الجزائر

المملكة تواجه هواجس أمنية تعيق تدفق الأجانب عليها السوق الجزائري.. رهان المغاربة لرفع إيرادات السياحة



ليس سرا أن المغرب بلد سياحي بالدرجة الأولى ويستقطب أعدادا كبيرة من السياح من شتى أنحاء العالم، كما أنه ليس غريبا أن البلد تأثر كثيرا بالاعتداء الإرهابي الذي ضرب مقهى بمدينة مراكش في الأشهر الأخيرة، ما أدى إلى تقلص عدد الزائرين للمغرب وبالضبط المدينة الحمراء (مراكش).  تزامنا مع تراجع رقم أعمال الفنادق والمتعاملين السياحيين، تحولت أنظار مجموعة من الوكالات السياحية المغربية إلى الوجهة الجزائرية للاستثمار فيها، لإعادة بعث السياحة في المغرب عن طريق تقديم خدمات جديدة ومتنوعة. وكانت الوكالة السياحية المغربية منهاج أسفار ، أولى الوكالات السياحية التي أطلقت حملة لتحفيز السياح الجزائريين على اختيار المغرب لقضاء عطلهم فيه، كما استهدفت الشركات والجمعيات لتشجيعها على تنظيم ندواتها ومؤتمراتها في المغرب بالموازاة مع تداعيات الاضطرابات التي تشهدها تونس التي كانت تشكل الوجهة الأولى للجزائريين.
وتكفلت وكالة منهاج أسفار بنقل ممثلين عن الوكالات السياحية الجزائرية إلى المغرب، لمعاينة ما وصفه ممثل الوكالة بطابع تميز الخدمات السياحية في المغرب، في إطار رحلة دامت أسبوعا، جعلنا خلالها الدليل هشام نكتشف المغرب من زاوية مغايرة للسابق ونتذوق مجددا رائحة توابله.
المدينة الحمراء تستعيد الروح تدريجيا
وصفت مراكش التي بناها السلطان يوسف بن تاشفين العام 1062، كعربون محبة لزوجته زينب النفزاوية، بالمدينة الحمراء، الفسيحة الأرجاء. وكانت مراكش عاصمة دولة المرابطين والموحدين والسعديين، كما شهدت المدينة تحديات كبيرة عبر تاريخها نجحت في رفعها، وتواجه الآن كابوسا أمنيا، إلا أن المدينة بدت، في الآونة الأخيرة، قريبة من التخلص من صدمة آثار الهجوم الإرهابي الذي كانت ضحية له يوم 28 أفريل من العام الجاري، وهو الهجوم الذي خلف 17 قتيلا و21 جريحا، عندما استهدف إرهابي مقهى أركانة ، بالساحة المعروفة باسم الفناء بواسطة حقيبة متفجرات تزن 15 كيلوغراما من المواد الناسفة، تحكّم فيها صاحبها عن بعد. ولم تبد المهمة سهلة، مثلما بدا لنا ونحن نتجول في شوارع الأحياء، بسبب صدى الاعتداء الذي أدى إلى تراجع محسوس لمداخيل السياحة في المدينة، وقد رمى أصحاب الفنادق والوكالات السياحية، تحت مظلة الملك محمد السادس، بكل ثقلهم لإعادة الحياة إلى المدينة، بإعلان حالة الطوارئ في هياكل استقبال السياح لمواجهة آثار الاعتداء الذي ألحق أضرارا ليس فقط بميزانيات العائلات المغربية، التي تشكل السياحة مصدرا أساسيا لقوتها، وإنما أيضا برقم أعمال المتعاملين السياحيين. ولجأ أصحاب الفنادق وشركات النقل إلى تخفيض الأسعار وبرمجة خدمات متنوعة وجديدة مرفوقة برحلات سياحية غير معهودة، كما عمد هؤلاء إلى إعادة الاعتبار للمواقع الأثرية والسياحية دون تجاهل تنظيم سهرات ومهرجانات في أكبر الفنادق والمطاعم للتلذذ بأشهى المأكولات الشعبية وسط حماية أمنية أكثر كثافة.
