الجزائر

“الفجر” تدخل سوقه في الجزائر بريق الذهب لم يعد يغري الجزائريين



“الفجر” تدخل سوقه في الجزائر              بريق الذهب لم يعد يغري الجزائريين
ظلت أسعار الذهب منذ حوالي سنتين تقريبا مرتفعة في الأسواق العالمية، ولا تزال تواصل الارتفاع لتبلغ مستويات قياسية، كان آخرها يوم أمس، حيث سجل مستوى 1593 دولار للأوقية، الأمر الذي انعكس على أسعاره في السوق الجزائرية، وقد أدت هذه الوضعية إلى ركود في تجارة الذهب بالجزائر، مست حتى السوق السوداء المعدن النفيس يترك مكانه للبلاكيور.. والطقم لمن استطاع إليه سبيلا  حيث عزف الجزائريون عن زيارة محلات الذهب أو حتى أسواقه الموازية بفعل سعره الذي لم يعرف انخفاضا، بل على العكس بقي يسير في طريق الارتفاع نحو تحقيق أرقام غير مسبوقة، إلى درجة جعلت حتى العرائس يتنازلن عن شرط كان في الماضي “لا نقاش فيه” والمتمثل في “الطقم الذهبي”.رغم ركود التجارة في “بورصة واد كنيس” بسبب الارتفاع الفاحش للأسعارالدخل الشهري لـ”دلال الذهب” يتجاوز 12 مليون سنتيمالسعر أضحى ضربا من الخيال والذهب المطبوع لمن استطاعجولة صغيرة في سوق “الدلالة” الواقع بواد كنيس في الرويسو، تجعلك تقف عند تراجع النشاط والحركية المعهودين بالمنطقة، كما تسمح لك بملاحظة تقلص عدد البائعين غير الشرعيين بصفة رهيبة، والسبب بكل بساطة يعود إلى تراجع تجارة الذهب لأسباب مختلفة وعديدة أثرت بشكل مباشر أو غير مباشر على نشاط البيع والشراء في “بورصة واد كنيس” المعروفة لدى العام والخاص بالعاصمة. أول ما يشد انتباهك وأنت تدخل “دلالة واد كنيس” المعروفة بالانتشار الرهيب للدلالين هو تضاؤل عدد الباعة، فبعدما كانت تحاول الدّلالات شد انتباه المارة بشتى الطرق من خلال إلباس أصابعهم العشرة بأعداد هائلة من الخواتم ولبس عشرات القلادات لم يعد هناك سوى القليل والقليل جدا من هؤلاء الدلالين والدلالات الذين لا يجدون من مصدر دخل مضمون سوى ممارسة تجارة الذهب في السوق السوداء.سعر غرام الذهب المكسور وصل إلى 3300 دجفي حديث “الفجر” مع بعض الدلالين أكد لنا أحدهم أن تجارة الذهب أضحت تعرف ركودا كبيرا منذ نحو سنة أو أكثر بقليل، ما دفع بنصف عدد التجار غير الشرعيين للتخلي عن المهنة أو تغيير نشاطهم إلى تجارة الشنطة والعمل على استيراد الألبسة التركية كونها أضحت التجارة الأكثر رواجا وضمانا، خاصة بعد اكتساح الدراما التركية للمجتمع الجزائري كغيره من المجتمعات العربية وولع الإناث بكل ما هو آت من بلاد “مهند”.