الجزائر

"الفجر" تجري مسحا للنصوص الأدبية في المقررات الدراسية الجزائرية الذائقة الأدبية لأطفالنا تحدّدها الصدفة، "المعريفة"، الأنترنت ومجلاّت الكويت




كيف هي مقرراتنا الدراسية الجديدة بعد الإصلاح الكبير الذي تزعّمه بن بوزيد؟ وماذا يقرأ أولادنا من الابتدائي إلى غاية مرحلة البكالوريا؟؟ هل يقرأون لكتّاب جزائريين؟؟ هل هم منفتحين على العالم؟؟ 15 بالمئة، نسبة التواجد الجزائري في مقرراته الدراسية!!  وما هي مقاييس انتقاء النصوص الأدبية الموجهة لبناء حس جمالي للتلميذ الذي سيصبح بدوره مبدعا في المستقبل؟؟ طوال اثني عشر سنة من التحصيل ماذا تُراها تحتفظ ذاكرة جيل بن بوزيد من المقررات الدراسية؟يتجه أولادنا بعد البكالوريا إلى الدراسة التخصصية أو إلى الحياة العلمية، وهذا يعني أن المقرر الدراسي قبل البكالوريا هو الجزء الهام الذي سيشكّل فيما بعد ثقافة وخلفية الفرد الجزائري.. لذا من الضروري جدا أن نسأل عن طريقة انتقاء المقرر الدراسي ومختلف مضامينه، لا سيما من جانبه الثقافي والأدبي لأنه سيمثل حتماً ثقافة جيل بكامله. من أجل الإجابة عن هذا التساؤل، جاءت هذه الدراسة المسحية التحليلية التي شملت كل كتب القراءة والأدب العربي من السنة الأولى ابتدائي وإلى غاية السنة الثالثة ثانوي، علماً أننا ركزنا في المرحلة الثانوية على شعبة الآداب وهذا لكي نقترب أكثر من الرؤية الأدبية التي انكب عليها المشرفين والقائمين على إعداد هذه الكتب، أيضا لم نحتسب نصوص السنة الأولى والثانية ابتدائي لأنها تختص في تلقين مبادئ اللغة الأساسية من حروف وكلمات وتراكيب، وعليه تجمع لدينا 592 نصا، هي عينة الدراسة التي سنطبق عليها تقنيات تحليل المضمون من خلال حساب المؤشرات التالية والمتمثلة في نسبة النصوص الجزائرية في عموم المقرر من الابتدائي إلى الثانوي لكونها الأساس الأول لبناء ثقافة تحمل الخصوصية الذاتية والانتماء إلى مجتمع معين، وكذا نسبة النصوص العربية من دون إهمال النصوص العالمية، هذا بالإضافة إلى نسبة النصوص المأخوذة من الأنترنت والمجلات التي شكّلت في بعض المراحل نسباً مبالغاً فيها، وكذا نسبة النصوص غير الموقّعة أو تلك التي أخذت من المقررات السابقة. واستنادا لكل هذا تشكّلت لدينا المعطيات التالية المبينة في هذا الجدولللهوية الجزائرية سُدس الحكاية15,46٪ هو نصيب النصوص الجزائرية في كامل المقرر الدراسي عبر مراحله الثلاث، وهو ما يعادل السدس، فهل تتمكّن هذه النسبة من تشكيل خلفية جيدة عن الإبداع في الجزائر لدى التلميذ؟؟ ومن هي الأسماء الجزائرية التي حظيت بهذه المكانة التي قد تتجاوز بكثير الجوائز الأدبية لأنها تغلغل اجتماعي لا يحصد الشهرة فحسب وإنما يؤسّس للترسيخ الجمعي..؟ وماذا عن إدراج الجيل الجديد من المبدعين بعيدا عن مفدي زكريا ومحمد العيد آل خليفة؟ يبدو الأمر مثيرا وغير طبيعي لأننا في عصر المعلومات. لسنا نحتاج إلى ثقافة الآخر للمواجهة وإنما نحتاج إلى خصوصيتنا المرتبطة وواقعنا الاجتماعي كي نظل على قدر الإبداع.. ولأن القضية في حقيقتها قضية تكوين وليست قضية تعريف يمكن غض النظر عن هذه النسبة الضئيلة مبدئياً، لكن أن تذهب النسبة المتبقية إلى المجلات والجرائد، فإن النصوص الجزائرية أولى بذلك.من ديب إلى زمّال.. حكاية معرفة أم قصة "معريفة"؟