الجزائر

المركز التجاري بالأبيار ''يحتضر'' تراجعٌ في إقبال الزبائن وأصحاب المحلات ينتظرون التعويض



المركز التجاري بالأبيار ''يحتضر''                                    تراجعٌ في إقبال الزبائن وأصحاب المحلات ينتظرون التعويض
اعتقدنا أننا ضللنا الطريق أو وصلنا إلى العنوان الخطأ، عندما دخلنا من بوابة المركز التجاري بالأبيار في العاصمة، نظرا لما صادفناه من محلات موصدة وحركة تكاد تختفي من أروقة المركز وزواياه. وجدنا العم كمال بابتسامة دافئة تخفي وراءها حسرة أكثر من 30 سنة من العمل قضاها، في محله المتواضع، يمارس حرفة الخياطة والترقيع، ليعيل من مواردها عائلته.
قد كانت حالة التجار، لدى وصولنا إلى المركز، متشابهة، بعدما التفوا حولنا ليؤكدوا أن الوضع تغيّر، وأن المركز التجاري بالأبيار ''يحتضر''.
كان البيع، في السنوات الماضية، وحجم إقبال الزبائن يمكّن أصحاب المحلات والمؤجّرين من تغطية نفقات الضرائب والعمال وغيرها من المصاريف، رغم أن المداخيل كانت شحيحة، بعد تغيّر الأوضاع، حيث أكّد التجار أن النشاط بالمركز شهد تراجعا كبيرا بعد سنة 2004، حينما انطلقت المؤسسات الرسمية في الإحاطة به من كل ناحية. وأبدى هؤلاء تخوّفهم من إمكانية ترحيلهم إلى منطقة أخرى قد لا تساعد نشاطهم، أو إرسالهم إلى محلات متفرّقة بالعاصمة، قد لا تستوفي شروط نجاح العمل التجاري.
وقال العم كمال، 51 سنة، إن المشاريع الجديدة لم تخدم التجار، ذلك أنها حوّلت المنطقة من ''شعبية'' إلى منطقة ''رسمية'' محمية من طرف الأمن، مشيرا إلى أن الإجراءات الأمنية المشدّدة، على مداخل المجلس الدستوري والمجلس الإسلامي الأعلى وإقامة القضاة، حالت دون تمكّن الزبائن من زيارة المنطقة بنفس الكثافة كالسابق، خاصة وأن أصحاب المركبات يُمنعون من ركن سياراتهم بجوار المركز، وهو عامل آخر ساهم في عزوف الزبائن عن المكان نظرا لعدم تمكّنهم من التوقّف بجواره.
العم كمال احمرت عيناه بعدما سألناه عن وض ع المركز سنوات افتتاحه، وقال، بكلمات متقطعة، تحسّر فيها على الأيام الخوالي: ''الأمور تبدّلت والعقليات تغيّرت. في السابق كنا عائلة واحدة، أما الآن، بعد دخول تجار جدد أجّروا المحلات أصبحت هناك مشاكل كثيرة''. وأوضح أن المركز كان يعجّ بالزوار، نظرا لما كان يعرضه من منتجات وخدمات متنوعة، وأضاف أنه كانت هناك بعض المحلات التي تبيع الخضر والفواكه، ومحلات أخرى تبيع اللحوم، ومحلات لبيع الملابس بأنواعها، في نظام وتناسق تام، وهو ما كان يشجّع، حسبه، الزوار على ارتياد المركز. وقال إن نوعية الملابس التي تباع فيه كانت تستورد من الخارج، على غرار فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وكذا تركيا. وقد واجهنا العم كمال بضحكة عريضة قائلا: ''هل تعتقدون أن الملابس التركية صارت تباع الآن فقط. نحن، في السابق، لم نحتج إلى ''نور'' و''مهند'' ليدلّونا على الملابس التركية، كنّا نطلبها وحدنا من الباعة''.
وأضاف محدّثنا أن أروقة المركز كانت تعجّ بذوات ''الحايك'' المرمّى ونصف المرمّى وصاحبات ''العجار''، اللواتي يصطحبن بناتهن لاقتناء ما يلزمهن للزواج، فيما يهتم الرجال بملء القفف. وأوضح محدّثنا أن الحياة أيضا تغيّرت، حيث أكّد أنه، في السابق، كان رب العائلة يأتي مشيا من منطقة شوفالي أو بوزريعة ليقتني ما يحتاجه من السوق ثم يرجع إلى منزله، في حين أن الوسائل الحديثة اليوم أصبحت توصل الشخص حتى باب المركز، وهو ما يوجب على الباعة توفير موقف خاص بالزبائن، وفي حال كان الموقف غير متوفر ينصرف الزبائن إلى مراكز أخرى، التي توفّر شروطا أفضل للزبون، على كثرتها في العاصمة اليوم. مبرزا أنه، كحرفي، لم يتأثّر كثيرا بالوضع، لأنه حافظ على زبائنه منذ سنوات، رغم أن بعضهم قد غيّر مكان إقامته.