ونقل المغاربة، عند الحديث إليهم، أن الملك محمد السادس هو من أعطى أمرا بإقامة مقابلة العودة التي جمعت بين المنتخبين المغربي والجزائري، في إطار تصفيات كأس أمم إفريقيا (2012)، بالملعب الجديد بمراكش، لإعادة الاعتبار للمدينة، بعدما شهدت هجرة غير مسبوقة للسياح، بسبب الاعتداء الإرهابي. ويقول المغاربة إن الأجواء الصاخبة التي أحيطت بما قبل وبعد المقابلة الكروية بين المغرب والجزائر، ساهمت في عودة الروح إلى المدينة وأدت، حسبهم، إلى عودة السياح تدريجيا إلى المدينة الحمراء .
الرباعية في الذاكرة وفتح الحدود حديث الساعة
رغم مرور أزيد من أربعة أشهر على المقابلة بين المنتخبين المغربي والجزائري، إلا أن الجماهير المغربية ما تزال تتذكر أدق تفاصيل موقعة مراكش، ليس بسبب الأهداف الأربعة التي سجلها أسود الأطلس في مرمى الحارس مبولحي، وإنما لكون المنافس كان اسمه الجزائر.. كان يمكن أن تكون المقابلة عادية لو لم يكن المنافس اسمه الجزائر. وبصرف النظر عن النتيجة، فإن المواجهة سمحت بالتقاء جماهير البلدين وسط أجواء أخوية ، حسب عامل بفندق سوفيتيل بمراكش، جلبه الفضول للتحدث إلينا، بمجرد أنه تحقق أننا نحمل الجنسية الجزائرية، في وقت شدد زميله على ما وصفه بغياب العدالة في التصفيات كان الأجدر أن تسمح التصفيات بتأهل منتخبين اثنين، ودون مبالغة، فإن التأهل كان سيكون من نصيب المغرب والجزائر .. عبرت له عن شكري، كما تمنيت حظا سعيدا للمغاربة في النهائيات.
ولم يخف المغاربة، ممن صادفناهم، إعجابهم باللوحات الفنية التي رسمها أنصار المغرب والجزائر في شوارع مراكش، عندما كانوا يحتفلون سويا راجلين وأيضا على متن السيارات والحافلات، وهم يحملون رايات البلدين، مرددين أغان واحدة، وهي المرة الأولى التي يعرف فيها المغرب مثل هذه الاحتفالات، بمناسبة المقابلات الكروية التي لعبها الأسود ، ما يعكس، في تقدير المغاربة، عمق العلاقات الودية التي تربط الشعبين المغربي والجزائري. ولم تكن قضية الحدود البرية مستقلة عن حديث المغاربة عن أجواء الاحتفالات، حيث استغل هؤلاء الفرصة للدعوة إلى إعادة فتح الحدود البرية، وهي الدعوة التي لم تفارق لسان كل مغربي. والحديث نفسه تناوله معنا شرطي مغربي يعمل بالمطار، عندما عبر لنا عن مشاعره حيال قضية الحدود، ولم يخف الشرطي أمله في إعادة فتح الحدود البرية في أقرب فرصة، داعيا إلى تجاهل خلافات السياسيين.. تفهمت انشغاله وقلت له إن شاء الله ، قبل أن أستعيد جواز السفر بمجرد انتهائه من وضع ختم المطار عليه.
أشغال الترمواي تنغّص يوميات السكان
أفسدت أشغال الترمواي التي تشهدها مدينة الدار البيضاء حياة الراجلين، وبات صعبا على هؤلاء المرور على الأرصفة دون أن يضطروا إلى تغيير المسالك لتفادي التوغل في الورشات دون سابق إنذار. ورغم متاعب الأشغال، إلا أن المشروع يشكل مصدر افتخار المغاربة، باعتبار أن الأشغال يقوم بها مغاربة وليس أجانب، فيما تقتصر الخبرة الأجنبية على تفاصيل صغيرة.
