الجزائر

المدير العام لإدارة السجون:‏مستوى مراعاة حقوق الإنسان في المؤسسات العقابية مرض جدا



جاء زحف المظاهرات الشعبية بقيادة جبهة التحرير ليعبر عن وحدة الوطن والتفاف الشعب حول الثورة مطالبا بالاستقلال التام، حيث خرجت مختلف الشرائح في تجمعات شعبية في الساحات العامة عبر المدن الجزائرية كلها، ففي العاصمة عرفت ساحة 1 ماي كثافة شعبية مجندة وراء العلم الوطني وشعارات الاستقلال وحياة جبهة التحرير، وعمت شارع ديدوش مراد وتوزعت المظاهرات في الأحياء الشعبية كبلوزداد وديار المحصول وباب الوادي والحراش وبئر مراد رايس والقبة وبئر خادم والقصبة وغيرها واتسعت المظاهرات إلى باقي المدن كوهران، الشلف، قسنطينة وعنابة وغيرها وبنفس الشعارات ودامت لأكثر من أسبوع.
أصيبت السلطات الفرنسية بحالة من الارتباك لجأت بعدها إلى استخدام واسع للقوة لقمع هذه الانتفاضة، وبالمناسبة ألقى فرحات عباس في 16 ديسمبر 1960 خطابا في شكل نداء أشاد فيه ببسالة الشعب وفضح فيه للعلن وحشية وغطرسة الاستعمار وكان هذا الخطاب نتيجة للانتصار السياسي الواضح للجبهة على حساب سياسة ديغول والمعمرين معا.
بينت المظاهرات الشعبية حقيقة الاستعمار الفرنسي الإجرامية وفظاعته أمام العالم وعبرت عن تلاحم الشعب الجزائري وتماسكه وتجنده وراء مبادئ جبهة التحرير الوطني والقضاء على سياسة ديغول المتمثلة في فكرة ''الجزائر جزائرية'' وفكرة المعمرين ''الجزائر فرنسية''. أما على المستوى الدولي فقد برهنت المظاهرات الشعبية على مساندة مطلقة لجبهة التحرير الوطني واقتنعت هيئة الأمم المتحدة بإدراج ملف القضية الجزائرية في جدول أعمالها وصوتت اللجنة السياسية للجمعية العامة لصالح القضية الجزائرية ورفضت المبررات الفرنسية المضللة للرأي العام الدولي، وهكذا اتسع نطاق التضامن مع الشعب الجزائري عبر دول العالم، وفي فرنسا نفسها وخرجت الجماهير فيها بمظاهرات تأييد للقضية، كان لها تأثيرها على الدول لتدخل فرنسا في نفق من الصراعات الداخلية والعزلة الدولية الأمر الذي أجبر ديغول على الدخول في مفاوضات مع الجبهة الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجزائري.


