يبدو أن الحلم التنموي الموعود في الولاية منذ عقود لم يتحقق بعد، رغم مرور العديد من الحقبات الرئاسية، وتوالي العديد من العهدات لرؤساء المجالس البلدية و تعاقب الكثير من البرلمانيين، سواء على مستوى الولاية أو بعض البلديات، والوعود الاستثنائية في كل حقبة استحقاقية انتخابية، ترى ما هو سبب تأخر الولاية المليونية عن الركب التنموي بالمقارنة مع بعض الولايات، هل هو بفعل فاعل، أم أن هناك معيقات داخلية ومركزية أخّرت من تحقيق فرص التنمية المحلية، أم أنه قدر محتوم؟؟.ربط الجلفة دائماً في مِخيال بعض الأشخاص، على أنها صحراء قاحلة ومنطقة رعوية، فهذه نظرية قاصرة عند بعض المسؤولين، وتقصير من بعض ممثلي الولاية المنتخبين للأسف في تسويق ولاية الجلفة بهذه النظرة الضيقة لدى السلطات العليا وبعض الوزارات إعلاميا وسياسيا، فالجلفة لها تاريخ حافل بالبطولات والامجاد، وعروشها أولاد نايل والسحاري والعبازيز و غيرهم يمتدون من شرق الجزائر إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، لها تراث ثقافي متنوع، سكانها الاصليين معروفين جداً بالكرم والجود.
ولاية الجلفة تمتلك العديد من الخصوصيات التي تسمح لها أن تكون عاصمة اقتصادية بامتياز (كما وصفها رئيس الجمهورية المنتخب عبد المجيد تبون)، لما تمتلكه من موقع استراتيجي ومناخ متنوع يتوسط الجزائر، هاته الولاية التي تحدها 11 ولاية وولاية منتدبة يجعل منها قطب تنموي من أقطاب الإقلاع الاقتصادي المحلي، لو تم الالتفات لها.
نود من خلال هذه الأسطر ذكر بعض المميزات، والفرص التنموية التي تمتلكها الولاية، ولا تمتلكها حتى بعض الدول، يجعل منها منارة اقتصادية لو اُعطيت لها فرص الاهتمام، حيث أن تفعيل الاقتصاد المحلي للولاية يعمل على تنشيط التجارة المحلية وتوسيع رقعة النشاط الاقتصادي لما تمتلكه من مساحة شاسعة و إمكانيات طبيعية وبشرية وثروة حيوانية متنوعة، يسمح لها بالقضاء على العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية.
للعلم أن ولاية الجلفة تقع على بعد 200 كلم جنوب الجزائر العاصمة، وتحتل موقعا استراتيجيا هاما يربط الشمال بالجنوب والشرق بالغرب، وتتربع على مساحة قدرها 32256.35 كلم2 ، ويبلغ تعداد سكانها ما يقارب مليون ونصف مليون نسمة، ويبلغ عدد بلدياتها 36 بلدية. كل هذه المميزات الجغرافية والسكانية تجعل منها ولاية جاذبة للاستثمار في العديد من القطاعات سواء كانت في القطاع الفلاحي أو القطاع الصناعي أو حتى في القطاع السياحي، حيث تمكنها هذه الإمكانيات لو تم استغلالها استغلالا أمثلا، من تحقيق أمنها الغذائي المحلي والقضاء على جزء كبير من البطالة و توفير العديد من مناصب الشغل.
سنحاول ذكر أهم الفرص التنموية الضائعة والمتنوعة، والتي كان بالإمكان الاستثمار فيها:
الفرص الفلاحية:
إن ما يميز ولاية الجلفة هي أنها منطقة فلاحية و رعوية بامتياز، حيث تقدر مساحة زراعة الحبوب والأعلاف بأكثر من 77% من المساحة الإجمالية، وتشير بعض التقديرات أن عدد رؤوس الأغنام يبلغ أكثر من 3.5 مليون رأس، وهناك العديد من المزارع النموذجية في بلدية بنهار، ومسعد وزكَار والمجبارة، حيث تنتج العديد من الفواكه المتنوعة من المشمش والتفاح والرمان، ويفوق إنتاج بعض الفواكهة في فترة الجني في بعض الأحيان فائض الاستهلاك المحلي.
