الجزائر

الميركاتو حتى الشمبانزي يلعب الكرة



لا يبدي كلود غيان، وزير داخلية فرنسا، انزعاجا من قوله بتفوّق الحضارة الغربية على غيرها من حضارات الأمم الأخرى، ومنها الإسلام (..) مما فتح عليه أبواب جهنّم.. انتهت بواقعة مرّاح، الذي نفخ فيه إعلام باريس حتى اعتقد الناس أنّ هذا الفتى هو خليفة أسامة بن لادن، بل إنّ هناك من رأى في رمي جثته في البحر أفضل طريقة للتخلص من جثّته، مثلما فعل الأمريكان بزعيم القاعدة.. ويجزم الذين سمعوا غيّان يفاضل بين الحضارات، أنّ الرجل يخبّئ نزعة عنصرية تحت لسانه (..) وأنّه بالقياس مع ما يقول، يكون أساء لمنتخب فرنسا، لأنّ ثلاثة أرباع لاعبيه من السّود، فهل يجوز في الكرة ولا يجوز في الجوامع.. أي عندما تصلّي في الطريق لعدم كفاية مساحة المسجد يعدّ ذلك سلوكا منافيا للتمدن والحضارة، وعندما تلعب في قصر الأمراء وتحقق لفرنسا انتصارات هي بحاجة إليها، فذلك شيء رائع.. أي أنّ هناك عنصرية منتقاة، وعلى المقاس، وبالتقسيط. وأعتقد أنّه كاذب من يقول إن مانديلا قضى على الميز العنصري وهو الذي قضى ثلاثة عقود وراء القضبان، لأن الواقع يكشف أن حرب الألوان لم تضع أوزارها بعد حتى ولو تزوجت الحسناء أدريانا من النجم الفرنسي الأسمر كاريمبو ثم مارست عليه الخلع (..).. وكاذب من يقول إن اعتلاء باراك أوباما سدة الحكم في أمريكا سيقضي على النزعة العنصرية في بلد يشكل فيه البيض السّواد الأعظم من السكان والبقية كوكتيل أصفر على أحمر على زنجي على من لا لون له.. وليس أدل على ذلك من التصرف الذي أقدمت عليه صحيفة ''نيويورك بوست'' التي لم تتورع عام 2008 عن نشر رسم كاريكاتوري يصور أوباما على أنه شمبانزي.. وحين يحتج الأمريكيون من أصل إفريقي تكتفي الصحيفة باعتذار بسيط وكأن الأمر يحل بكلمة لطيفة من مدير الصحيفة أو صاحب الرسم، ولكن المسألة أبعد من ذلك فمالك الصحيفة النيويوركية الشهيرة ليس إلا روبيرت ميردوخ اليهودي الأسترالي الذي وضع يده على أقوى الصحف في العالم وراح يوجهها كيفما شاءت تل أبيب.. ولا غرابة أن ترتبط فضيحة ميردوخ بذكرى مرور مائتي سنة على مولد تشارلز داروين، وهو اليهودي الآخر الذي أسس نظرية النشوء والارتقاء ووصل إلى فرضية علمية مطلقة مفادها أن الانسان ليس كما ورد في الكتب السماوية والنواميس، وإنما هو عبارة عن تطور للكائنات وصل مستوى القرد أو الشمبانزي إلى دي كابريو وبراد بيت وبيكهام وإيتو.. إن العنصرية لن تتوقف عند هذا الحد ما دام في العالم من يرى أن هناك جنسا يسمو على الآخر، وأن ثقافة هتلر الذي رفض مصافحة البطل الأمريكي الأسود جيسي أوينس ما زالت سائدة في أذهان كثير من الخلق.. ولعل الذي تعرض له لاعب أولمبيك ليون جون منساح منذ سنوات في ملعب لوهافر من إهانات وصراخ عنصري ما يكشف عن الاحتقان والاحتقار.. فهذا اللاعب الذي وجد نفسه أمام شاب فرنسي لا يتجاوز عمره