أعربت رابطة العالم الإسلامي عن بالغ قلقها لإصدار الكونغرس الأمريكي تشريعا باسم "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب"، وذلك لمخالفته الواضحة والصريحة لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي. هذا التشريع اعتبرته الرابطة مخالفا لأسس العلاقات الدولية القائمة على مبادئ المساواة في السيادة وحصانة الدولة والاحترام المتبادل وعدم فرض القوانين الداخلية لأي دولة على الدولة الأخرى. أثار هذا القانون الذي يأتي بعد أربعة أيام من موافقة الكونغرس على مقاضاة السعودية ومطالبة ضحايا 11 سبتمبر 2001 بتعويضات إثر تحميل المملكة تبعات هذه الهجومات الإرهابية، استياء دول مجلس التعاون الخليجي، آملة أن يعترض الرئيس الأمريكي باراك أوباما على القانونين.جاء في موقع الرابطة أن الأمين العام محمد بن عبد الكريم العيسى، أكد في بيان له أن "إصدار مثل هذا القانون سيهدد استقرار النظام الدولي، ويلقي بظلال الشكوك على التعاملات الدولية إضافة إلى ما قد يحدثه من أضرار اقتصادية عالمية، سيكون له تبعات سلبية كثيرة، وسيشكل سابقة خطيرة في علاقات الأمم".العيسى أعرب عن أمله ألا تعتمد السلطات التشريعية الأمريكية هذا التشريع، الذي سيفتح الباب على مصراعيه للدول الأخرى، لإصدار قوانين مشابهة، مما سيؤثر سلبا على الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب، ويخل إخلالا جسيما بمبادئ دولية راسخة قائمة على أسس المساواة السيادية والحصانة السيادية للدول. وهو ما استقر العمل بموجبه في جميع التعاملات الدولية منذ تأسيس الأمم المتحدة، مما سينعكس سلبا على التعاملات الدولية ويحمل في طياته بواعث للفوضى وعدم الاستقرار في العلاقات بين الدول؛ ما من شأنه أن يعيد النظام الدولي للوراء، كما سيجد فيه التطرف المحاصر فكريا ذريعة جديدة للتغرير بأهدافه.دول مجلس التعاون الخليجي حذت حذو الرابطة في التنبيه بمخاطر اعتماد القانون؛ كونه يمسها مباشرة على ضوء تحريك دوائر سياسية أمريكية للملف بمناسبة الذكرى ال 15 لاعتداءات11 سبتمبر في وقت كان يعتقد أنه (الملف) طُوي نهائيا، لكن تبين أنه مازال بمثابة ورقة تستغلها هذه الدوائر لتوجيه رسائل سياسية، غالبا ما تتكيف مع المتغيرات الإقليمية.هو ما تجلّى في رد فعل مجلس التعاون، معتبرة أن ذلك يتعارض ومبدأ الحصانة السيادية التي تتمتع بها الدول، فضلا عما قد يُحدثه التشريع من أضرار اقتصا دية عالمية.بعيدا عن القراءات السياسية ومن خلال التشريع الأمريكي الجديد يُنتظر أن تأخذ الجهود والمواقف الدولية في مكافحة الإرهاب، منحى تصاعديا على ضوء الترويج لمفهوم التضييق على منابع هذه الآفة العابرة للحدود، غير أن المفهوم هذه المرة قد ينغّص مواقف حكومات، ترى في ذلك مساسا بسيادتها باسم ملاحقة ممولي التجنيد.يأتي ذلك في وقت أعلنت دول على غرار ألمانيا وبريطانيا التي خرجت حديثا من الاتحاد الأوروبي، عن اعتزامها مراجعة منظومة القوانين المتعلقة بحرية الممارسة السياسية والنشاطات الدينية المخالفة لنظمها العامة وأعرافها... وهي التي سبق لها أن احتضنت قواعد لوجيستيكية لتنظيمات إرهابية كانت تنفّذ مخططاتها الهجومية ضد الجزائر رغم التحذيرات والصرخات الجزائرية من مختلف المواقع والمنابر، قبل أن تدرك في نهاية المطاف، أن تواطؤها أو حتى تغاضيها عما كان يحدث في بلادنا، كمن كان يلعب بالنار، وأن الشبل الصغير الذي كانت ترعاه سرعان ما يتحول إلى أسد بمخالب حادة يؤرق استقرارها وينغّص عيشها اليوم.تزامن ذلك مع الحديث في فرنسا عن مقترح لقانون بالجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان)، يقضي بحظر أي تمويل للمساجد من خارج فرنسا، كما يمنع استقدام أئمة من خارج البلاد، المعمول به حاليا بالمساجد المنتشرة بالتراب الفرنسي. ويعني مقترح القانون، بصفة مباشرة، الجزائر والمغرب وتركيا، باعتبار أن حكومات هذه الدول ترسل تمويلات كبيرة للمساجد بفرنسا. ومن شأن مقترح القانون أن يضع الجمعية الوطنية الفرنسية في حرج شديد؛ بين أن تؤيده فتثير غضب الجالية المسلمة وتضع نفسها في خانة التضييق على الحريات، أو ترفضه، فتواجه حملة انتقادات واسعة من طرف تيار اليمين المتجذر بالمجتمع الفرنسي.