لها مناخ متنوع يصلح لإنتاج العديد من الخضروات، وتجربة زراعة البطاطا في عاصمة الولاية وبالتحديد في منطقة المعلبة خير دليل، كذلك لدينا تجربة غرس أشجار الزيتون والتي تتماشى مع طبيعة مناخ الولاية، حيث أنه مؤخرا قام أحد المستثمرين المحليين من بلدية حاسي بحبح بإنشاء مصنع لإنتاج زيت الزيتون الذي لقي صدى لا بأس به في منافسة بعض الزيوت المحلية المعروفة، التجارب عديدة ومتنوعة حتى إنتاج العسل نملك فيها ميزة نسبية خاصة، فعسل السّدر من أجود أنواع العسل في العالم.
الحديث عن الثروة الحيوانية المهدرة، والتي تعتبر مصدر رزق العديد من الأسر في الولاية، تبقى مغيبة من أجندات القائمين على قطاع الفلاحة على مستوى الولاية، نظرا للصعوبات التي تعيق أصحاب المواشي والموالين، خاصة مشكلة المساحات الرعوية و ندرة الأعلاف، حيث أن الاهتمام بالمصدر الاقتصادي الحيواني يوفر العديد من مناصب الشغل، ويخلق العديد من الصناعات الغذائية المرافقة، من خلال الاستفادة من مخرجات الثروة الغنمية للحد من استيراد اللحوم المجمدة التي تنخر خزينة الدولة.
يبقى الحل للحفاظ على هذه الثروة الحيوانية الغنية المتنوعة، هو توجه السلطات المحلية لمرافقة الموالين وأصحاب المواشي لحل مشكلة المناطق الرعوية الطبيعية وحل النزاعات القائمة بقرارات إدارية، لأنها تعتبر المصدر الرئيسي لتوفير الجزء الأكبر من المصادر العلفية للأنعام، ثم تشجيع الفلاحين على إنشاء مناطق لزراعة الأعلاف الخضراء مع حفر بعض الآبار الجوفية في المناطق النائية للولاية، والسعي لإنجاح تجربة التعاونيات الفلاحية لإنتاج الأعلاف من قبل المبادرين.
مخرجات الثروة الغنمية ليست مقتصرة على توفير اللحوم الحمراء، بل الاستفادة من حليبها وصوفها وجلدها، فالحليب يمكن أن نقيم من خلاله مصانع صغيرة لانتاج أنواع الأجبان، خاصة جبن الماعز، وصوفها وجلدها يمكن تصديره لبعض الولايات التي تشتغل على قطاع النسيج، أو تصديره للخارج إن كان هناك فائض.
الفرص الصناعية:
أما فيما يخص النسيج الصناعي للولاية فهي تحتوي على 48 وحدة إنتاجية، ومناطق نشاطات في بعض البلديات ومنطقتين صناعيتين، الأولى في منطقة عين وسارة والثانية في عاصمة الولاية، إلا أن المنطقة الصناعية في الجلفة كانت في السابق توفر العديد من الصناعات الغذائية الرائدة والتي كانت في بعض الأحيان تنافس المنتجات الأجنبية المستوردة، لكن خصخصتها عمل على تفتيتها نهائياً، وكسر جسور التنمية الصناعية المحلية التي كانت قائمة آنذاك.
وعلى غرار الحظيرة الصناعية ببلدية عين وسارة التي لم تر النور بعد بالرغم من إعطاء إشارة انطلاق الأعمال بها سنة 2013، فإن المنطقة الصناعية في عاصمة الولاية تبقى مُعطلة هي الأخرى إلى حين، وتعاني العديد من المشاكل (جانب منها على أروقة المحاكم)، حيث يبقى اللغز المحير لساكنة الولاية، في حين أن المجالس المنتخبة المتعاقبة لم تراعي أهمية إحياء المنطقة الصناعية لترقية التنمية المحلية، ضف إلى ذلك ولايات عديدة تمتلك أكثر من منطقة صناعية رغم قلة تعداد سكانها وصغر مساحتها… ! .