الحادية والعشرين لم يتوقف لحظة واحدة طيلة وجود اللاعب الغاني على أرضية الملعب من توجيه كلام عنصري وصيحات القردة، الأمر الذي جعل منساح يتخلى عن أعصابه أثناء المباراة فلم توقفه سوى البطاقة الحمراء.. وكان مسؤولو فريق ليون قد تحدثوا عن أنّ اللاعب قرر في بادئ الأمر ألا يلعب الشوط الثاني لكن مدربه أصر على أن يواصل منساح اللقاء لكن المدرب لم يقدّر حجم الغضب الذي كان يختزن اللاعب بعد أن شعر بأن كرامته تهدر أمام شاب طائش.. وذكر محامي اللاعب أن النجم الغاني اتخذ قرارا بالعودة إلى بلده حتى لا يسمع كلاما يؤذيه.. والنتيجة أن الشاب العنصري أودع ليلتين في الحبس وحكم عليه بدفع غرامة على أن يمثل لاحقا أمام المحكمة بتهمة العنصرية..  وكانت الرابطة الفرنسية الدولية المناهضة للعنصرية ومعاداة السامية قد أجرت في 2007 تحريات ميدانية مست 589 بلدية فرنسية تبين أن نصفها يعاني من وجود سلوك عنصري في المباريات المحترفة، ولأجل هذا كانت تدق نواقيس الخطر.. إلى أن ظهر المنظّر الأكبر لليمين المتطرف جان ماري لوبان الذي لم يتردد في القول إن فرنسا تشهد موجة استيطان على ترابها.. ويعني بذلك أن المهاجرين والوافدين إليها هم في ارتفاع متواصل رغم دعوة ساركوزي إلى الهجرة المنتقاة.. والكلّ يذكر لوبان وهو يقول صراحة إن منتخب فرنسا الحائز على كأس العالم 1998 بدءا بزيدان وانتهاء بتورام ليسوا فرنسيين لأنهم لا يحفظون كلمات النشيد الفرنسي.. والحقيقة أنني شخصيا قرأت هذا النشيد ووجدت أنه يتحدث عن العبيد وأشياء أخرى لا أظن أن تورام الذي دعاه ساركوزي في بداية ولايته إلى تقلد مسؤولية في حكومته سيفرح بنشيد لامارسييز.. إن مجد فرنسا صنعه أبناء المستعمرات القديمة.. فما جدوى الشطح العنصري الذي يسعى بعض تجار السياسة إلى عرضه في أسواق كاسدة لبيعها سلعا فاسدة.. ورغم كل هذا فإن التجنيد الذي دعا إليه قبل سنوات كاتب الدولة الفرنسي للرياضة لمواجهة العنصرية وتكليف اللاعب السابق الغاني الأصل مارسيل دوسايي ليكون سفيرا ضد العنصرية، فإن تصرفات كثير من أصحاب القرار تفسد المسعى الذي ترمي إليه الهيئات الرسمية خاصة بعد تفشي النزعة العنصرية في الملاعب وما تخلفه من متاعب.. وإذا عدنا إلى الشمبانزي ومنطق البيض الذين يعتقدون أنهم يسيئون بتشبيههم السود به، أقول بأنهم مخطئون. فمحمد علي كلاي وتايسون وكارل لويس هم من صنعوا أمجاد الرياضة الأمريكية.. ويكاد منتخب الديكة أن يتشكّل من فصيلة الشمبانزي بالمنطق الأمريكي العنصري. فالسود ليسوا في النهاية سوى أسود بشرية رائعة، وبيلي ورونالدو ورونالدينيو وميلا وجاي جاي وروبينيو ودروغبا وأديبايور كلهم من الطينة التي تعير بها ''نيويورك بوست'' أوباما الإفريكي أو الأمريقي.. ومعذرة إذا أخطأ داروين لأنه ولد قبل أن يشهد ميلاد الجلد المنفوخ.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)