يتعرّف التلميذ في الابتدائي إلى عدد من الأسماء الجزائرية المتداولة في المدرسة الأساسية السابقة على غرار محمد الأخضر السائحي الذي يتكرر في أكثر من موضوع، إلى جانب مولود فرعون في نص وحيد رفقة محمد ديب، ومن الجيل الجديد نجد رابح خدوسي بنص عن لالة فاطمة نسومر.. مع وجود بعض الأسماء التي لا تنتمي للمشهد الأدبي أمثال بلامين نادية أو فاطمة هيرة سيكا أو لطيفة بطي، حيث يمكن تبرير وجودها بالعلاقات الشخصية أو الصدفة.. ومن السهل جدا السقوط صدفة على نص أدبي جميل لكاتب مغمور!!في مرحلة المتوسط توزعت النصوص الجزائرية بين كل من مولود فرعون وعبد الحميد بن باديس ومفدي زكريا بخمس تكرارات، إلى جانب أبي العيد دودو وعبد الحميد بن هدوڤة ومحمد العيد آل خليفة بثلاث تكرارات، كما ورد اسم حنفي بن عيسى ومالك بن نبي ومبارك الميلي وأحمد توفيق المدني ورضا حوحو وكاتب ياسين ومحمد الصالح حرز الله وزهور ونيسي والطاهر وطار بنص واحد لكل منهم. أما عن الأسماء الجديدة فنجد نص جميلة زنير وآخر لبوبكر زمال. فجميلة زنير مقربة من وزارة الثقافة كما أنها ساهمت بشكل أو بآخر في مجال القصة، وأبو بكر زمال هو الآخر ابتعد عن الإبداع وأصبح ناشراً أكثر منه كاتباً نجده بنص "زرياب مبتكر" وقد يعد الأصغر سناً بين جموع الأدباء الذين ينتمون للحركة الجديدة والمتواجدين في المقرر الدراسي.في المرحلة الثانوية تتغير المعطيات كثيراً فلا تكاد تحتوى السنة الأولى والثانية على النصوص الجزائرية ما عدا نص لجميلة زنير مرة أخرى وآخر لأبو العيد دودو، ملك حداد، مالك بن نبي، أحمد رضا حوحو.. لتشكّل بذلك السنة الثالثة ثانوي الاستثناء الفعلي حيث نسجل بها أعلى نسبة للنصوص الجزائرية بما يساوي 22,58٪ من مجموع النصوص العامة.. وبما أن وجود الأديب الجزائري في مقررات السنة الثالثة ثانوي يعني أنه احتمال موضوع امتحان بكالوريا.. وعليه الأسماء الجزائرية المحتملة في مواضيع امتحانات البكالوريا أدب هي:1. مالك بن نبي2. مالك حداد3. عبد الله الركيبي4. زليخة السعودي5. أنيسة بركات درار6. واسيني الأعرج7. عبد العزيز غرمول8. إدريس قوقوة9. محمد البشير الإبراهيمي 10.أحمد بودشيشة11. مخلوف بوكروح12. أبو العيد دودو13. محمد شنوفيهذه الأسماء التي لا تعكس المشهد الأدبي في الجزائر لا قديمه ولا حديثه.. طبعا قد يمكننا إبعاد مالك حداد ومالك بن نبي وعبد الله الركيبي وأبو العيد دودو ومحمد البشير الإبراهيمي، وأيضا زليخة السعودي على الرغم من تجربتها الإبداعية الضيقة التي لو لم يجمعها الناقد شريبط لبقيت أدراج الوجع والمعاناة التي تكبّدت مشاقها المرأة المبدعة في فترة السبعينيات، وكذا واسيني الأعرج بالنظر إلى الضجة العربية التي يتمتع بها، لا سيما بعد كتابه "الأمير". وللإشارة، فإن المقتطف المنشور في كتاب السنة الثالثة ثانوي هو للأمير أيضا. تبقى بعض الأسماء الروائية والمسرحية تثير الكثير من الجدل في وجودها ضمن المقرر خاصة وأن هذه النصوص تراجعها لجنة الاعتماد والمصادقة للمعهد الوطني للبحث في التربية وعليه نتساءل ما هي مقاييس هذا الانتقاء..؟؟ هل هو المزاج.. الصدفة.. العلاقات الشخصية.. وربما هناك أمور أخرى قد لا يعلمها إلا الله والراسخين في أحوال هذا البلد.. الأنترنت و"العربي الصغير"..  المراجع الأساسية في الابتدائيهناك أمر آخر يدعو فعلاً للدهشة من احترافية القائمين على انتقاء النصوص، وما مدى استعانتهم بالأنترنت والمجلات في ضبط نصوص المقررات، ولعل النسبة تبدو معقولة وهي تقارب 15٪ غير أن الموضوع يستحق النظر من عدة أوجه.