لم أتحدث عن المشاريع الاستثمارية الكبرى المعطلة مثل مصنع عين الإبل للاسمنت، وبعض المشاريع الموضوعة على أدراج المكاتب والتي تنتظر الفرج القريب للانطلاق، والتي لم نجد لها سبب اقتصادي واحد لرفضها، حيث نأمل من الوالي الجديد والمجالس البلدية و الولائية المنتخبة فتح ملفات الاستثمار العالقة لإحيائها من جديد.
تفعيل المناطق الصناعية خيار استراتيجي ذو بعد اقتصادي، يحل العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، ويوفر العديد من الموارد المالية لخزينة البلدية، لكن يبقى تحريك ملف المنطقة الصناعية بعاصمة الولاية من قبل الهيئات الوصية حلم العديد من الساكنة لعودة الوهج التنموي للمنطقة الصناعية، وفتح العديد من المصانع المغلقة أو الجديدة لتحريك النشاط الاقتصادي المعطل.
الفرص السياحية:
أما فيما يخص الجانب السياحي والتراثي للولاية، وحتى لا نفاجئ القارئ بهذا الزخم التراثي المتنوع، فالولاية مرت عليها العديد من الحقب التاريخية، أكسبها تنوعا تراثيا فريدا من نوعه، لا من ناحية اللباس التقليدي، ولا من ناحية الأكلات الشعبية التقليدية، ضف إلى ذلك طبيعة المجتمع الجلفاوي المسالم، فعلى سبيل المثال لا الحصر تجد رسومات أثرية تعود للعهد الروماني في منطقة زكَار (في بعض الدول رسومات أثرية عادية تدر ألاف الدولارات من العملة الصعبة من قبل السُواح الأجانب)، هناك شلالات وانهار مائية في منطقة عمورة إضافة إلى بعض الآثار الرومانية، بالاضافة إلى المعلم السياحي العالمي جبل حجر الملح ثالث جبل ملحي في العالم يمكن أن يستغل لجذب السواح الأجانب.
الأكيد أن الاهتمام بالسياحة التراثية يدر العديد من الموارد، ويعمل على تنشيط السياحة الداخلية، ويعمل على استقطاب السَواح الأجانب، لو تم الالتفات له، وتنظيمه وتأطيره بإحكام من قبل الهيئات الوصية، من خلال الاشهار الجيد والتسويق الثقافي لها، بعد توفير كل متطلبات تهيئة الفندقة في الولاية أو بعض البلديات السياحية.
السياحة الجبلية كذلك متوفرة، حيث توجد العديد من الغابات الشاسعة لا توجد في الولايات المجاورة، مثل جبال حواص و قطية و سن الباء....الخ. مثل هذه الغابات لو تم استغلالها، من خلال الاستثمار فيها، لخلق بعض المنتجعات الغابية، سواء الرياضية، أو السياحية، لتم تنشيط السياحة الداخلية والمحلية.
السياحة الحموية موجودة ولها ميزة تنافسية نظرا لنوعية الماء المعدني العلاجي، وهي متأخرة بالمقارنة مع بعض الولايات، نأخذ على سبيل المثال الحمام المعدني ببلدية الشارف الذي تم الالتفات له مؤخراً من خلال منح التسيير لمسير أجنبي، وفتح مجال الاستثمار المحلي فيها، يكفي لتغطية السياحة الحموية المعدنية العلاجية للولايات المجاورة، وخلق العديد من فرص الشغل في الولاية، دون أن أنسى المشروع الاستثماري الذي أطلق مؤخراً في بلدية قطارة فهي فرصة سانحة لتنشيط السياحة الحموية لبعض الولايات الجنوبية المجاورة.
في الأخير ورغم عقبات الإغلاق الاقتصادي بسبب الجائحة، و الاختناقات التي يعاني منها الاقتصاد الوطني، لن نطلب المستحيل، لكن نطلب تجسيد الوعود عند انفراج الأزمة، لذا وجب على السلطات المركزية والمحلية الالتفات إلى هذه الولاية المليونية المحورية لتسريع وتيرة التنمية البطيئة فيها، والعمل على نفض الغبار على بعض المشاريع الاستثمارية المسجلة، استجابة لمطالب المواطن الجلفاوي الذي يطمح إلى تحقيق تنمية محلية مستدامة وعادلة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 26/07/2020
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : شيبوط سليمان
المصدر : www.djelfa.info