وأرجع محدثنا سبب الارتفاع الفاحش الذي سجله سعر الذهب إلى عدة عوامل، ذكر لنا منها ارتفاع أسعار الذهب على مستوى الأسواق العالمية، في حين أن السبب الرئيسي لهذا الارتفاع - حسبه - يعود أساسا إلى غلق عدد كبير من ورشات التصنيع الصغيرة نظرا لتراكم الضرائب على أصحابها، الأمر الذي أجبرهم على إقفالها وتغيير النشاط، إلى جانب توقف نشاط بعض الموردين (بارونات الاستيراد) الذين أغرقوا السوق في وقت مضى بالذهب الإيطالي والباريسي وحتى الذهب المستورد من دول الخليج، وكلها أسباب - يضيف محدثنا - أثّرت بشكل أو بآخر في سعر الذهب، مشيرا إلى بلوغ سعر الغرام من الذهب المكسور 3300 دج في حين تجاوز سعر الذهب المطبوع 4800 دج للغرام مما جعله حكرا على العائلات ميسورة الحال دون غيرها، كونه لم يعد أبدا في متناول الموظف البسيط ولا عروس الأسر محدودة الدخل. وأكد محدثنا أن السعر بدأ في التراجع منذ حوالي أسبوع حيث بلغ حتى نهاية الأسبوع المنصرم 2800 دج، وأرجع سبب هذا الانخفاض إلى فترة العطل السنوية وقرب حلول شهر رمضان حيث يتراجع الطلب على الذهب إلى مستويات قياسية خلال العشرين يوما الأولى، في حين يرتفع الطلب مجددا في الأسبوع الأخير نظرا لإقبال الشباب المقبل على الزواج على اقتناء هدية العروس أو كما تعرف في مجتمعنا بـ”مهيبة العيد”. كما توقع محدثنا أن يرتفع الإقبال على الذهب بعد شهر رمضان على اعتبار أن عددا كبيرا من العرسان قرروا تأجيل الفرح إلى ما بعد الشهر الفضيل، ما يعني أن الطلب على المعدن الأصفر سيشهد مستويات كبيرة خلال شهري سبتمبر وأكتوبر المقبلين. هذا وأكّدت لنا إحدى الدلالات أن أسعار الذهب تخضع لعدة اعتبارات بداية باتباعه لسعر الأورو في الأسواق المالية وعوامل اقتصادية أخرى مثل فصول السنة كأن ترتفع بشدة في فصلي الربيع والصيف في حين تبدأ في التراجع خلال فصل الخريف لتبلغ أدنى مستوى لها في فصل الشتاء بسبب تراجع الطلب كنتيجة حتمية لقلة الأفراح والأعراس خلال هذا الفصل، مشيرة إلى الدور الذي يلعبه “بارونات الاستيراد” كذلك في تحديد أسعار السوق السوداء والرسمية على حد سواء، حيث يتحكّم المستوردون أو كما أطلقت عليهم “أصحاب الشكارة” في إغراق السوق بكميات معتبرة من الذهب، مؤكدة أن رأسمال كل واحد منهم لا يقل عن 15 مليار سنتيم.الزبائن لا تهمهم “الدمغة”.. المهم السعر ثم السعروفي استفسارنا حول ما إذا يطالب الزبائن بالدمغة أو كما يطلق عليه الصائغون “الطابع” على المصوغات، أوضح “عمر” وهو بائع غير شرعي بالدلالة مند سنوات أن زبائن “واد كنيس” غير مكترثين لهذا الأمر بتاتا، فالمهم لديهم اقتناء المجوهرات بأسعار معقولة وفي متناول القدرة الشرائية، إلا أن أغلبهم - أضاف محدثنا - يشترطون التأكد من الميزان وسلامة الذهب لدى المحلات.الدخل اليومي لـ”الدلاّل”  لا يقل عن 4 آلاف ديناروالطريف أن الموظف الذي يتعين في إحدى الإدارات العمومية بشهادة جامعية لا يتجاوز دخله الشهري 40 ألف دينار في حين يعد هذا المبلغ الدخل الأسبوعي لأحد “الدلاّلين” ببورصة واد كنيس، حيث أوضح لنا محدثونا أنه رغم ركود هذه التجارة إلا أنها لا تزال تدر الكثير من الأرباح، خاصة إذا علمنا أن الدخل اليومي لواحد من هؤلاء يتجاوز في كثير من الأحيان الـ5 آلاف دينار وفي المتوسط 4 آلاف دينار، هذا بالنسبة لـ”الدلال” قليل الحركة، وإذا بحثنا عن السّبب فهو بسيط جدا كون هؤلاء يقتنون المصوغات في شكل ذهب مكسر ويعيدون بيعه على أساس مصوغات جديدة وبفارق 1700 دج للغرام الواحد ولكم أن تتخيلوا المكاسب الهائلة.