الجزائر تؤكد على ضرورة إيجاد السند القانوني لتجريم الإرهابفي المقابل، دعا المدير الأسبق لجهاز المخابرات الفرنسية إيف بوني، رئيس بلاده فرانسوا هولاند إلى ضرورة الاستلهام من تجارب الجزائر في مكافحة الإرهاب، مبرزا أن الجزائر جعلت من الملف الأمني مسؤولية جماعية، وأنها نجحت في تقزيم الإرهاب منذ سنوات التسعينيات بالعديد من المعايير والوسائل؛ كعدم فرض شروط كثيرة على الدخول إلى الوظائف الأمنية.التحرك الغربي يطرح الكثير من التساؤلات حول الآثار التي قد تفرزها جملة الإجراءات التي تعتزم اعتمادها في التضييق على الإرهاب، لا سيما فيما يتعلق بحريات وسيادة الدول وكذا الشعائر الدينية، وانعكاس ذلك على مفهوم صراع الحضارات والتعايش بين الأديان، وهو ما لاحظناه عقب هجمات 11 سبتمبر؛ إذ عرف مفهوم الإرهاب تشعبا وكذا الكثير من التسارع، انتهى بإلصاق الإرهاب بالإسلام، فأدى ذلكم الخلط في المفاهيم إلى انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا، التي كبّدت العالمين العربي والإسلامي ضغوطات وهجمات عنيفة، انعكست سلبا على وضعية المسلمين والعرب في مختلف الدول الغربية.من غير المبالغة القول بأن الجزائر التي كانت من أولى الدول التي عانت من ويلات الإرهاب، قد ناضلت كثيرا عبر مختلف المنابر العالمية والإقليمية من أجل وضع مفهوم لهذه الآفة العابرة للحدود، ومن ثم إيجاد السند القانوني لتجريم الأفعال المتعلقة بها وحماية حقوق الشعوب والدول في المقاومة ضد الاحتلال والغزو والاعتداء على السيادة، في حين لقيت مساعيها في البداية رفضا من قبل الكثير من الدول الغربية؛ لأن ذلك سيحرمها من الكثير من المزايا والمشاريع والصفقات، لكن تطور شوكة الإرهاب ووصول التهديدات إلى عقر دارها جعلها تعترف بضرورة وضع تعريف للإرهاب لمحاصرة هذه الآفة.مواقف الجزائر كانت صريحة في مجابهة الآفة؛ إذ أعلنت مرارا رفضها المغامرة بمبادئها الثابتة. ونتذكر في هذا الصدد تصريح رئيس الجمهورية عقب أحداث 11 سبتمبر، عندما قامت واشنطن بهجومات عسكرية على أفغانستان، قائلا في هذا الصدد: "موقفنا واضح بالنسبة لأعمال الشغب والعنف ولكن في نفس الوقت لا نقبل على الإطلاق ولا نشارك في حرب صليبية، قد تهدد قيمنا الروحية هنا وهناك".أكثر من ذلك، حرص الرئيس بوتفليقة على تأكيد استعداد الجزائر لمد يد المساعدة لمن يريد اقتلاع جذور الإرهاب في الجزائر؛ من منطلق تفهّم بلادنا آلام الآخرين، وهي التي تألمت قبلهم. غير أنه لم يتردد في انتقاد مواقف الدول الغربية من العنف الذي كان دائرا في الجزائر بسبب تساهلها مع شبكات المتطرفين الإسلاميين الجزائريين في أوروبا واتباعها سياسة الكيل بمكيالين؛ بحيث تعتبر الإرهاب "إرهابا رديئا إذا كان في أفغانستان، وإرهابا جميلا محمودا مقبولا إذا كان في أوروبا".أخيرا، أدرك العالم أن كل المشاكل التي يعاني منها تصب في صالح الإرهاب. وقدّمت الجزائر تصورها فيما يتعلق باستئصالها من خلال تجفيف منابعه على المدى البعيد، فإلى جانب منع دفع الفدية للجماعات الدموية، نبهت بلادنا إلى القضاء على العوامل المغذية له؛ كتفشي البطالة وانتشار الحروب والعنصرية والتمييز واستغلال خيرات الشعوب والفوضى والمجاعة؛ كون كل ذلك يشجع على استقطاب مجنّدين جدد في ظل بطء التحرك العالمي لسن التشريعات اللازمة لدحر الإرهاب.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 14/09/2016
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : مليكة خلاف
المصدر : www.el-massa.com