وأضاف أن الفوضى التي أصبحت تميّز المركز، بعد ارتفاع عدد المحلات به، ودخول الغرباء على المهنة إلى المجال، أساءت إلى سمعته وسط الزبائن، خاصة وأن بعض الباعة أصبحوا يبيعون سلعا مقلّدة وأخرى صينية على أنها سلع أصلية، وهو ما جعل الميزة التي كان يُعرف بها السوق، عبر كافة أرجاء الوطن، تختفي مع الوقت. المتوجّه إلى المركز اليوم، حسب العم محمد، الذي تحصّل على محله سنة 1985، وبدأ النشاط به سنة 1989، لا يجد تلك الحركية الكثيفة للزبائن التي كان يعرفها السوق سنوات افتتاحه الأولى. وقد وقفنا، في جولة عبر أروقته، على حجم الركود الذي بات يعرفه العمل التجاري في المكان، حيث كانت نصف المحلات مغلقة. كما اشتكى التجار من تراجع إقبال الزبائن وتراجع المبيعات، نظرا للتحوّل الحاصل في طبيعة المنطقة. وأضاف العم محمد أن غلاء المعيشة وتغيّر أولويات الحياة لدى الزبائن أثّر بصفة مباشرة على الحركة التجارية في المكان. مبرزا أن الارتفاع الكبير الذي تعرفه أسعار المواد الغذائية، وعلى رأسها الخضر والفواكه واللحوم، وكذا أسعار الكراء وارتفاع أسعار الخدمات العمومية، على غرار فواتير الكهرباء والمياه، جعل شريحة كبيرة عاجزة عن الاحتفاظ بعادتها في اقتناء الملابس الأصلية، أو ما يعرف ب''الفريفة''، وفضّلت التوجّه نحو اقتناء السلع الوطنية أو الصينية. كما أضاف التاجر موسى أن غلاء المعيشة جعل العائلات الجزائرية تعزف عن اقتناء ملابس ''الفريفة''، مرجعا السبب إلى الظروف الاجتماعية التي باتت لا تمكّن العائلات من تغطية المصاريف الأساسية في الغذاء والمدرسة وغيرها بصفة عادية، ما جعلها تستغني عن الكثير من العادات التي واظبت عليها منذ سنوات. وأضاف أن ''الناس لا يتمكنون من إسكات جوعهم، كيف سيقبلون على شراء الملابس المستوردة الأصلية؟''.
ومع فتح العديد من المراكز التجارية الراقية في العاصمة، لفت مسعود إلى تأثيرها على حجم الإقبال في المركز، حيث أصبحت توفّر، بدورها، نفس السلع وبنفس الجودة والسعر، ناهيك عن قيام بعض المالكين بافتتاح محلات أخرى لهم بها، وهو ما دفع ببعض الزبائن إلى تغيير وجهاتهم. الإجراءات الأمنية المشدّدة خارج المركز التجاري أدّت إلى نفور الزبائن، حسبما أكده لنا التجار، حيث يتعرّض الزبائن، حسب أقوالهم، إلى مساءلات من طرف رجال الأمن، والمنع من التوقّف خارج المركز، في ظلّ عدم توفّر موقف نظامي بديل يمكّن الزبائن من ترك سياراتهم آمنة، والتوجّه لاقتناء ما يرغبون فيه. وأضاف محدّثونا أن بعض المسؤولين والعمال، في كل من المجلس الإسلامي الأعلى ومدرسة وإقامة القضاة والمديرية العامة للسجون، وغيرهم من العمال الذين يتوافدون غالبا من خارج العاصمة، يقومون بركن سياراتهم داخل المركز ويتوجّهون لقضاء انشغالاتهم، وهو ما يعيق عمل التجار ويزعج الزبائن، حيث أشار التجار إلى أن دخول الغرباء إلى المركز وركن سياراتهم به يهدّد أمن وسلامة التجار ومحلاتهم، ورغم ذلك، يضيف هؤلاء، نُلزم بدفع الضرائب، رغم كون التجار من أبناء الشهداء وأبناء المجاهدين وعائلاتهم.
وأكّد التاجر مصطفى على ورود معلومات للتجار تفيد بترحيلهم إلى موقع آخر بعد افتتاح كلية الطب، واستغلال المساحة لإنجاز مشروع عمومي تابع للدولة، حيث أكّد المتحدّث أن أصحاب المحلات لا يعارضون فكرة ترحيلهم، إلا أنهم يشترطون ترحيل السوق كاملا إلى مكان واحد، مبرزا أن ترحيلهم بصفة متفرّقة سيقضي على ميزة السوق، وسيتسبّب في تضييع الزبائن المتبقين. وقال إن هذه المعلومات وردت بعد توقّف وزارة العدل عن متابعة التجار قضائيا، دون إصدار أي حكم في القضية، حيث حرّكت ذات الوزارة دعوى ضد التجار سنة 2009، تطالبهم فيها بمغادرة المركز، نظرا لكون الأرضية التي شُيّدت فوقها المحلات ملك للوزارة، حيث تمّ استدعاء التجار وشرع المحضرون القضائيون في معاينة المحلات، واستمر الخلاف، يضيف مصطفى، إلى أن تدخّلت البلدية التي أظهرت الوثائق القانونية الممنوحة للتجار، من رخص البناء وعقود، ''لتتوقّف بعدها مجريات القضية منذ حوالي سنة، دون إصدار أي حكم لصالح أصحاب المحلات أو وزارة العدل''، وأردف أن المتابعة القضائية تحرّكت بعد الشروع في إنجاز مبنى المجلس الدستوري مباشرة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)