وفي المقابل أثار بعض البائعين غير الشرعيين قضية عمليات السطو والسرقة التي يتعرض لها هؤلاء، خاصة منهم النساء اللواتي يحملن معهن مصوغات تقدر بالملايين، كما لفت هؤلاء انتباهنا إلى الخسارة التي قد تلحق بهم في حالة مداهمة أعوان الأمن وحجز سلعتهم.راضية. تبعدما بلغت الزيادة في سعره أعلى مستوياتهاجزائريات يستغنين عن “طقم الذهب” عند زواجهنلطالما كان الجوهر النفيس أو المعدن الأصفر عنصرا أساسيا وضروريا في مهر الزواج عندنا في الجزائر، ولكن أمام الارتفاع القياسي الذي عرفته أسعار الذهب بدأت الفتيات يستغنين عن حقهن في “الطقم الذهبي” حتى لا يؤجلن فرحتهن، ليجدن أنفسهن أمام خيارات الاكتفاء بقطعة واحدة، الاستعانة بالبلاكيور أو الاستعارة من الأقارب.تحت شعار “للضرورة أحكام” تضطر بعض المقبلات على الزواج للاستغناء عن الطقم الذهبي، بعدما أصبح يكلف مبلغا يصعب على الخطيب توفيره في فترة وجيزة، مما يدفعهن للانتظار مطولا، هو ما أكده الاستطلاع الذي قامت به “الفجر” في بعض المناطق العاصمية. فحسيبة، 28 سنة، على سبيل المثال مخطوبة منذ سنة ونصف السنة، ولم يتمكن خطيبها من اقتنائه ما جعلها تلجأ إلى استعارة طقم أختها حتى تتمكن من الزواج هذه السنة، وتتجنب تعليقات الناس باعتبار العادات تجبرهم على استعراض كل ما أحضره أهل العريس خلال حفل الزفاف. هذه العادات التي جعلت وسيلة، 31 سنة ومثيلاتها يقتنين أطقما من “البلاكيور”، لحفظ ماء الوجه على حد تعبير هذه الأخيرة التي لم يتمكن خطيبها من توفير مبلغ كاف لشراء طقم متواضع مع اقتراب الموعد المحدد للعرس، حتى تتجنب الخطبة الطويلة ولا تضع شريك حياتها في حرج.من جهتهم، يقف الشباب أمام امتحان صعب وقت زواجهم، فتوفير ثمن الطقم الذي يشترط في مهر الفتاة تحول إلى معاناة يتكبدها كل مقبل على الزواج. وعلى حد قول سمير، 38 سنة، “لو أنهم يتخلون عن هذه العادات البالية لتمكنّا من الزواج، فأهل الفتيات أصبحوا يعجزوننا بشرط الطقم الذهبي، حتى أنهم في بعض الأحيان يشترطون اختياره بأنفسهم”، كما أن هناك عائلات أخرى وبعد الارتفاع الرهيب الذي عرفته أسعار الذهب تخلت عن شرط الطقم وأصبحت تكتفي بقطعة بسيطة، إما سلسلة أو سوار، من أجل “الفال فقط لا غير، فهو السبيل الوحيد للتسهيل وكي لا نقطع نصيب أولادنا وبناتنا” حسب ما قالته الحاجة فضيلة المقبلة على تزويج بنتيها بعد شهر رمضان.أما من تمسكوا بالذهب في المهر فقد اعتبروا أنه لا خيار لديهم سوى القطع الخفيفة الوزن والتي لا تتجاوز بضع غرامات، وفي هذا السياق أوضح السيد حميد صاحب محل مجوهرات في العاصمة، أن هذه النوعية كثر عليها الطلب في الآونة الأخيرة، لتساهم بذلك أسعار الذهب في اندثار عادة كانت قارة في المجتمع الجزائري.