الجزائر

الفكر الثقافي المعولم في الجزائر



بقلم: عميرة أيسر*
تعتبر العولمة من أهم المخرجات الفكرية والحضارية والإيديولوجية التي طبعت نهاية الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية والغربية و انتصار المعسكر الغربي الرأسمالي الذي أدخل مصطلحات ومفاهيم حديثة للفكر السِّياسي والثقافي والحركة التطورية للمجتمعات في شتى ميادين ومناحي الحياة وكانت العولمة بمختلف مفاهيمها وأساليبها وأشكالها وعنوانيها المختلفة أحد الأنماط المجسدة لهذه الفكر الذي استطاع أن يهيمن على العديد من الدول والمجتمعات ويعيد بالتالي صياغة الكثير من عاداتها وتاريخها وأنماط الاستهلاك الثقافي فيها. فالعولمة بطبيعتها المهيمنة والمسيطرة شكلاً ومضموناً على الكثير من المفاهيم العلمية الأكاديمية والحضارية الثقافية والتي أدت إلى انصهار مركَّز للكثير من مراكز القوة الحضارية في العالم لصالح سيطرة العولمة الرأسمالية التي استطاعت أن تفرض عبر سنوات من الانتشار عبر قارات الدنيا الخمس مفاهيمها و أسسها ونظرياتها المتعلقة بالنظرة إلى مُختلف الجوانب والزوايا والرؤى التفاعلية المؤثرة في عملية قولبة نماذج استهلاكية جاهزة في المجالات الثقافية عامة فسيطرت بالتالي الأنماط التفاعلية الثقافية ذات البعد المصلحي والبرغماتي النفعي و التي تقدس الآخر الغربي و خاصة إذا كان أمريكياً وتجعل منه باطلاً خارقاً لا يمكن تدميره أو تحطيمه أو هزيمته كما يعمل الإعلام ومراكز صناعة الفكر المعولم على تصويرها لنا من خلال أفلام هوليوود السينمائية والتي هي بالأساس ذات اتجاه حضاري وسياسي يصب في خدمة مخططات الهيمنة الثقافية الاستعمارية على دول العالم المتخلف أو السائرة في طريق النمو كما جاء ذلك في كتاب القوة الناعمة وسيلة النجاح في السِّياسة الدولية للمفكر الغربي الكبير جوزيف ناي والذي عمل مساعدا لوزير الدفاع في حكومة بيل كلينتون.
فالعولمة في شقها الثقافي المتعلق بكيفية التغلغل في الفكر المؤسس على مجموعة من القيم والمعايير والعادات الثقافية يضع هذا الفكر في حسبانه دائماً أن يقوم بعملية هدم الموروثات الثقافية للأمم وإعادة بنائها وفق النظرة الغربية وهذا ما حاول الفكر الغربي الثقافي المعولم فعله في الجزائر عبر سنوات من الاستهداف الممنهج الذي كان هدفه السيطرة على الوعي الثقافي للمجتمع والقيام بعملية غسيل جماعي للشباب الجزائري الذي كان ولا يزال هو أهم الفواعل المجتمعية التي يركز عليها الغرب للتغلغل إلى عمق الثقافة الوطنية حيث عمل عن طريق ماكيناته الدعائية ومن يدور في فلكه من مثقفين ووسائل إعلام ولم يستثنى في ذلك منصات ومواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت ذات قوة تأثير كبيرة جداً في صناعة الكثير من الأحداث والقضايا السياسية والثقافية والمجتمعية وتوجيهها باتجاه زيادة الشرخ بين قيم المجتمع الثقافية وبين الوعي الحضاري والوطني والديني للشباب الجزائري وبالتالي فإن خطورة هذا الفكر وتجلياته بدأت تظهر وتطفو إلى السطح تدريجياً وذلك بظهور عادات وثقافات وممارسات وسلوكيات حضارية غريبة عن المجتمع الجزائري المحافظ وظهور فرق وجماعات ثقافية أصبحت تروج لأفكار تهدف إلى تمييع الثقافة الجزائرية ونشر الانحلال الأخلاقي والقيمي داخله ومما زاد الطين بلة هو غياب الرقابة الثقافية على الكثير من البرامج والأفلام سواء المحلية أو تلك المستوردة والتي تأتينا من وراء البحار.
فهذا الفكر الثقافي العولمي الهدام الذي أصبح كالسرطان ينتشر ببطيء و وفق أجندات خفية تديرها عقول تعرف جيداً بأن ضرب المقومات الثقافية للمجتمعات هي أهم الخطوات لتدميرها وجعلها تفقد مناعتها التي تمكنها من الصمود مستقبلاً في وجه أي حرب صلبة قد تشن عليها لأن المجتمعات المستنزفة حضارياً وثقافياً في العادة تفقد القدرة على المقاومة في أي حركة غزو لها وهذا ما يريده الغرب من خلال الحملة المركزة التي يشنها منذ سنوات لتغيير الأنماط الثقافية للمجتمع الجزائري بالمطلق.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)