الجزائر

النجاح‮.. ‬كمفهوم منحرف‮..‬



النجاح‮.. ‬كمفهوم منحرف‮..‬
في‮ ‬معرض الجزائر الدولي‮ ‬للكتاب كما في‮ ‬معارض وطنية أخرى كثيرة،‮ ‬لاحظت،‮ ‬كما لاحظ،‮ ‬دون شك،‮ ‬الكثيرون والكثيرات،‮ ‬ذلك النوع من الكتب الرائجة التي‮ ‬تتحدث عن‮ "‬النجاح‮" ‬و"أسرار النجاح‮"...‬في‮ ‬عناوين لافتة مثيرة،‮ ‬مثل‮:‬"‬كيف تحقق النجاح؟‮"‬،‮ "‬أسرار النجاح‮"‬،‮ "‬42 ‬نصيحة للنجاح في‮ ‬الحياة‮"‬،‮ "‬دليل الناجحين‮"‬،‮ "‬كيف تحقق أهدافك؟‮"‬،‮ "‬خطط لحياتك‮"...‬بالطبع مع اكسسوارات لهذا الموضوع الكبير في‮ ‬شكل تفاصيل وتدقيقات ودليل عملي،‮ ‬ومن أطرف ما‮ ‬يمكن أن تقرأ في‮ ‬هذا المجال مثلا هذا العنوان‮ "‬كيف تكون مديرا ناجحا في‮ ‬سبعة أيام؟‮"‬،‮ ‬بل هناك عنوان أكثر طرافة‮ "‬كيف تكون مديرا متميزا في‮ ‬60‮ ‬دقيقة؟‮"..‬أي‮ ‬في‮ ‬ساعة واحدة فقط‮.. ‬وبالطبع‮ ‬يمكن لأي‮ ‬كان،‮ ‬ممن صغُر عقله أو تلاشى،‮ ‬أن‮ ‬يطمع فعلا في‮ ‬تحقيق مثل هذه الأوهام،‮ ‬وهو أن‮ ‬يحقق ما‮ ‬يتمنى من نجاحات من خلال وصفات تلك الكتب والكتيبات الأنيقة البراقة‮..‬الملاحظتان الجديرتان بالتسجيل هنا تتعلقان بأمرين اثنين أريد الإشارة السريعة إليهما‮:‬* ‬تلك الكتب تزرع بصورة‮ ‬غير مباشرة ثقافة‮ "‬الهف‮" ‬و"الكسل‮" ‬و"خذها طايبة‮".. ‬وقد فعل هذا فعله في‮ ‬آلاف العقول والنفوس التي‮ ‬صارت تنتظر فقط الفرصة لتقفز،‮ ‬وتركت وراء ظهرها العمل والسعي‮ ‬والكد‮.‬الأول‮: ‬تعميق وترسيخ مبدأ الاستسهال،‮ ‬فمن‮ ‬يقرأ تلك الكتب‮ ‬يُبرمج بشكل ما على‮ ‬"‬استسهال‮" ‬تحصيل النجاح،‮ ‬في‮ ‬أي‮ ‬شأن أو أمر،‮ ‬وهذا مخالف لطبيعة الحياة وللمنطق الرصين الذي‮ ‬يقول‮: ‬من طلب المعالي‮ ‬سهر الليالي،‮ ‬والذي‮ ‬يؤكد على قيمة الجهد والعمل كمبدئين أساسيين في‮ ‬الحياة،‮ ‬وكعنوان كبير في‮ ‬إثبات الوجود فردا وجماعة ومجتمعاً‮. ‬وبالتالي‮ ‬نخلص إلى أن تلك الكتب تزرع بصورة‮ ‬غير مباشرة ثقافة‮ ‬"‬الهف‮" ‬و"الكسل‮" ‬و"خذها طايبة‮"... ‬وقد فعل هذا فعله في‮ ‬آلاف العقول والنفوس التي‮ ‬صارت تنتظر فقط الفرصة لتقفز،‮ ‬وتركت وراء ظهرها العمل والسعي‮ ‬والكد‮.. ‬والواقع المرير خير شاهد على ذلك،‮ ‬وقد زخر هذا الواقع‮ ‬ب"قناصي‮ ‬الفرص‮" ‬و"صائدي‮ ‬النجاح‮" ‬بالخداع والكذب‮.. ‬فيما‮ ‬يعمّق شعب كالشعب الألماني‮ ‬مقولة‮: "‬المثابرة على العمل توأم النجاح‮" ‬ومقولة‮ "‬إن أردت أن تنجح فتعلم كيف تكدّ‮".. ‬بل أخشى أن أقول إن شيوع الغش،‮ ‬بمختلف أصنافه،‮ ‬هو نتيجة طبيعية لهذا النوع من ثقافة النجاح طبعة‮ "‬التعليم السريع‮" ‬على‮ ‬غرا ر‮ "‬إطعام سريع"؟الأمر الثاني‮: ‬أنه سرى من خلال تلك الكتب والكتيبات وبعض الأشرطة و"السيديهات‮" ‬مرضٌ‮ ‬فتاك‮ ‬يمكن أن نطلق عليه مرض‮ "‬ثقافة النجاح"؛ وهنا‮ ‬يجب التصويب بشكل جيّد،‮ ‬حيث انحرف مفهوم النجاح في‮ ‬حد ذاته وانصرف إلى مفهوم مادي‮ ‬محض،‮ ‬فقد صار النجاح في‮ ‬حد ذاته هدفا من الأهداف التي‮ ‬يصبو إليه الكثيرون والكثيرات،‮ ‬وأعيد التأكيد هنا أن النجاح مادي‮ ‬بحت‮.. ‬فالنجاح هو الحصول على شيء مادي‮: ‬منصب،‮ ‬تموقع،‮ ‬ترقية،‮ ‬فرصة،‮ ‬انزلاق نحو الأعلى،‮ ‬قطعة أرض،‮ ‬سيارة،‮ ‬فيلا،‮ ‬سكن‮.. ‬سكنات‮... ‬أي‮ ‬تنمية كل ماهو ذاتي‮ ‬وشخصي‮ ‬وأناني‮ ‬وذي‮ ‬صلة بشهوات وأهواء ورغائب الإنسان‮.. ‬وهذا المفهوم‮ ‬غريب كل الغرابة على منظومتنا الثقافية الإسلامية التي‮ ‬تؤكد على أن‮ "‬أحسن الناس أنفعهم للناس‮" ‬و"قد أفلح من زكَّاها وقد خاب من دسَّاها‮"..‬أي‮ ‬أن النجاح الحقيقي‮ ‬ليس هذا المفهوم الشائه الذي‮ ‬يزيد من فرص الإنسان الدنيوية ويقوي‮ ‬شهواته ولو كانت حلالا بل النجاح هو السعي‮ ‬في‮ ‬اتجاه الآخر،‮ ‬النجاح هو تجاوز الذات،‮ ‬هو العطاء،‮ ‬وهو تقديم كل ما‮ ‬يمكن للآخر المحتاج والمريض والضعيف‮.. ‬والمسكين‮.. ‬والمُقعَد‮.. ‬واليتيم‮.. ‬و‮...‬ممن تزخر بهم الحياة ونراهم كل‮ ‬يوم وكل ساعة ولا نبذل في‮ ‬سبيلهم شيئا،‮ ‬بل نسعى فقط للاستزادة من الخير لأنفسنا وما حولها‮. ‬لقد أوصلنا مفهوم النجاح بالشكل المروَّج له إلى أنانية بغيضة مستحكمة فتاكة،‮ ‬جعلت الحياة ساحة سباق محموم نحو‮ "‬الفوق‮" ‬المادي‮.. ‬الدنيوي‮.. ‬الزائل‮.. ‬الفاني‮... ‬فكثُر الانتهازيون والوصوليون والأفاكون والخداعون‮.. ‬واستحكم ذلك واصطبغت به حياتنا كلها،‮ ‬وهانحن نشهد نماذج له في‮ ‬السياسة،‮ ‬الثقافة،‮ ‬الاقتصاد‮... ‬ولا حول ولا قوة إلا بالله‮.‬




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)