الجزائر

النظرة الخاطئة للاستعمار الفرنسي



النظرة الخاطئة للاستعمار الفرنسي
بقلم: عبد القادر حمداوي*الجزء الأخير*عزمت على القيام برحلة إلى الريف الجميل لأشاهد الطبيعة الخضراء وأسمع تغريد الطيور عقدت العزم على أن أقوم تجاه الضاحية لأطرح هموما أصدأت قلبي ولتهدأ نفسي من عفن الحياة في المدينة.وصلت القرية وإذا بالفلاحين الذين يفهمون معنى الريف... ويقدرونه حق تقديره ويعرفون قيمته رغم البؤس والفقر والشقاء والشيخوخة... ظهرت أمامنا عجوز نحيفة الجسم قصيرة القامة كلامها حكم وهادئة متزنة لا مثير لها إيمانها بالله يفوق درجات إيمان النساء والرجال مجتمعين في حياتها.لم تكن تبالي بالغنائم ولا بمتاع الدنيا بل ترتفع عن جمعها ألها أن تلقى الله نظيفة من موبقات الدنيا... فهي لا تقوى عن المشي.إذا أردنا أن نتعرف على موطن هذه القرية ونحدد موقعها فهي تقع جنوب بلدية شرشال واسعة الأطراف فإنه يصعب علينا أن نتذكر الحدود في وضع سلسلة من الجبال الغابية فذلك أمر لا سبيل إليه فبعضها يرجع إلى الناحية الجغرافية التاريخية التي لا زال يكتنفه الغموض والذي يحتاج إلى توضيح.لقد ذكرت المصادر التاريخية حدودها غربا وشرقا بمسالكها.لقد ألف الفلاحون هذه الحياة الهادئة المملوءة بالقناعة والرضا. فهمس خرير الماء في آذان صخوره وشمسه التي تقسو وتحنو وتشتد وتلين.فالمنطقة معروفة ببرودة شتائها الذي كان له تأثير كبير على تنوع مأكولاتها الشعبية فأهل القرية يدخرون في فصل الصيف كميات هامة من مشتقات الحبوب كالكسكسي والدشيشة والبركوكس لتقام بها برد الشتاء إلى جانب الخليع واللحم المجفف الموضوع فوقه الملح أما عن الخضروات والفواكه فسكان المنطقة يعتمدون على طريقة التعبير كتصبير الطماطم والفلفل والزيتون ويجعلون من الفواكه المتنوعة على غرار التفاح والإجاص والتين والمشمش والعنب مربى يعينهم عن المربى المعلب الذي يباع في الأسواق.ومن أشهر الأطباق طبق الشطيطحة والثوم وتعرف الطبيخة وهي أكلة مفضلة لدى الكثير من العائلات تحضر بالفول والأرز على شكل حساء والعصبان الذي يستهلك في الشتاء وطبق العصيدة الذي ينضج بتقديمه للأطفال.ومن الحلويات التي تتفنن في صنعها أنامل المرأة القروية المقروط وأطباق البغرير والمعارك على أن هذه الأطباق ونتيجة تغير الذهنيات ودخول مأكولات عصرية إلى المجتمع خاصة إذا علمنا أن من كان يحافظ عليها واليوم عجزت المرأة عن تحضيرها. لوفاة بعضهن أو عجز الأخريات إلى جانب عزوف النساء في تحضير مثل هذه الأطباق.والرجال تراهم في المتاجر الكبيرة الخاصة بالمواد الغذائية في المدينة يحملون كميات كبيرة من البضائع ويضعونها على دوابهم وهم يدخرون أكلة الأسبوع والذين يأكلون أكثر من حاجاته فهم أهل المدينة يتعجب الكثير من أمرهم ويسأل؟ هل يأكل الناس كل هذه الأغذية ؟يأكلونها فتصيبهم بالتخمة والسمنة والأمراض وسكان القرية يأكلون ما يكفيهم.فتمر بسيارة وتنفث كمية كبيرة من الدخان والمارة يكادون يختنقون فلا يوجد في القرية هواء نقى ونظيف فكثير ما يتشاجر الناس في المدينة في الطريق وفي الأحياء التي يسكنونها.لماذا هذا التشاجر والغضب؟الكل يبحث عن مكان يضع فيه سيارته فالكل يريد أن يؤثر على الآخر ويتعارك الرجلان ويقف المرء مذهولا كيف لهؤلاء الناس ذوي العقول أن يفشلوا في حل هذه المشاكل البسيطة فالكثير يتعجب من أحوال الناس!