ويتوقع هؤلاء أن يتم القضاء على مشكل النقل كليا في العاصمة الاقتصادية، بعد اكتمال الأشغال في الدار البيضاء التي تعرف نموا ديموغرافيا وتوسعا كبيرا للشركات متعددة الجنسيات، ما يهدد المدينة بآفات خطيرة، منها التلوث. كما يتوقع المغاربة اختفاء تدريجيا لحركة سيارات الأجرة بعد دخول الترمواي الخدمة. من جانب آخر، لا نكاد نمر بشارع واحد بالعاصمة الاقتصادية إلا ويثير الحضور الأمني فضولنا، مثلما كان عليه الحال بالنسبة لأشغال الترمواي، فكل الأماكن الحساسة تخضع إلى مراقبة أمنية مشددة، كما هو الشأن بالنسبة للسياح الأجانب، وخاصة اليهود الذين يأتون لزيارة المغرب بأعداد كبيرة، فقد علمنا أن اليهود لا تفارقهم أعين الأمن المغربي، بمجرد أن تحط أقدامهم بالمدينة وإلى غاية رحيلهم عنها. كما لا يمكن أن تغفل وأنت تتجول بالمدينة اعتماد إجراءات أمنية استثنائية أمام مبنى القنصلية الأمريكية، الذي يشكل المكان الأكثر أمنا في الدار البيضاء، وقد استدعت المتطلبات الأمنية إخلاء جانب من الطريق المحاذي للقنصلية من حركة المرور، لضمه إلى المنطقة الأمنية.
مسجد الحسن الثاني.. أعلى بناية دينية في العالم
تم بناء مسجد الحسن الثاني سنة 1987، بالدار البيضاء لافتقار المدينة لمعلم ديني، وقد عمد الملك الحسن الثاني إلى تشييد المسجد، ليجعل المدينة لا تختلف عن المدن الأخرى من ناحية القيمة الروحية، وكلف إنجازه 800 مليون دولار، كما أنجز جزء كبير منه فوق مياه المحيط الأطلسي إلى درجة أنك تتصور أن المسجد يطفو فوق سطح البحر. وتم إكمال بنائه ليلة المولد النبوي العام .1993 وتتسع قاعة الصلاة التي تتربع على الـ20 ألف متر مربع، لـ25 ألف مُصلٍ، إضافة إلى 80 ألف في الباحة. ويتوفر المسجد علي تقنيات حديثة منها السطح التلقائي (يفتح ويغلق آليًا) وأشعة الليزر التي يصل مداها إلى 30 كلم في اتجاه مكة المكرمة. ويعد مسجد الحسن الثاني من بين أكبر مساجد العالم، وترتفع مئذنته الأندلسية الطابع إلى 210 متر، وهي أعلى بناية دينية في العالم. واستعملت التقنية إلى أقصى الحدود خدمة للصناعة التقليدية المغربية القديمة في البناء، بفضل سواعد 2500 عامل و10 آلاف صانع تقليدي، وقد استغرق عمل هؤلاء 50 ألف ساعة. ويدخل بناء مسجد الحسن الثاني في إطار المعالم الدينية وأطوار تاريخها. ولم يخف ممثل وكالة منهاج ، القول لدى وصفه لنا المسجد من الداخل، إنه رغم ارتفاع تكلفة الإنجاز، إلا أن إدارة المسجد تفادت اعتماد أسعار تجارية للسماح لكل الزائرين باكتشاف المسجد الذي يتوفر على حمامات ومكتبات ومدرسة قرآنية، وقال إن الأسعار المعتمدة رمزية، وجاءت تبعا لتوصية الملك الراحل، بتكفل صندوق خاص تركه قبل وفاته لتغطية نفقات الصيانة والخدمات الأخرى.