فالمرحلة الابتدائية ضمّت ما يعادل 14,81٪ من نصوص مأخوذة من الأنترنت والمجلات؛ بينما ارتفعت في مرحلة المتوسط إلى 28,18٪ ولولا أن هذه النسبة انخفضت في المرحلة الثانوية بما يعادل 1,61٪ لكانت قد سجلت نسبة أكبر. وعليه عدد النصوص التي توقّع بهذه العبارة "عن الأنترنت" تبلغ 38 نصاً، فهل كلمة "عن الأنترنت" تعد توقيعاً مرجعياً يمكن العودة إليه!! وبمقدوره أن يعلّم أولادنا الأمانة العلمية، علما أن الدراسات الأكاديمية تطالب كل من يقدم موقع للأنترنت كمرجع لا بد وأن يقدم العنوان الإلكتروني كاملاً ويلحقه بساعة الإبحار l’heure du navigation، لأن الأنترنت في تجدد وتبدل مستمر.. ناهيك عن المواضيع المكثفة حول التكنولوجيات والمعلوماتية على شاكلة الحاسوب، الكتاب الإلكتروني، الكلب الروبوتي، قلم الأنترنت..الخ والتي اعتنى بها القائم على انتقاء النصوص وكأنهم طلبوا منه أن يضم المقرر سمة العصر فجعل ما طلب منه نصب عينيه ونصب يديه.. كما نلاحظ أيضاً أن طبيعة المواضيع المأخوذة من الأنترنت كبيرة الحجم ويمكن جمعها من أمّهات الكتب وليست بالشيء الطارئ والحديث الذي لا توجد مرجعياته إلا على الأنترنت مثل موضوع "من شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم"، "خلق المسلم"، "الطاسلي ذلك المتحف الطبيعي".. ألا تعتقدون أنه من العيب أن يوقّع موضوع مثل "من شمائل الرسول " بـ "من الأنترنت" هذا ناهيك عن المتحف الطبيعي الذي يمثل هويتنا الخاصة والتي هي من أقدم الحضارات على وجه الأرض بـ "من الأنترنت"!! أما عن المجلات فلا شك أن مجلة "العربي الصغير" الكويتية، سترسخ في ذاكرة تلاميذنا إلى يوم الدين، لأنها المرجع الأهم في الابتدائي والسنة أولى متوسط وعندما يكبر التلميذ قليلا ويصير في السنة الثانية متوسط والثالثة والرابعة يكبر العربي الصغير أيضا ويصير العربي.. ولا ندري هل اشترت وزارة التربية الوطنية تلك الحقوق من مجلة العربي والعربي الصغير، أم أنها سرقة أدبية مشروعة لأنها تربي الأجيال العربية!! العالم في عيون مقرراتنا..إن تسجيل نسبة 6.06٪ لحساب الآداب الأجنبية في مقرراتنا يعكس لا شك عدم اهتمام وزارة التربية بهذه النقطة بالموازاة مع النصوص القادمة من المشرق والتي تتعدى نسبة 54.05 ٪، حيث نسجل طفرة وجود بعض الأسماء العالمية الكبيرة مثل أرنست هينغواي وشارل ديكنز وغابريل غارسيا ماركيز، والبقية أسماء عالمية ولكنها علمية أكثر على غرار إدموند هنتز من كتابه "قصة العلم" وريفيلان من كتابه "تغذية المستقبل"، لتكاد تخلو المرحلة الثانوية من الآداب العالمية لأنها اعتمدت على عملية تأريخ الأدب فبدأت من العصر الجاهلي وصولاً إلى عصر الانحطاط، والذي تابع خيط التاريخ هذا يلاحظ غياب العصر الحديث وربما حذف من المقرر لأنه صعب ولم يتفق عليه بعد.. الله اعلم.خطوات في ذاكرة الأجيال القادمةلعل هذا التنبيه البسيط لواقع النصوص الأدبية في المقررات الدراسية قد يفتح شهية الباحثين الذين لا بد أن يأخذوا الأمر محل بحث وتدقيق.. لأن مساءلة خليل شكيب عن النووي الجزائري من المفروض أن يتوجّه به إلى بن بوزيد.. فكل مرة هذا البوزيد يزيد ويسميه سعيد ولا يزال سعيدا بالنووي الذي سيتفجر لا محالة.هو مسح بسيط، اجتهدنا فيه على قدر اطّلاعنا، لنميط اللثام بعض الشيء عن الطبق الأدبي الجمالي الذي يأكل منه أبناؤنا اليوم، ليشكّل ذائقتهم في الغد ولكم التعقيب..


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)