(في المدينة).فسكان القرية يعيشون لحظات في الصفاء والهناء واللعب والهدوء.فهم لا يطلبون الكثير ما قل ودل فكل في نشاط وجد وعمل صار طعامه أكثر نظافة فهو يعيش في كوخ يمتلك مجموعة من الأغنام يخرج بها يوميا في الصباح الباكر لترعى ثم يعود في المساء.وبعد أن يستريح يحلب الأغنام فيشرب من ألبانها ويهدي لجيرانه وأصدقائه من اللبن ويصنع بعض الأجبان ويذهب بها إلى السوق ليبيعها ويشتري ما يلزمه من أغراض إنه يتقن عمله ويؤدي حقوق جيرانه إنه شديد الإحسان فالعيش فيها أفضل من المدينة.فتيات يتهامسن ورجال يتهافتون دخان كثيف يتصاعد قدور وصحون تمتلئ بالطعام.فتيات بقامات مختلفة بملابس جديدة أياد تتسلل إلى شعرهن بعضن يلطخن قدمهن بالحناء ... فانفرط الجميع زغردت النساء تطيش العازبات على الدرابك دون أن تضع لحنا يلاحقها فترى المتزينات في الأعراس يجلجلن مع لحن البارود تعزفه أنامل الرجال والحاضرات(يتزعبلن) حولهم تهيج جنونها بالجاوي والنجور يطفأ الضوء ويصعد القمر.حاولت العجوز أن تتذكر خرجت ذات يوم وبيدها قفة صغيرة متجهة إلى السوق المجاورة للقرية وقد خارت قواها ولو لا أنها (المسكينة) اعتمدت على الجدار الذي كان بالقرب منها لسقطت مغشيا عليها رويدا رويدا وصلت إلى السوق الناس هناك في مجيء وغدو وهي على جدار الحائط مسندة ظهرها والعرق يتصبب على جبينها ماذا تشتري وكل شيء في المحلات أصبح يخضع لقانون فالأسعار في ارتفاع مستمر مدهش وفاحش وكل شيء للمعمرين ولأصحاب النفوذ رؤوس الأموال أما الفقراء أمثال هذه العجوز فعليهم أن يعودوا بذاكرتهم فقط إلى الوراء.حياة أخرىالأيام التي كان فيها اهتمام الدولة منصبا على رفع المستوى المعيشي والاجتماعي للفئات الدنيا.استدارت العجوز هنا وهناك ثم تحولت بقفتها جهة الباب الكبير لم تشتر شيئا سوى ربطة بصل وخبزتين أما الحلويات والدجاج واللحم فهذه المواد فهي كماليات لا تقوى على شرائها لم تتنرفز العجوز ولم تتورع ولم تقل أف رغم أنها عادت إلى بيتها الصغير الذي بني بطينة وحجر بناه زوجها وكان عندما يعود في المساء من الحرث يستلقي على ظهره ويشعر بأنه في وطنه أسعد أهل الأرض وكانت تشاركه الحياة البسيطة وهو كلما خرج للعمل أو الصلاة في المسجد المجاور عاد وفي نفسه شوق إلى العائلة الصغيرة التي تستقبله بالسرور فيزداد شعوره بأنه في قرية تكاد تكون مملكة كفيض بالخير الوفير.ولقد سمع بقدوم العدو الفرنسي إلى القرية منذ ذلك الحين شعر كثيرا بالقلق وكان شارد الذهن قليل الابتسام الزوجة لا تسأله عما به ... فهي تعرف أنه مقدم على أمر يتأرجح بين الحياة والموت...وبدأ يتأمل روعة الطبيعة بمناظرها الخلابة نظر عن يمينه ورأى جبالا مترامية الأطراف تعج فيها الأشجار إلى أن تعانق البحر في منظر فريد من نوعه نظر إلى يساره فإذا بحقول البساتين التي يتألف فيها اللون الأخضر واللون البرتقالي واللذان يعكسان بريق أشعة الشمس الذهبية ويزيدها هذا المنظر تألقا وجمالا. والريح تموج بالشجر يمينا وشمالا أما البحر العملاق الذي يتربع في الأفق فهذه المناظر البديعة لم تفارق لحظة واحدة سكان القرية فكيف للعدو أن يحتل هذه المنطقة وفي هذه الأثناء كانوا على أتم الاستعداد لمواجهة أي وضع مهما كان قاسيا.