دباري فيروزالخبير الاقتصادي فارس مسدور يؤكد على دور الرقابة ويصرح“على الدولة خلق بورصة ذهب حقيقية لمواجهة بارونات السوق السوداء”أرجع الخبير الاقتصادي فارس مسدور سبب الفوضى التي تميز سوق الذهب ببلادنا إلى عدم خضوعه لقوانين واضحة تحكمه، في ظلّ سيطرة “بارونات الاستيراد” على مقاليد الأمور، وضعف الدولة في فرض رقابة صارمة على الناشطين في مجال الذهب المقدر عددهم بنحو 10 آلاف تاجر.أوضح أستاذ الاقتصاد بجامعة سعد دحلب بالبليدة لـ”الفجر” أنه بات من الضروري ضبط سوق الذهب في بلادنا من خلال رسم استراتيجية فعالة لاحتواء الأسواق الموازية التي أضحت تشكل تهديدا كبيرا للاقتصاد الوطني من شأنه توجيه ضربة موجعة للسياسات التنموية التي سطرتها الحكومة، فلا يمكن بناء اقتصاد قوي حسب محدثنا في ظل انتشار الأسواق السوداء كالفطريات، داعيا أعضاء الحكومة للتحلي أكثر بروح المسؤولية وتحديد هدف رئيسي يتمثل في محاربة كل أشكال التجارة الموازية واستئصال “الورم” من جذوره لا تهدئته بمسكنات قد تسبب لاقتصادنا مضاعفات نعجز عن علاجها لاحقا.واعترف مسدور بتكبّد الخزينة العمومية خسائر جسيمة جرّاء استمرار هيمنة السوق الموازية التي تتداول سنويا ملايير الدولارات في شكل معدن أصفر خارج أي سلطة ضبط وفي منأى عن حسابات مصالح الضرائب، مشددا على دور أجهزة الرقابة بداية بمصالح الجمارك التي يتعين عليها محاربة ظاهرة التهريب وإدخال الذهب المستورد من إيطاليا، الإمارات وفرنسا خاصة، كونها لا تضاهي أبدا جودة الذهب الملكي.كما دعا كلا من وزارة التجارة ووزارة الداخلية والجماعات المحلية للتنسيق بينهما بشكل يساهم في القضاء على الأسواق الموازية التي تنشط بدون رادع ما شجع على تكاثرها بشكل رهيب خلال السنوات العشر الماضية.وأكد الخبير الاقتصادي أنه من أجل القضاء على السوق السوداء للذهب لابد أولا من إنشاء بورصة أو سوق رسمية تضم جميع البائعين، النظاميين والفوضويين، كإجراء عقلاني لاحتواء التجار غير الشرعيين من خلال منحهم الحق في ممارسة تجارتهم بصفة قانونية وإحصائهم في بطاقية وطنية، مؤكدا أن من شأن الإجراء الأخير المساهمة في الرفع من المداخيل الجبائية للخزينة العمومية وتخليص المستهلكين من أنياب البارونات والتجار عديمي الذمة.كما يرى مسدور ضرورة منع تسويق الذهب المستورد في السوق الوطنية، والذي كثيرا ما يكون ذهبا مغشوشا ومخلوطا بمواد أخرى تؤثر على جودته، ليقع الزبائن في شراك طمع وجشع التجار وضحايا لتقاعس دور أجهزة الرقابة، مشددا في ذات السياق، على ضرورة تجنيد أعوان تابعين لوزارة التجارة يعملون بصفة دورية ودائمة على مراقبة النوعية والأسعار، مؤكدا أن تكثيف دورات الرقابة كفيلة بمحاربة كل أنواع الغش في السوق الوطنية.راضية. ت


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)