دعت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم إلى ضرورة إعطاء مظاهرات 11 ديسمبر الأهمية التاريخية التي تستحقها من خلال فتح ورشات للدراسة والبحث في هذه المرحلة التاريخية مطالبة بصياغة قانون أساسي للأطفال الذين استشهدوا في أحداث ديسمبر، بما في ذلك الأطفال الذين أصيبوا في تلك الأحداث، وهضمت حقوقهم التعويضية، إلى جانب ضرورة فتح تحقيق لمعرفة العدد الحقيقي للأطفال المشاركين في هذه المظاهرات التاريخية التي أثبتت للعالم قدرة الشعب الجزائري على المطالبة بحقوقه.
وقالت المحامية خلال ندوة صحفية نشطتها، أمس، بمنتدى يومية ''المجاهد'' في إطار إحياء مظاهرات 11 ديسمبر، أن الجزائر لا تملك إحصائيات حول العدد الحقيقي للأطفال ضحايا مظاهرات 11ديسمبر لذا كان لابد من إعطاء هذه المرحلة التاريخية المهمة في الثورة الجزائرية، بفتح المجال للبحث في أحداثها وإدراجها ضمن البحوث التي يقوم بها الطلبة عند عند إعداد الرسائل الجامعية.
وتأسفت المحامية للتهميش الذي عرفته هذه الحادثة الممتدة من 11ديسمبر إلى غاية 12 ديسمبر من طرف الباحثين معترفة في نفس الوقت بأنها تتميز بقلة الوثائق وصعوبة الوصول إلى المعلومة عن وقائع حدثت بتلك الفترة التاريخية التي عبر فيها الشعب الجزائري على أنه شعب واع سياسيا ولا ترضيه غير الحرية كمطلب أساسي بدليل أن المظاهرات شارك فيها عدد كبير من الشباب والأطفال والنساء الذين خرجوا من كل الأحياء الشعبية رافعين الأعلام الجزائرية ومطالبين بالاستقلال.
وتطرقت الأستاذة بن براهم في حديثها إلى مظاهرات 11 ديسمبر بإسهاب، حيث قالت ''إن الجنرال ديغول ظن بإطلاقه مشروع الجزائر جزائرية أنه من خلال تأمين بعض الرفاهية للجزائريين والتكفل ببعض مشاكلهم الاقتصادية سيتمكن من جعلهم يتخلون عن مطالبهم بالاستقلال كحق مشروع وأن هذا المشروع قوبل بالرفض من طرف بعض الفرنسيين الذين دخلوا في مواجهات عنيفة مع بعض الشباب الجزائري فتحولت القضية إلى صراع ومواجهات وقتل طفل ورجلان في بدايتها لتمتد المظاهرات في كافة الأحياء الشعبية والتي عرفت فيها القصبة أكبر حصيلة من الشهداء.
وأكدت السيدة بن براهم أن خروج الشعب الجزائري في مظاهرات سلمية  لم يكن بناء على استجابة للنداء الذي رفعه الآفلان وقتها، وإنما كان خروجا  ''للشعب الجزائري تعبيرا عن الوعي السياسي الذي يتمتع به''، وتضيف المتحدثة إن الشعب الجزائري هو الوحيد الذي اعتمد على المظاهرات التي استمرت على مدار ثلاث أيام لإيصال صوت الجزائر إلى المحافل الدولية  وكشف عن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي تمارسها فرنسا الاستعمارية ضد شعب قرر العيش في دولة مستقلة.
وفي سياق متصل حيت المحامية بن براهم جريدة ''المجاهد'' التي تعتبر من بين المراجع التاريخية التي اعتمدت عليها للاطلاع على بعض الحقائق التاريخية التي تخص مظاهرات 11 ديسمبر حيث قالت ''كان للإعلام إبان الثورة التحريرية أهمية كبيرة في تسجيل بعض الحقائق التاريخية التي من خلالها تم الكشف عن الجرائم البشعة التي اقترفها المستعمر الفرنسي في حق هذا الشعب الجزائري الأعزل التواق إلى الحرية والاستقلال.
وقالت المتحدثة إن فرنسا كانت من أكثر الدول خرقا الاتفاقية الدولية لحقوق الإنسان بالنظر إلى حجم العتاد العسكري الثقيل الذي اعتمدته لصد المظاهرات التي شملت كل أحياء العاصمة، حيث كانت تطلق النار على الأطفال والنساء العزل.

استحضر الفنان الكبير محمد العماري، مع ''المساء''، ذكرياته عن مظاهرات 11 ديسمبر ,1960 مؤكدا أن ديسمبر يبقى منقوشا في ذاكرته ولا يمكن أن يمحوه الزمن ولا حتى التقدم في السن.
يقول العماري ''كنت حينها شابا يافعا دخلت المظاهرات بكل اندفاع نتيجة حماسي الذي كان سمة كل الجزائريين حينها ووجدت نفسي وكأنني أسبح وسط أمواج من البشر من حي ديار المحصول ( صالامبي سابقا) حتى حي بلوزداد ( بلكور سابقا) كنت أردد الهتافات الوطنية. وأحيانا أغني أنا وغيري بعض الأناشيد التي تعلمناها حين كنا منخرطين في الكشافة الإسلامية''.
ما سجلته ذاكرة العماري هو ارتباط ولحمة الشعب الجزائري حينها إذ كان يبدو كالجسد الواحد بما أظهره في كامل قوته واتحاده خاصة على الصعيد الدولي وكانت تحدث مواقف إنسانية لا تصدق حتى أمام بطش قوات الأمن الفرنسية التي بدورها لم تكن تصدق ما تراه.
ديسمبر جعل العماري يستحضر بعض ذكرياته مع الوطنية وثورة التحرير، حيث فتح عينيه -كما يقول- على مبادئ حزب الشعب الجزائري وبنظامه المحكم الذي كان حاضرا بكل القصبة مسقط رأس العماري لذلك كان منذ الطفولة يكتب مع أقرانه الصغار على جدران القصبة ''تحيا حزب الشعب''، علما أن المناضلين والعائلات كانوا يوفرون للصغار الطلاء للكتابة على الجدران.
انخرط العماري في الثورة وألقي عليه القبض في أوت 1957 وكان عمره  لا يتجاوز الـ17 سنة ونصف وعندما أطلق سراحه عاد للثورة من خلال الالتحاق بمنطقة وهران ثم معسكر.
حب الوطن وذكريات ثورته كانت المادة التي صقلت العماري في شخصيته وفنه حتى بعد الاستقلال وظل يردد أغاني وطنية عديدة منها القديمة التي كان يرددها طفلا بالقصبة.
للتذكير، فقد صدر في أكتوبر الفارط كتاب للعماري عنوانه ''قصبة دونور'' ضمنه ذكرياته وأهم محطات حياته الشخصية والفنية، منها نشاطه الفني في الخمسينيات بسينما الجمال بحي سوسطارة وهو المقهى الذي زاره الراحل فريد الأطرش وسامية جمال.