وقد ضاعف وكثف العدو الفرنسي هجماته على القرية وتضاعفت الاتصالات بالإطارات السياسية الكبيرة المقيمة بمليانة من أجل تدارس الأوضاع وتبادل الآراء حول قضايا بأنهم النضال والنظام حيث عزت الكثير من الزوايا بالمنطقة فأصبح طلابها مناضلين ومناصرين وكذلك الشأن بالنسبة لبعض شيوخها الذين بدؤوا يستعدون لتهيئة المواقع في الجبال.بعدما ساعدت هذه العوامل على انتشار الوعي الثوري لدى المواطنين وكتنمية الروح المعنوية والفضل يعود في ذلك إلى النشاطات السياسية المكثفة التي يشرف عليها بعض الإطارات وأشهر في ذلك: سي العربي وسي موسى ومحمد الذين يمتازون بقدرة كبيرة في ميدان التنظيم وبشخصية قوية جعلتهم محل احترام زملائهم المناضلين والمسؤولين.حانت الساعة الحاسمة لتفجير الثورة 1954وقد علم السكان فيما بعد بأن الاتصالات السرية التي يجوبها الشيخ العربي مع إطارات لإعداد الثورة المسلحة وقد حضر إلى عين المكان (حي الصوفي) الذي كان يأوي إلى نادر ... وقد كان العدو يعترف بأن كل مناضل في هذه المنطقة له خبرة عسكرية وقوة توازي رتبة ضباطه في الجيش الفرنسي واعترافه هذا كان على حق وكان مثلهم سي موسى شماين وسي حمدان وبن ضيف وسي فاشي بالقاسم وحيض روسي الصوفي ...كان الشباب المتحمس لحمل السلاح والانخراط في صفوف جيش التحرير الوطني. فيقف الزوج وقفة الإجلال والاحترام لهؤلاء الذين حملوا السلاح بعدما كان يتدرب عن كيفية استعمال السلاح فهو يعمل بجد ومثابرة على التحضير الحقيقي لتفجير الثورة وذلك بالبحث عن الأسلحة وإخفائها وتحضير الأموال وتدريب المتطوعين في سفوح الجبال على حرب العصابات...حان الوقت لوداع الزوجة والأولاد قبل أولاده وبلل شعرهم بدموعه ثم مضى إلى الجبل مع المجاهدين غاص في الغابة وهو يراها في غمامة من الدموع وامتدت يده إلى أسلحته يشدها ويقبلها.عادت زوجته إلى البيت تصبر نفسها عن البكاء حتى لا يراها أبناؤها وكانت تدور مخاوف كثيرة في ذهنها فالعدو لا يرحم شعرت بوحشية الليل وألم الوحدة قامت إلى الصلاة تتقرب بها إلى الله وتسأل له النصر وبعودة إلى الخفقان فيكاد ينفطر عندما يستيقظ الأبناء صباحا .... حانت ساعة الحسم تردد المشاركة في الثورة.هجم المجاهدون بالأسلحة على الأعداء ضحى الرجل بشبابه وحياته في سبيل أداء الواجب.وتم عقد عدة اجتماعات في مقهى بوعلام تحت إشراف سي بلكبير عبد القادر حضره العديد من قادة الأفواج وفي هذا الاجتماع توزعت المهام على مسؤولي تلك الأفواج وتعاهد الجميع على كتمان السر وعلى الإخلاص والتضحية والتفاني في العمل الثورة.ونفذت على الفور عمليات فدائية وتخريبية استهدفت مزرعة بمناصر وقطع أعمدة الهاتف والطريق والكروم المعمرين في عدة جهات من المنطقة ومليانة وشرشال.انطلق العمل الثوري والتخريب والقضاء على أذناب الاستعمار...منذ ذلك الحين انحصر نشاط المجاهدين في التدريبات العسكرية والأعمال التخريبية لمصالح العدو بالناحية وقطع الطرقات لمنع العدو من التحرك بسهولة وعمليات أخرى عسكرية شارك فيها مسبلو الناحية.أما العمليات الفدائية العسكرية تأخرت في التنفيذ بأسابيع قليلة حتى قامت بإشعال النار على العدو ومصالحه.لقد تم اختيار المجندين واغرورقت أعين البعض وفاضت من الدمع قرحا في هذه اللحظة بالذات قال الشيخ العربي لهم: بشرى لكم يا جيل ثورة التحرير لقد حانت الساعة المباركة التي كنا ننتظرها منذ أمد بعيد.وهاهي الجزائر تقم بدورها في تفجير ثورتها.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)