الجزائر

الكتابة عن الإرهاب والفساد في السرد الجزائري - الجزء الثاني والأخير-



الكتابة عن الإرهاب والفساد في السرد الجزائريبقلم الدكتور وليد بوعديلة
- الجزء الثاني والأخير-
2- الفساد الاجتماعي- السياسي عند محمد مفلاح :
عندما نقرأ رواية الكاتب محمد مفلاح الكافية والوشام ( منشورات اتحاد الكتاب الجزائريين الجزائر 2002). نكتشف أن الكافية هو اسم مؤسسة صناعية و الوشام هي زوجة مدير المؤسسة وكل أحداث الرواية تقع فيها والسارد عارف بكل شئ في القصة على طريقة الروايات الواقعية كما قد أعطاه المؤلف مهمة الحديث من البداية إلى النهاية فتحدث عن الأوضاع الأمنية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة و كشف الرداءة السياسية والإدارية وفضح المواقف السياسية والمالية الباحثة عن المصلحة الشخصية على حساب المصلحة العامة فتتحرك-ضمن هذا المنظور- شخصيات النص على إيقاع المصالح وليس المبادئ والنزوات وليس القناعات الفكرية.
لقد وجدنا الخطاب الروائي يتحول إلى خطاب فكري وسياسي في بعض صفحات الرواية في محاولة من الروائي لفضح مشاهد الغليان الاجتماعي والاضطراب السياسي في الجزائر مع التوقف عند الانتقالات السياسية و تأثيرها الاقتصادي على المجتمع كما نقرأ عن مشاكل العمال و الصعوبات التي يتعرض لها العمل النقابي ويختار محمد مفلاح كشف أسئلة السياسة وصراع الإيديولوجيات ويبحث في صراع المصالح الفردية والاجتماعية وفي وسائل الترهيب والترغيب عند السلطة السياسية المالية.
و يقترح هذا المبدع في رواية سفاية الموسم الدروب المتقاطعة ( دار الكتب الجزائر 2013 ) تجربة سردية جديدة تحاور موضوعات هامة في المجتمع و السياسة وتفتح للمتلقي دروبا من النقاشات التي عرفها ويعرفها الشارع الجزائري وتحديدا في فترات الانتقال من الزمن الاشتراكي إلى الزمن الرأسمالي مع ما يحدثه الانتقال من تحولات اقتصادية وأيديولوجية وكذلك ما يتركه من تغيرات في المفاهيم و الممارسات.
يقدم الروائي لنا فضاءات سردية ليوميات المواطن الجزائري فنقرأ عن شخصيات يمكن مصادفتها يوميا في الشارع وفي المؤسسات وعلى صفحات الجرائد والقنوات العمومية و الخاصة مثل شخصية خليفة السقاط الذي يحيلنا على مافيا العقارات و تبييض الأموال الذين يستغلون النفوذ والعلاقات شخصية نذار السفاية صورة للرجل النقابي الشريف إنه رجل تحركه القناعات الفكرية والمبادئ الأخلاقية وهو رافض للتنازل عن حقوق العمال ومقاوم لعمليات الخوصصة للمؤسسات العمومية وهنا نلتفت إلى سوسيولوجا الكاتب و نترك الراوي جانبا و نسأل: لما لم يقدم لنا حقيقة بعض النقابيين الذين يتحالفون مع المافيا المالية والسياسية؟ وأين هي صورة النقابي المتنازل
عن المبادئ والأفكار اليسارية من أجل المال والأعمال؟
من المشاهد السردية والفكرية التي تقدمها الرواية مشاهد الاحتجاجات الاجتماعية الكثيرة
في الجزائر فنقرأ ثورة الشباب ضد الحقرة والظلم والفساد وغياب العدالة في توزيع السكن ومناصب الشغل... ويكشف الروائي الفوضى السياسية والتداخل بين رجال الأعمال و المسؤلين السياسيين والمنتخبين وكذا أخبار المستفيدين من سنوات العشرية السوداء (1990-2000) حيث الانهيار الاقتصادي والاضطراب الأمني والهشاشة الاجتماعية و التشرد الفكري- الديني و كلها مشاهد تخلق التهميش الاجتماعي لأن العنف بكل أنواعه هو نتاج لكثير من المناسبات التي تحتاج إلى تأمل معرفي و تتطلب المتابعة الاجتماعية قبل التناول الجمالي.
لقد تحول المبدع في هذه الرواية إلى خبير استراتيجي وأخذ المحلل السياسي قلم الأديب ليكتب
عن صراعات الزمر السياسية واختلاف الأفكار وتضارب المصالح بخاصة في ظل المواعيد الانتخابية لكن الكاتب المبدع لم يغفل الجانب الفني ورفض السقوط في نثريات الخطاب السياسي فكان يقدم المشاهد الحوارية والسردية والوصفية كما كان ينتقل من حكاية لأخرى باحثا عن الخصوصيات الفنية للخطاب الروائي ومشكلا عالما سرديا يغاير عوالم الكتابات الاجتماعية والاقتصادية.
ونقرأ في الرواية عن المؤامرات والدسائس للإطاحة بمافيا المال والسياسة في جزائر التعدد الحزبي والأحادية السياسية والفكرية واستطاع هذا الأديب العارف بأن الممارسة الفنية تحتاج لجرعات الحرية والمغامرة أن يقول- من داخل الرواية وعبر الراوي والشخصيات- ما لم يقله المبدع/ السياسي المدافع عن قناعات أيديولوجية والملتزم بتوجهات الإطار السياسي المناضل فيه.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)