أكد المدير العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج السيد مختار فليون، أمس، أن مستوى مراعاة حقوق الإنسان داخل المؤسسات العقابية ''مرض جدا''. مضيفا أن المؤسسات العقابية في الجزائر تحترم حقوق الإنسان في معاملتها للأشخاص المحرومين من الحرية.
وقال السيد فليون في تصريح لوكالة الانباء الجزائرية إن حقوق الإنسان فيما يخص الصحة والتعليم والتكوين وصون الكرامة في التعامل اليومي مضمونة داخل كافة المؤسسات العقابية وأن المساجين لا ينقصهم إلا الحق في الحرية الذي سلب منهم جراء حكم قضائي بسبب جرم اقترفوه في حق المجتمع.
وأشار في البداية إلى أن الجزائر بدأت بوضع قانون خاص بالمؤسسات العقابية سنة 2005 مطابق لأحدث النصوص في هذا الصدد ومطابق للمعايير الدولية في مجال احترام حقوق الإنسان في الوسط العقابي.
وأشار السيد فليون  بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان إلى أن الرعاية الصحية متوفرة داخل المؤسسات العقابية، إذ تم تعيين أطباء عامين وصيادلة وجراحي أسنان وممرضين ونفسانيين، كما دعمت هذه المؤسسات بتجهيزات طبية ومخابر.
وأضاف أن إدارته أولت العناية لرفع مستوى الأعوان العاملين في المؤسسات العقابية ومؤسسات إعادة التربية وتطوير برامج التكوين بما  يضمن معاملة تحترم حقوق الإنسان.
وسجل في هذا الصدد الرقابة المستمرة التي تخضع لها السجون من طرف القضاة والمفتشية العامة لمصالح السجون والرقابة المحايدة المتمثلة في زيارات ممثلي المجتمع المدني التي بلغت سنة 2011 إلى غاية نهاية نوفمبر الماضي 4000 زيارة.
وأشار أيضا إلى الزيارات التي يقوم بها الخبراء الأجانب وممثلون عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
ومن جهة أخرى، أكد السيد فليون أن سياسة إصلاح قطاع السجون كانت لها نتائج إيجابية على مستوى التعليم والتكوين التي أضحت تتحسن من سنة إلى أخرى سواء من حيث عدد المسجلين أو عدد الناجحين في الأطوار المختلفة من التعليم.
وحسب المدير العام فإن تزايد عدد فعاليات المجتمع المدني التي تتعامل مع قطاع السجون في إعادة الإدماج الذي بلغ سنة 2011 أزيد من 90 جمعية هو مؤشر آخر في تحسن حقوق الإنسان داخل السجون.
المؤشر الآخر الذي يعتبره السيد فليون إيجابيا أيضا هو فتح مؤسسات عقابية جديدة بما توفره من إمكانيات خاصة في مجال الصحة والتعليم والتربية البدنية والنشاطات الثقافية والمساحات المخصصة للمساجين، علاوة على أنها ستقضي على الاكتظاظ الذي عانت منه السجون طويلا.



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)