مدينة أغادير.. سحر ينتظر الزوار
شهدت مدينة أغادير زلزالا مدمرا يوم 29 فيفري العام 1960 على الساعة 40,23، وكان أكثر الزلازل عنفا وتدميرا بدرجة 7,5، حيث قتل فيه حوالي 15 ألف شخص، كما جرح 12 ألف آخرين وترك ما لا يقل عن 35 ألف شخص بلا مأوى، وقدرت خسائره بـ290 مليون دولار. وإلى غاية اليوم، ما تزال آثار الزلزال شاهدة على حجم الدمار، مثلما لاحظناه عندما كنا نازلين من أعالي الجبل.
ولتفادي خسائر مماثلة، قررت السلطات المغربية عدم إنجاز أي بناية في المنطقة التي ضربها الزلزال مستقبلا، مثلما أكده لنا الدليل هشام، وقد شُيدت مدينة أغادير، 3 كيلومترات إلى الجنوب من الموقع الأصلي، بطلب من الملك الراحل محمد الخامس. ويذكر المغاربة المقولة الشهيرة للملك، عندما قال لأن حكمت الأقدار بخراب أغادير، فإن بناءها موكول إلى إرادتنا وعزيمتنا . وتكاد لا تصدق أن أغادير أضحت، في الوقت الحالي، مدينة عصرية ومختلفة تماما ودخلت سباق المنافسة مع مراكش على استقطاب السياح، بالنظر إلى موقع الفنادق التي شيد أغلبها على ضفاف الساحل الأطلسي.
غزل يطارد الجزائريين
يعاتب المغاربة كثيرا الجزائريين لاختيارهم تركيا لقضاء عطلهم فيها، بعدما تحولت تونس، التي كانت القبلة الأولى للجزائريين، إلى وجهة غير مفضلة، بسبب تبعات الثورة وتردي الأوضاع الأمنية بها. ويتمنى المغاربة أن يحوّل الجزائريون أنظارهم قريبا نحو المغرب. وفي هذا الخصوص، لم يخف مسير عام وكالة منهاج ، نور الدين الأحمدي، أن الأسعار التي تقترحها وكالته في متناول كل العائلات الجزائرية، كما أكد أن الخدمات التي يعرضها في مختلف أرجاء المغرب تتناسب مع كل الأذواق. ودعا مسؤول منهاج إلى إطلاق مبادرة تحسيسية لجعل المغرب الوجهة السياحية الأولى للجزائريين، واعدا باختفاء كل أوجه التقصير مستقبلا، وهو ما أكده أيضا ممثل الوكالة المغربية في الجزائر، عبد الحليم ياسف، الذي لفت الانتباه إلى أن برنامجا خاصا يسوّق، حاليا، مع الوكالات الجزائرية، بمناسبة الاحتفال برأس السنة.
واعتبر المتحدث، في اجتماع دعا إليه المتعاملون السياحيون الجزائريون بمدينة أغادير، أن المغرب بحاجة إلى تنويع مصادره المالية، وتبدو السياحة، في تقديره، رهانا مربحا، من شأنه أن يفتح الباب لإقامة علاقات جديدة في إطار شراكة بعيدة المدى بين المتعاملين المغاربة والجزائريين.
من جهته، لم يخف رئيس الفيدرالية الجزائرية للوكالات السياحية، حسن قداش، أن السياح الجزائريين، أصبحوا يلحّون على الأسعار وجودة الخدمات، ملفتا النظر إلى أنه ليس غريبا أن المغرب يحسن استقبال الجزائريين، مبديا استعداده لنقل صورة إيجابية حول جودة الخدمات والفنادق وبقية الخدمات المرتبطة بالرحلات السياحية للوكالات السياحية في الجزائر، إلا أنه اعتبر أن غلاء تذاكر السفر جوا يشكل العائق الأول لرغبة الجزائريين في زيارة المملكة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)