان بناها وسورها لبني حماد مملوك لهم رومي يقال له بونياس - بونياش -، فقتلهم وسبى ذراريهم وأحرق ديارهم، وأظنه نقم عليهم أبا عمار الأعمى وأصحابه ...).
* الموضوع يستحق النبش أكثر وبعمق في مختلف المصادر التاريخية والجغرافية حول مدينة برج الغدير العريقة.