مر العالم كله بإعادة صياغة لحالة المرأة في المجتمع في أزمنة مختلفة، فالعلاقة التسلطية للذكر مع الأنثى - بما فيها اعتبارها أملاكا منقولة - كانت موجودة حتى في أوروبا، ومنذ فترة ليست بالبعيدة استطاعت أن تنتزع حق الانتخاب هناك، وباستطاعتنا قول الشيء نفسه عن الصين قبل الثورة الثقافية، وفي إطار العالم العربي نعرف أن المرأة العربية عموما مرت بأطوار متشابهة من ناحية حقها في التعليم والخروج للحياة العامة والعمل، لذلك كله، ليس هناك أمر خاص بالمرأة في الخليج عدا تأخر إعطاء المرأة حقوقها وإصلاح العلاقة التسلطية عليها، وهذه المجتمعات الخليجية خاضت صراعا حادا منذ عقود - تختلف بحسب كل دولة - فقط لتتعلم المرأة في مدارس نظامية.العولمة بكثافة الاتصال والتأثر المتبادل اليومي نقلتنا لنمط جديد من العيش، أمر لا يمكن التحكم في معدلات التغير فيه فلم يعد من الممكن التفكير في قضية مصطلحات مثل ”التغريب، التحصين” التي يجب أن ننتبه إلى أنها مداخل للتفكير كانت تنتمي لفترة من تاريخ العالم حيث يمكن التحكم في التأثر المتبادل بين الناس على وجه المعمورة بشكل كبير.. ولذلك نجد أنفسنا اليوم أمام جيل جديد من النساء ينمو ويتفتح ذهنيا على العالم، ويقارن عبر الإعلام أو دراسته في الخارج بين أنماط العيش هنا وهناك. عشرات الألوف من الطالبات يجربن حياة مستقلة نتيجة عيشهن في الغرب سنوات متتالية للدراسة. وأصبح كل من الشاب والفتاة معنيا جدا ببناء شخصيته المستقلة وإعطاء معنى خاص لحياته. هذه النظرة الجديدة للذات مهمة جدا لتوقعاتهم المستقبلية لا يمكن تجاهلها ببساطة تحت دعوى الخصوصية في عالم مفتوح على بعضه كعالمنا اليوم. ومن يتابع لغة كثير من الفتيات هذه الأيام في شبكات التواصل الاجتماعي سيجد روحا فيها بعض الغضب المكتوم، غضب يعبر عن الفارق بين وعيهن بذواتهن وموقعهن في التنظيم الاجتماعي القائم. ويدور كثير من هذا الغضب حول استقلالية كيانية المرأة في دول حديثة كالتي نعيشها اليوم شئنا أم أبينا، ولانتهاك هذه الاستقلالية تعبيرات مختلفة. بدءا من جعلها عالة على الرجل في كثير من التعاملات الحكومية، ومرورا بعدم قدرتها على التنقل داخل كل مدينة إلا بواسطة رجل لعدم توفر مواصلات عامة أو قيادتها للسيارة، يضاف لذلك شكل العلاقة الزوجية المختل، هذه العلاقة المختلة في طريقة إنشائها وفي نمط العلاقة والتسلط داخلها، وأيضا ما يتعلق بقضايا الطلاق والحضانة.. هنا نحتاج أن نراجع بعض المفاهيم الفقهية بما يتوافق مع كرامة الإنسان التي اتفقت عليها جميع الأديان.
سبق أن اعترض جزء من مجتمعاتنا على تحديثات في هذا الملف - كتعليم المرأة وابتعاثها للخارج وعملها- وفق افتراضات ومخاوف مبالغ فيها كانت تريد أن تعطل استحقاقات إنسانية هامة، وثبت بعد المضي في هذه التحديثات أن هذه الافتراضات تمت المبالغة فيها في ملفات لا تحتمل هذه المساومات على حساب حقوق أساسية لشريحة ضخمة من المواطنين. من أجل هذا نقول إنه حان الوقت للمضي أماما في استكمال التغيير وأن نكون بمستوى تطلعات هذا الجيل الواعد من نساء الخليج.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 06/10/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : طارق المبارك
المصدر : www.al-fadjr.com